تواجه بريطانيا نقصا حادا في اليد العاملة لسد الطلب الكبير لشغل الوظائف التي يحتاجها السوق وظلت شاغرة منذ أشهر.
ووصل سوق العمل البريطاني إلى مستوى يعاني فيه من نقص في العمال بلغ ملايين الوظائف، مما دفع الشركات لدق ناقوس الخطر من أن عجلة الإنتاج في البلاد سوف تتضرر بشكل كبير على المدى الطويل.
وتمارس الشركات الكبرى ضغوطا على الحكومة من أجل إقرار خطط لتسهيل هجرة اليد العاملة إلى بريطانيا، وتخفيف القيود التي فرضتها على الهجرة، وإلا فإن عددا من الوظائف لن تجد يد عاملة للقيام بها.
ما حجم النقص في سوق العمل البريطاني؟
بحسب آخر الإحصاءات الرسمية خلال آخر أسبوع من سبتمبر/أيلول، فإن هناك حوالي 1.9 مليون عرض عمل في السوق بانتظار من يحصل عليها.
هذه المعطيات التي قدمتها كونفدرالية العمل والتوظيف البريطانية (REC)، هي نتيجة تجميع للمعطيات من سوق الشغل منذ يناير/كانون الثاني 2020 وإلى غاية سبتمبر/أيلول 2021، وتظهر أن سوق العمل البريطاني وصل إلى عجز قياسي لم يبلغه منذ أكثر من عقد من الزمان.
وبحسب المصدر نفسه، فإنه خلال أسبوع واحد من سبتمبر/أيلول (ما بين 13 و19 منه)، تم الإعلان عن أكثر من 223 ألف وظيفة جديدة، بالتزامن مع العودة من العطل الصيفية وبداية الموسم الدراسي الجديد.
وعلقت كونفدرالية العمل والتوظيف البريطانية على هذه الأرقام بالقول إنها "أخبار جيدة لولا أن هناك نقصا في العمال، مما يساهم في تباطؤ تعافي الاقتصاد من تبعات جائحة كورونا"، مضيفة أن آخر استطلاع أجرته أظهر أن 3 من أصل 5 شركات تبحث عن موظفين تعاني نقصا في العمال بنسبة 30%، وقالت 97% من هذه الشركات إنها تحتاج مدة طويلة قبل العثور على عمال جدد.
ما أسباب هذا النقص؟
هناك 3 عوامل رئيسية لهذا النقص الكبير في اليد العاملة، هي:
ارتفاع عدد كبار السن في سوق الشغل ممن يحالون إلى التقاعد أو يختارون مغادرة العمل بعد سن الخمسين، وبحسب بعض التقديرات الاقتصادية فإن حوالي 500 ألف شخص تفوق أعمارهم 50 سنة غادروا سوق الشغل في بريطانيا منذ بداية وباء كورونا.
البريكست، حيث غادر سوق العمل البريطاني حوالي 250 ألف شخص، خوفا من تغيير قوانين الهجرة.
فئة كبيرة من الطبقة الشابة ما زالت تدرس حتى الآن، وهذا يحرم سوق الشغل من 300 ألف من العاملين، ولم يعد بالإمكان تعويضهم بعد البريكست، لأن عددا كبيرا من الطلبة الأجانب الذين كانوا يشتغلون أثناء دراستهم عادوا إلى دولهم الأوروبية.
ما أكثر المهن المطلوبة حاليا؟
أكثر قطاع يحتاج لعدد كبير من العاملين هو قطاع رعاية كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لأنه يعاني من نقص بحوالي 55 ألف وظيفة، وهو أكثر قطاع تضرر بفعل وباء كورونا ويعرف طلبا كبيرا.
كما أن هناك الكثير من طلبات توظيف العاملين في المطاعم وخصوصا الطهاة، حيث تم الإعلان خلال سبتمبر/أيلول عن 30 ألف وظيفة للعاملين في قطاع المطاعم، إضافة لأكثر من 22 ألف طلب وظيفة في مجال التنظيف والأعمال اليدوية.
وما زال قطاع نقل البضائع والمحروقات من أكبر القطاعات التي تشهد نقصا كبيرا في عدد سائقي الشاحنات الكبرى. وبحسب وزارة النقل البريطانية، فإن هناك حاجة إلى 100 ألف سائق مؤهل لقيادة شاحنات نقل الوقود، وتقدم شركات النقل رواتب كبيرة لسائقي الشاحنات الكبرى تصل إلى حوالي 100 ألف دولار في السنة، وهناك مخاوف من تكرار ما وقع العام الماضي عندما حدثت أزمة الوقود في البلاد.
ما خطط الحكومة لتجاوز هذا العجز؟
تواجه الحكومة ضغوطا متزايدة من الشركات لوضع خطط جديدة وتعديل قانون الهجرة بالنسبة لليد العاملة التي يحتاجها سوق العمل البريطاني، وذلك لأن القانون الحالي يفرض نظام تنقيط صارما والحصول على عرض عمل، والتمكن من مستوى جيد من الإنجليزية، ويضع قيودا كبيرة على العمال اليدويين والحرفيين والعمال في أماكن الترفيه والسائقين.
وتدرس الحكومة وضع خطط خاصة لمنح تأشيرات عمل بشروط سهلة للعاملين في قطاعات معينة، مثل سائقي الشاحنات الكبرى، والعاملين في دور الرعاية، وفي التمريض، ومنح تأشيرات موسمية للعاملين في القطاع الفلاحي والسياحي.
هل هي أزمة مؤقتة؟
بحسب دراسة للمركز الدولي لأمل الحياة (ICL) البريطاني، فإن سوق العمل البريطاني سيشهد نقصا في العاملين سيصل إلى 2.6 مليون وظيفة بحلول سنة 2030، وذلك في قطاعات النقل، والتمريض، والتعليم، والترفيه، وهي من أكثر القطاعات توظيفا للعمال في بريطانيا.
وبحسب المركز، فإن سوق العمل في بريطانيا يتجه نحو الشيخوخة، مما يعني أن عددا كبيرا من العاملين فيه سوف يتقاعدون، وهناك نقص في عدد الشباب الذي يدخلون سوق الشغل بحثا عن هذه الوظائف، ولو استمرت الحكومة في تشديد القيود على منح تأشيرات العمل، "فإن العجز سيصبح كبيرا وسيوجه ضربة قوية للاقتصاد".