فلسطين عربية الهوية... الكيان الصهيوني زائل... تلك كينونة التاريخ وصيرورته...
فلسطين الشعب، الأرض، اللُّغة، الثقافة، الهوية، الحضارة، التاريخ والجغرافيا.
فلسطين الدين والمقدسات..
فلسطين مقبرة الغُزاة والطامعين والمغتصبين على مر الزمان والتاريخ.
تُعتبر محددات "عوامل" الهوية الثقافية والحضارية لفلسطين خاصةٌ بالفلسطينيين وحدهم، كشعبٍ أصيلٍ منغرسٌ في أرض وطنه منذ فجر التاريخ، توارث هذه الأرض وقيمه الاجتماعية والثقافية والحضارية من آبائه وأجداده عبر الحقب الزمنية بانسيابية التاريخ، والعرق البشري، وتفاعُل المجتمع الإنساني، في مدن فلسطين التاريخية القديمة أريحا وغزة والقدس والخليل وعكا وغيرها من المدن العتيقة كمراكز تتجمع حولها قرىً في الجليل والساحل والنقب وتلال القدس، ليُشكل جزءاً من المجتمع العربي ومن الأمة الإسلامية في ارتباطٍ حضاريٍ وثقافيٍ منتظمٍ، لا يشوبه أي انتقاص لمجتمع إنساني، ولا يعاني من أية عُقدٍ مرتبطةٍ بالوجود أو البحث عن مكان بين الشعوب أو الأمم،.... كمن جاؤوا من فضلات الشعوب لدناءتهم من أواسط آسيا،... مطرودين كعصابات لا تحمل أية قيمٍ إنسانيةٍ أو هوية، ويُنشِئون مملكتهم الخزرية "خزاريا في القرن الثامن" في وسط أوروبا "في منطقة القرم"،.... ويرتبطون بدينٍ عن طريق القرعة التي أجراها مَلِكَهم، وسموا أنفسهم باليهود في أكبر تزويرٍ وافتراءٍ للتاريخ الإنساني، بعد أن أرسل ملكهم مجموعة من مستشاريه ليدرسوا تعاليم التلمودية البابلية ويعودوا أحباراً وحاخامات، ساعين إلى التخلص من عقدة الانحلال الأخلاقي والقيمي التي تلازمهم، والتي كانت سبباً في طردهم من وسط آسيا كعصابات وقُطّاع طرق... هؤلاء هم ما يطلق عليهم الآن "الكيان الصهيوني".
فعقدة الوجود تُلازم هذه الشرذمة البشرية في كل مسلكيات حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أينما حلوا، ويعملون من منطلقات الخوف، إلى أن فَنَت دولتهم "خزاريا" ولم تُعَمِر، وبقوا مشتتين في أوروبا وبعض المناطق من العالم، يُشعلون الفتن ويُخَربون ويُفسدون المجتمعات، كونهم يتوارثون الدنيء من القيم وسوء الأخلاق، وهذه محددات ثقافتهم العامة والخاصة، إلى أن جيء بهم إلى أرض فلسطين ويُنشئون دولتهم المزعومة بدولة الرب "إسرائيل"، ويبدؤون رحلةً أخرى من البحث والتنقيب في أعماق أرض فلسطين، لإثبات عرقهم وجنسهم البشري بين الحفريات، ليستدلوا به على أية دلالة لهذا الجنس المزعوم بنقاء الدم والقيم، كشعب الله المُختار، مُدَّعين أنهم أحفاد هذا الشعب الذي أقام مملكةً على أرض فلسطين عبر التاريخ في يومٍ من الأيام، وينسبون أنفسهم لله تارةً وأنهم أبناؤه وأحباؤه تارةً أخرى، منطلقين من أفكارٍ ونظرياتٍ تلموديةٍ بابليةٍ كتبها حاخامات بعد خراب هيكلهم وفق معتقدهم على يد نبوخذ نصّر، في مخالفةٍ للشرائع السماوية ومخالفةٍ للوقائع التاريخية، ويدَّعون بأنها التوراة ويؤمنون بها كشريعة دين، ولتجمعهم المصالح مع من يعتقدون نفس المعتقد من المجتمعات الأخرى "البروتوستانت" في أسطورة العهد القديم، والعهد الجديد لإعادة إنشاء مملكة الله على أرض فلسطين.
هذه العُقَد التي تُلازمهم، تتمثل في النشأة والوجود والتاريخ والتعليم والثقافة والحضارة والقانون، وهي المُكوِنة والمُشَكِلة لأسفار تلمودهم، وتنعكس في مظاهر سلوك هؤلاء الشرذمة البشرية وساستهم، إذ يتقمصون مظاهر الثقافة والحضارة الأصيلة الخاصة بشعب فلسطين، ذات الرمزية والدلالة المرتبطة به وينسبونها إليهم، فيحاولون إقناع العالم بصحة فكرهم ومعتقدهم ولم ولن يستطيعوا، ونقبوا عن جذورهم فلم يجدوا لهم أي دليل، وبحشوا في الأرض وحفرياتها فلم يعثروا على أي إثبات لادعائهم بنقاوة الجنس والدم، وكتبوا ووثقوا وزوروا كتباً في التاريخ، ولم يفلحوا بإثبات أنهم شعبٌ أو جماعةٌ بشريةٌ، أو أن لهم أرضٌ كانوا عليها، أو لهم حضارة أو ثقافة أو أدنى مقومات الجماعة الإنسانية المتعارفٌ عليها في علم الاجتماع، التي تُنشِئ مجتمعاً أو شعباً، ولبسوا وصنعوا وأنتجوا ما يدلل على أنهم من الأرض..... فكانوا أُضحوكة التاريخ،!!!!!! ليُثبتوا... أنهم الكيان المارق.
وفي هذا السياق.... يطل علينا هذا الكيان بصياغة قوانين القومية والضم وفرض السيادة ليثبتوا يهودية كيانهم،.... ليُدلل ويبرهن أنه كيان يعاني من عُقدة الوجود،.... وأنه لا يملُك هذه الأرض،... ويُجَسِد بذلك أنها أرض الشعب الفلسطيني الخاصة بالفلسطينيين وحدهم،.... وأن هذه القوانين وصياغة ألفاظها وعباراتها لم تسعف هذا الكيان في إثبات وجوده.
فاليهود ليسوا بقومية حتى يُنشئوا أو يكون لهم وطنٌ، ولا تنطبق عليهم معايير كلمة شعب أو جماعة ومجتمع وهذه حقيقةٌ علميةٌ يثبتها العلم. والقوانين تُقر وتعترف أن الأرض ليست مُلكَهم ليستحوذوا عليها، وتُقر القوانين وتعترف أن الشعب الموجود على هذه الأرض هو شعبٌ متجذرٌ فيها، وإذا رغب هذا الكيان بإزالة هذا الشعب منها، يجب إبادته، حتى وإن قام بالاستيطان وهذا ينطبق في المناطق التي نشأ عليها هذا الكيان على فلسطين التاريخية.
لذا.... نظرية القانون والقاعدة القانونية التي يحاول الكيان التحايل من خلالها ترفض هذه القوانين التي صنعها، كونُها تخالف الأسس والقواعد النظرية لفلسفة القانون والتشريع ولا يحق له التشريع كونه عصابات مُستَعمِرة، هذه الفلسفة تنبع من وجود مجتمع وهو ما يفتقده ويعاني منه هذا الكيان.
وبناءً على ذلك... لاقت هذه التشريعات رفضاً ومعارضةً من معظم حكومات العالم سواءً منفردةً كانت أم من خلال اتحادات ومنظمات دولية، كونها تُعبر عن مجتمعات إنسانية لها قيم وثقافة وحضارة لا ينبغي تلويثها، فهي بذلك تدافع عن منطلق حضاري وثقافي، وفي نفس الوقت تنكر منطق القوة، حيث تفهم هذه الشعوب وحكوماتها أن منطلق القوة لا يشكل ولا يجسد ولايقر وجود لكيان، ولا يمثل شيء أمام حركة التاريخ ومحددات الحضارة والثقافة الإنسانية.
وأخيراً.....يأتي هذا الكيان ليأخذ الاعتراف به على هذه الأرض من دويلات في المنطقة نشأت في ظروف تاريخية غير سليمة في مخالفة لمنطق التاريخ الإنساني والاجتماعي للدول الراسخة، فجاءت نتيجة طفرة اقتصادية كدول ريعية "المعتمدة على ثروات فجائية".
من هنا..... مهما فعل أو أنشأ أو أقر هذا الكيان من تشريعات وإجراءات، ومهما عقد من اتفاقيات السلام الإبراهيمي أو تطبيع، يبقى باطلاً...ولا محالة زائل....
فهذا الكيان هو الجسم الغريب والدخيل في المنطقة العربية، بل في العالم كله، كيف لا.. وهو لا يتمتع أو يحمل من حقيقة اللُغة والثقافة والحضارة الدالة عليه ليكون كما يدعي بالسامية والجنس النقي... فهذه الشرذمة البشرية ليسوا بالساميين أو العبرانيين الذين عبر النهر كساميين شرقيين، وليسوا ببني إسرائيل الذين يدَّعون اليهودية.
فالتوراة شريعة موسى عليه السلام ليست بدين إنما دينه الإسلام، ولم تُكتَب التوراة بلغة القوم الذين عبروا النهر "دجلة والفرات" من السامية الشرقية إلى السامية الغربية، وكلمة يهودية لم تكن في زمن سيدنا موسى عليه السلام، ولم يدخل موسى عليه السلام أرض فلسطين نهائياً.. ومن دخل من أنبياء بني إسرائيل أرض فلسطين مثل سليمان وداود وزكريا وعيسى عليهم السلام لم يؤمن بهم بني إسرائيل وليسوا على علاقة بالتوراة.
ففلسطين للفلسطينيين، العرب الأقحاح، وشعب فلسطين من الأمة العربية والإسلامية، من يريد إبادته أو بتره عن هذه الأمة لابد من مواجهة هذه الأمة مجتمعة، وإن كانت هذه الأمة تمر بمرحلة ضعفٍ أو انتكاسٍ.. فهذا لا يعني بقاء الحال على حاله، فالأيام دولٌ والأحداث متقلبةٌ، وحركة التاريخ مستمرة إلى الأمام وليست إلى الخلف.
وأختم هذا المقال بعبارتين دالتين على هذه الحركة للتاريخ وهما:-
"يسير مع المياه الزبدُ ... وتبقى في الوادي الحجارة"
و " الزرع للزريعة والأرض لأصحابها".
د. فواز السوسي
باحث سياسي