من الملاحظ أن معظم التقارير والتحليلات الإسرائيلية التي تتناول ظاهرة تنامي المقاومة المسلحة في شمال الضفة الغربية خاصة مجموعة "عرين الأسود"، تأتي من باحثين وصحافيين أمنيين وعسكريين، عملوا في السابق في الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبعضهم تولوا مناصب مهمة. ويستمدون معلوماتهم من أجهزة الأمن، ويتماهى بعض من أولئك مع وجهة نظر ورؤية الجيش الإسرائيلي لمواجهة المقاومة الفلسطينية وطرح الحلول البديلة للمواجهة الأمنية.
وينطلق هؤلاء في تحليلاتهم من رؤية أمنية، ومع أنهم ينظرون بخطورة للمقاومة المتصاعدة، وأنها تحد لإسرائيل، ووصف عدد من المحللين مجموعة "عرين الأسود" بانها تبنت رموز جديدة "زي أسود"، يظهر بندقيتين من طراز M-16 متقاطعتين فوق قبة الصخرة وشرائط صدر حمراء (للإشارة إلى أن أسلحتهم لا تستهدف الشعب الفلسطيني، خلافا للأجهزة الأمنية). الغرض منه، والذي يظهر في بيانهم "السير على خطى الشهداء"، لمواجهة جنود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتعطيل نسيج حياة المستوطنين، وكذلك لإثارة الجمهور الفلسطيني إلى انتفاضة شعبية واسعة.
وان مجموعة "عرين الأسود" هي نوع من التيار الثوري الشاب والعسكري الذي يعارض الخط السياسي للرئيس محمود عباس وخاصة التنسيق الأمني مع إسرائيل وحكم السلطة الفلسطينية الفاسد.
وفي المرحلة الحالية، تركز المجموعة على المواجهة مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، لكنها قد تصبح لاحقًا معارضة بارزة لقيادة السلطة الفلسطينية. كما تتلقى المجموعة دعمًا من صفوف فتح، وخاصة من أولئك الذين يعارضون الرئيس عباس وشركاؤه حسين الشيخ وماجد فرج. لذلك، من الصعب القول بحزم أن مجموعة "عرين الأسود" هي منظمة واحدة سيتم حلها لاحقًا. من المحتمل أن تكون هذه هي أول نبتة لسلسلة من التنظيمات المحلية لخلايا فدائية مستقلة غير تابعة لمنظمات، والتي ستنمو وتعمل في الضفة الغربية (يهودا والسامرة) والقدس حيث تعمل بالفعل مجموعات من الشبان الفلسطينيين.
من خلال المتابعة بدأ بعض المحللين في طرح الأسئلة، والخشية قائمة من تنامي مجموعات مقاومة أخرى. وعلى الرغم من أن بعض المحللين، يقولوا أن إسرائيل مرتاحة في التعامل مع السلطة الفلسطينية في شكلها الحالي، كما أن الانقسام السياسي الفلسطيني يساعد على الاستمرار في هذا النهج، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن العبء الكامل للمسؤولية عن إدارة حياة السكان الفلسطينيين لا يقع على عاتقها.
ولم يتوقف الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، عن الممارسات العدوانية وعمليات الاعتقال والقتل اليومي، واستمرار ما يسمى عملية "كاسر الأمواج" في شمال الضفة، في ظل واقع بائس يعشه الفلسطينيين، وبدون أمل ولا يوجد فيه شعور بالخروج منه،
في تقرير للباحث أودي ديكال نشر على الموقع الالكتروني لمعهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي قال فيه: هناك من يعتقد أن الوقت قد حان لعملية "السور الواقي 2" في إسرائيل. ولكن ما هو الغرض من مثل هذه العملية، إذا لم يكن لإسرائيل هدف سياسي من المفترض أن تروج له هذه العملية؟ ما معنى التأييد لفكرة الدولتين التي أعلنها رئيس الوزراء يائير لبيد على خشبة المسرح في الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون أفعال بروح هذا التصريح؟ بعد كل شيء، لا يمكن تحديد التطلعات العرقية والدينية والقومية بقوة السلاح وحدها.
حتى الآن، فإن الإنجاز الوحيد من وجهة نظر إسرائيل هو عدم وجود دافع لدى الجمهور الفلسطيني للتعبئة من أجل نضال شعبي عنيف، تتصاعد وتتوسع. سئم الجمهور الفلسطيني من قيادة السلطة ويأس منها، وحتى لو رأى أهمية وإنجازًا وطنيًا في وجود مؤسسات السلطة، فهو يرغب في تغيير حقيقي في رؤساء القيادة وأنماط نشاطها.
"ويضيف ديكال أن "عرين الأسود" إشارة أخرى لإسرائيل بأنها لن تكون قادرة على "احتواء" الأراضي الفلسطينية إلى الأبد، ومرحلة أخرى في إضعاف السلطة الفلسطينية في اليوم التالي لما بعد عباس. قد تظهر عدة سيناريوهات من الوضع الحالي: (1) مبادرة تنمو من أسفل وتجمع دعم الجمهور الفلسطيني لتغيير القيادة والقواعد الحالية للعبة. (2) سيطرة حماس على تنظيم وزيادة الإرهاب والفوضى في الضفة الغربية.
(3) الضغط الدولي على إسرائيل للسماح بإجراء انتخابات المجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية، باعتبارها السبيل الوحيد للحفاظ على السلطة.
ولا توجد طريقة تضمن مستقبلاً وطنياً أفضل ولا توجد قيادة يمكن الاعتماد على السلطة الفلسطينية وضعفها، وازدياد حدة الصراعات الداخلية على الساحة الفلسطينية بعد يوم من إعلان وفاة الرئيس محمود عباس.
إضافة إلى انعدام الدافع للتصدي للمقاومة من جانب الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والوضع الاقتصادي الصعب للشباب الفلسطينيين، والأخطر بالنسبة لإسرائيل هو توزيع وتوافر الأسلحة والذخيرة على نطاق واسع. لهذا السبب نشأ الفراغ الذي تندلع فيه مجموعات من الشباب الفلسطيني المقاتل، الذين ينجحون في استقطاب شباب آخرين. هدفهم محاربة الاحتلال، بينما يحاولون إثارة احتجاج شعبي.
بحسب المعلقين الإسرائيليين إن عرين الأسود، لا تنتمي إلى أي من التنظيمات أو الحركات، إلا أنها مزودة بأسلحة مهربة ومصنعة محليًا، ويبدو أنها تكافأ بأموال من حماس والجهاد الإسلامي.
على الرغم من اعتبار إسرائيل "عرين الأسود" ظاهرة وتحدي حقيقي وممتدة، إلا أن السلطة الفلسطينية لا تزال متمرسة في رؤيتها ومواقفها، ورغم اندلاع الاحتجاجات على الاعتقال، لا تزال السلطة تحتفظ بسيطرة ما. وأن الرئيس محمود عباس، الذي ما زال متمسكا برؤيته لـ "سلطة واحدة، سلاح واحد وقانون واحد"، وهناك ما لا يقل عن 20 ناشطًا في المجموعة أو أفرادًا من عائلاتهم محتجزون من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويخضعون لجهود للتخلي عن التنظيم والحصول على وظائف بالمقابل في السلطة أو الأجهزة، مع الوعد بالحصانة من الاعتقال الإسرائيلي.