كان الفرح يملأ قلبه، وحدقة العينين تتسع قليلًا، ويداه ترويان الحكاية، "هناك مكان إقامتي الدائم، وضعت الحجارة والشواهد وحجزت مكاني" حينما قالها لم يشعر بالتوتر أو القلق، ولم يبدِ أي مخاوف من حياته تلك؛ لأنه يثق تمامًا أن صديقه المسجى بدمائه الطاهرة عبدالله الحصري ينتظر لقاءه.
بعد استشهاد عبدالله الحصري برصاص الاحتلال في الأول من مارس 2022، رسم متين ضبايا (25 عامًا) طريقه؛ فقد وضع الحجارة والشواهد إلى جانب قبر صديقه عبدالله، متعهدا بأن يمضي في الطريق ذاته؛ حاملًا رشاشه دفاعًا عن تراب فلسطين المغتصب، وعن مسرى النبي صلى الله عليه وسلم.
الساعة كانت تُشير إلى الرابعة من مساء يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2022 عندما التقى متين بأحد أصدقائه المقربين، طلب منه مرافقته لزيارة قبر الشهيد عبدالله الحصري، قائلًا: "رأيته في المنام مبتسمًا جميل الوجه، كأنه يطلبني لمرافقته".
دقائق قليلة حتى وصل متين وصديقه إلى قبر عبدالله وقرأوا عليه سورة الفاتحة، لم يكن على لسانه إلا الحمد لله والشكر على نعمه، والانتقام لدماء الشهداء؛ فقد كان محبًا صادقًا ومخلصًا، حفظ وصية أصدقائه الشهداء (عبدالله الحصري – داود الزبيدي – أحمد السعدي) ثلاثي الرعب في مخيم جنين، حتى نال الشهادة مقبلًا غير مدبر.
يوم عرسه
في يوم الجمعة 14 أكتوبر 2022 وعلى غير العادة، استيقظ متين مبكرًا، يقول صديقه لـ"شمس نيوز": "إن متين رجل المهمات الصعبة، ليله نهار، ونهاره ليل، يرصد ويتابع ويكتب تحركات العدو؛ فكان رجلًا صادقًا مخلصًا لله، والوطن، ولأصدقائه".
بعد استيقاظه بساعات التقى صديقه المقرب، وأخبره عن نيته للخروج في نزهة ترفيهية لبساتين وجبال جنين، وهذه المنطقة يعشقها متين كثيرًا؛ لكنه يزورها في الخفاء؛ فهو مطارد لقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو ثلاث سنوات.
ففي عام (2018) أصيب متين برصاص الاحتلال، واعتقل في زنازينه، وأفرج عنه بعد أشهر عدة، ومنذ تلك اللحظة أخذ على عاتقه أن يسير خلف الشهداء، ليرسم طريق العزة والكرامة إلى جانب أصدقائه الأبطال.
وعندما أبلغ متين صديقه عن نيته للخروج بنزهة إلى جبال جنين وبساتينها الخضراء، أخبره بأن يغسل السيارة (رباعية الدفع) وأن يشتري بعضًا من الأطعمة والمشروبات؛ استعدادا للنزهة بعد صلاة العصر.
دقائق معدودة مرت كالسحاب على لقاء متين بصديقه، حتى أُعلن عن اقتحام كبير لقوات جيش الاحتلال لمخيم جنين شمال الضفة المحتلة، وعلى وجه السرعة غادر متين المكان، وذهب إلى عرينه وموقعه المفضل حيث رشاشه ورصاصاته.
أسرع متين في خطواته، وبدأ يبحث عن مكان آمن يستطيع من خلاله اصطياد جنود الاحتلال؛ لكن قناصة الاحتلال سبقته، ونصبت له وللمقاتلين كمينًا قاتلًا، وأثناء تنقله من حارة إلى أخرى ومن شارع إلى آخر، تمكنت قناصة الاحتلال من خطف روحه الطاهرة، وبذلك فقد قتلت رغبته بتوجهه إلى رحلة ترفيهية لبساتين وجبال جنين.
حياته بسيطة جدًا
متين هو واحد من 6 أبناء، عشق المقاومة والجهاد، تعرف على ساحات القتال، يقول شقيقه إسلام: "كان يعمل في بلدية جنين، ويحب عمله كثيرًا، ويحب تقديم الخير للمواطنين جميعًا، لم أره يومًا إلا مبتسمًا".
لم يكمل متين دراسته؛ إذ خرج مبكرًا لمساعدة أهله وذويه، إلا أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا دفعته للدفاع عن نفسه وعن أهله وأصدقائه وأحبابه، فهو الإنسان الطيب الصادق المحبوب، هكذا وصفه شقيقه إسلام لـ"شمس نيوز".
وترك متين رسالة لأصدقائه طالبهم فيها بضرورة التمسك بالبارودة، وعدم التنازل عنها مطلقًا؛ لمواجهة الاحتلال مهما كانت قوته، فهو مهزوم ونحن المنتصرون، يقول صديقه: "سنكمل المسيرة التي رسمها متين والشهداء؛ لنعيش بحياة كريمة، نحمي مقدستنا ونساءنا، ونستعيد أرضنا".