لم يمضي كثيرًا على مرور يوم الشباب العالمي الذي يصادف 12 آب من كل عام، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1999م، من أجل تعزيز الوعي لديهم حول مشكلاتهم وتطلعاتهم، والعمل على خلق الحلول المناسبة لهم، ففي قطاع غزة ربما الأوضاع تختلف عن أي مكان أخر نظرًا للوضع الجغرافي باعتباره قطاع محاصر ويتعرض لسياسات تدميرية ممنهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات طويلة، إضافة للسياسات المعمول بها من قبل السلطة الحاكمة، ويتضح ذلك إزاء الاحصائيات التي تصدر من جهات مختلفة، والتي كان أخرها الاستطلاع الذي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ما وصل إليه الشباب الفلسطيني في قطاع غزة من نتائج كارثية على كافة المستويات، لا سيما المستوى الاقتصادي جاء بفعل سياسات الاحتلال، وتراجع الحالة الوطنية والسياسية المُعقدة التي نعيشها، وضعف المشاريع التنموية، وغياب الاستراتيجية الشاملة بفعل الانقسام الداخلي والتي من شأنها أن تضمن واقع أفضل للشباب.
كشف استطلاع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي أجري في الفترة من بين 18 تموز و3 آب 2022م، عن حالة المأساة التي يعيشها الشباب الغزي جراء الأزمات التي تعصف بالقطاع، حيث اعتلاها سياسات الاحتلال وإجراءاته الفاشية والعنصرية التي عملت على إنهاك الشباب وإضاعة حقوقهم من عمليات قتل وأسر وهدم للمنازل وفرض الإغلاقات المستمرة ومنع السفر، إضافة لعوامل أخرى دفعت الشباب للهجرة منها البطالة، والفقر، والغلاء، والضرائب، ومصادرة الحريات، وملاحقة تفاصيل حياتهم التي يحاولون من خلالها إبراز معاناتهم.
وأظهر الاستطلاع الذي شارك فيه 385 شابًا وشابة، أن 9 من كل 10 شباب يعتقدون أن حياتهم غير طبيعية، وأن 40% منهم لا أمل لديهم في العثور على فرصة عمل خلال السنوات الـ15 المقبلة، مشيرًا إلى أنّ خُمس السكان في غزة هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 عاماً، إضافة إلى أن قيود الاحتلال أثرت سلبًا على حركة الأفراد والبضائع مما زادت من الأزمة الإنسانية، كما أن 88.8 % من المشاركين في الاستطلاع اعتبروا أن الحياة في غزة غير طبيعية مقارنة بغيرها، وأرجعوا ذلك إلى تداعيات جولات التصعيد المتكررة، والإغلاق والقيود المفروضة على الحركة، والخلافات الفلسطينية الداخلية.
وأوضح، أن 95.6% من الشباب تأثروا سلبًا بالأوضاع الإنسانية بسبب انخفاض مستوى الدخل وانعدام فرص العمل وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويتمثل ذلك في الانقطاع المستمر للكهرباء وقلة جودة المياه وخدمات الصرف الصحي وسوء التغذية، وأن 49% من الشباب يعانون من التوتر والقلق والاكتئاب، فيما 34.5% منهم يعانون من مشكلات اجتماعية متعلقة بالروابط الاجتماعية، و12.4% منهم يمتنعون عن الزواج، وأن لا أمل لدى 40% منهم في العثور على فرصة عمل، كما عبر 42.9% منهم عن انعدام الأمل لديهم في الحصول على عمل خلال الأعوام الـ15 المقبلة، ويعتبر 69.9% منهم أن انعدام الاستقلال المالي لهم هو من أهم تداعيات التدهور الاقتصادي.
لا شك أن مُجمل الأزمات التي ذكرت تقف عائقًا أمام نهوض واقع الشباب الذي بات يهرب إلى الموت، لكن بكل أسف، منذ 15 عامًا، لم تفلح محاولات النجاة من الانقسام الأسود، من أجل التصدي لكل محاولات الوقوع في الخطيئة الوطنية الكبرى وهي إفراغ الوطن من هم عماده وأداة التغيير فيه. كما تستمر حالة التدمير لمن هم معول البناء عبر تنفيذ جملة من السياسات الحكومية الخاطئة التي بدلًا من تعزيز صمودهم تجعلهم يهاجرون بحثًا عن الحياة الآمنة والكريمة.
والغريب هنا، أننا نتحدث عن مجتمع فتي، أي النسبة الغالبة فيه هم من الشباب الذين من المفترض أن يكونوا رمزًا للتغيير، ويطالبون بوضع سياسات حكومية تعزز من صمودهم بما يمكنهم أن يكونوا جزءًا أصيلًا من المعادلة الوطنية التي تقوم على مواجهة الاحتلال وسياساته التي تهدف إلى إنهاء الوجود الفلسطيني، وإلهاء الشعب بأزماته الإنسانية، وهذا يستدعي تطوير عمل الأحزاب والحركات الشبابية التي تحمل هموم الشباب والدفاع عنها بدلًا من الاستسلام للواقع المرير.
إن النسب السابقة تُظهر الفشل المدوي لدى الجهات المختصة بشؤون الشباب، وأن الإقرار بالاهتمام في قضايا الشباب مصلحة وطنية كبرى أصبح شعارًا فارغًا بلا مضمون في ظل حالة الانقسام الداخلي الذي دفع بألاف الشباب نحو الهجرة والموت البطيء دون تحقيق أدنى طموحاتهم على أي صعيد يُذكر، كما زاد من نسبة البطالة التي تفوق 60%، وفقر العائلات الذي يصل إلى 82%، الأمر الذي يتطلب ضرورة تعزيز الاستقرار النفسي والاجتماعي.