قبيل الساعة 12 بخمسة عشر دقيقة ليلاً وزعت "مجموعة عرين الأسود" تغريدة قالت فيها انتظرونا في بيان صحفي عند تمام الساعة الثانية عشر أي بعد ربع الساعة، فانتظرناهم على أحر من الجمر بعد أن سطع نجم عملهم المقاوم من مهاجمة للحواجز "الإسرائيلية" ومركبات الجيش والمستوطنين الذين أرهقوا الفلسطينيين بجرائمهم.
دقت عقارب الساعة الثانية عشر وانتشر البيان وكان أبرز ما جاء فيه رسالتين الأولى للفلسطينيين أن تجهزوا بالتكبيرات عن أسطح منازلكم بعد نصف ساعة من الآن والثانية لجيش الاحتلال ومستوطنيه أن القادم إليكم في هذا الوقت هو البارود والنار.
لم يخذل الفلسطينيون، "مجموعة عرين الأسود" وصعدوا لأسطح المنازل ومنهم من نزل إلى الشوارع ومع دخول الساعة تمام الثانية عشر ونصف حتى علا صوت التكبيرات ممزوجاً بوابل الرصاص الذي بدأ ينهمر صوب حواجز الجيش والمستوطنات المقامة على أراضي نابلس "جبل النار" .
اختيار التوقيت والتنفيذ في تمامه لم يكن وليد اللحظة فكلنا نعرف "تاسعة البهاء" والتي سماها الفلسطينييون بذلك المصطلح نسبة لقائد أركان المقاومة الفلسطينية الشهيد: بهاء أبو العطا الذي اعتاد أن يعطي لرجاله ايعاز قصف مغتصبات الاحتلال ومدنه بتلك الساعة حتى أن الاحتلال كان يتوقع صواريخ المقاومة في أي يوم عند ذلك التوقيت الذي حدده رجالات سرايا القدس حتى حذى حذوهم آخرين.
وفي معركة سيف القدس وبعد كلمة مسجلة للقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف كان قد حدد للاحتلال وقادته الساعة السادسة مساء ليتوقف زحف المستوطنين نحو المسجد الأقصى ومحيطه وإلا فإن كل المقاومة ستتوحد خلف ذلك التوقيت وتبدأ بقصف المدن الكبرى والمغتصبات المحاذية إلا أن قادة الكيان لم ينصاعوا لأوامر المقاومة الفلسطينية التي تعي وتقدر جيداً أهمية التوقيت الذي تعد فيه شعبها أولاً وتهدد فيه عدوها ثانياً، فانهمرت الصواريخ حمماً على رؤوسهم.
وليس أخيراً خلال معركة "وحدة الساحات" التي خاضتها سرايا القدس عقب اغتيال قائد أركانها الشمالية تيسير الجعبري، كان لتحديد توقيت إطلاق الصواريخ الحضور الأبرز وعلى نفس التوقيت الذي حدده الشهيد القائد بهاء أبو العطا، وما عرف بتاسعة البهاء، انطلقت الصواريخ بينما قادة الاحتلال مذهولين من صدق ودقة ساعة المقاوم الفلسطيني الذي لم يحسب لكل أنظمة الاحتلال الدفاعية أي حساب وضربهم في عقر دارهم بصواريخه.
وبعد أن شاع هذا التكتيك اتبعه المقاتلون في "عرين الأسود" ومعهم مقاتلوا كتيبة جنين وغيرها ليثبتوا للمنظومة الأمنية الإسرائيلية مرة أخرى أن صاحب الأرض هو الأصدق والأقدر على سحبكم نحو ساحة الاشتباك وفق عقارب ساعته وحسب ما يراه مناسباً بالتوافق مع حاضنته الشعبية التي لم تخذله وخرجت للتكبير عن أسطح المنازل وعلى مفترقات الطرق.
إذن نحن على موعد مع ترسيخ تلك القاعدة من قواعد الاشتباك التي ابتكرها الفلسطيني ليؤكد للاحتلال ولكل منظوماته الأمنية والاستخباراتية، أنه الوحيد الذي يتحكم بالنار وفق توقيته الذي يختاره، وأن كل تلك المنظومات المعقدة والمتطورة لن تستطيع ردعه أو إيقافه أو حتى تأخيره عن تنفيذ عمله البطولي كونه استفتى على ذلك التوقيت شبعاً متعطشاً للحرية والكرامة ولو كان ذلك على حساب دمه.