عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في جمر النضال الهادر, اعلم انني سأستشهد عاجلا ام اجلا, واعلم انني لن احرر فلسطين بعمليتي هذه, ولكني نفذتها وانا اضع هدفا امامي, ان ثمرة العملية مئات من الشبان الذين سيحملون البندقية بعدي» هذه الكلمات تداولتها وسائل الاعلام المحلية ونسبتها للشهيد البطل عدي التميمي وانها جزء من وصيته الى شعبه الفلسطيني, والحقيقة ان كل كلمة من هذه الكلمات تحمل براكين ثورة في دواخلها, بغض النظر عن بلاغة الكلمات وصياغة اللغة, لكنها كلمات صادقة تخرج من بطل مقدام وهو يودع الحياة ويوصى بالجهاد في سبيل الله, انها كلمات اصدق من نمق الكلمة الذي يبحث عنه الساسة, واصدق من جمال اللغة التي يلهث وراءها الشعراء, واصدق من بلاغة المعنى التي يبحث عنها الادباء والكتاب والوعاظ, فالكلمة الصادقة تنفذ الى القلب دون معاناة وهى تعبير حقيقي عن مشاعر كاتبها او قائلها, دون تكلف او جهد او تنميق, لذا وجدنا ان كلمات عدي الصادقة انتشرت كالنار في الهشيم, غزت مواقع التواصل الاجتماعي, ووسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة, وتناثرت احرفها في فضاء الكون, كما تتناثر حبات اللؤلؤ فوق اديم الأرض فتزداد بريقا ولمعانا, من بين الكلمات تستطيع ان تنسج ثورة, ومن بين الكلمات تستطيع ان تنسج إنسانية, ومن بين الكلمات تنسج تضحية وفداء لا مثيل لها, ومن بين الكلمات تستطيع ان تمسك بيديك اطراف خيوط الامل, وترى دروب العز التي يسلكها الشهداء الاطهار, وهم يودعون عالمنا الزائل, ويرحلون الى عالم الخلود والمجد, أي يقين هذا الذي يسكنهم ويجعلهم يسلكون تلك الدروب المليئة بالاشواك, انهم يقهرون الموت وهم يبحثون عن معاني الحياة الكريمة, الجميلة, المتمردة على كل اشكال العبودية, تمضي بمسارها نحو نبع الامل والرجاء, انهم يجرون مجرى الدم النازف نحو الانعتاق من قيود القهر والذل والهوان, لتنبت ازهار الحرية من جديد.
هناك في القدس حيث يسعى الاحتلال لسلب تراثها وحضارتها وقدسيتها, كان عدي يطلق الرصاص على الموت وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة, الموت الذي يحمله ذاك القاتل المجرم المختبئ خلف خوفه, والمتحصن خلف ادرعه, والمتسلح بكل أدوات القتل المميتة, كان عدي تمرمرغ فوق الأرض حبا وعشقا وهيمانا, ويصوب بريق عينه نحو ذاك المسجد الأقصى المحفور في صدره, والراحل معه الى قبره, والدال على هويته, والشاهد على وصيته, تلك الوصية التي كتبها عدى على صفحة المسدس الثائر الذي يأبى ان يسقط من بين يدية رغم امطار الموت التي كانت تتساقط عليه من كل مكان, لكنه كان يستظل من ذاك الموت بأزيز الرصاص المنبعث من فوهة المسدس, وكأنه يرسم لشعبه صورة المجد الذي صنعه اسلافنا ووضعوه امانة بين أيدينا كي نحافظ عليه, انثر مجدك أيها المسكون بعشق الأرض فوق جماجم الاحياء الميتين المسكونين بالهزيمة, علهم ينبعثون من تحت التراب ويصنعون مجدهم كما صنعته انت, هل تذكرون هنادي جرادات كيف صنعت مجدها؟, هل تذكرون مهند الحلبي وضياء تلاحمة وإبراهيم النابلسي, وصالح البرغوثي؟, انه المجد الذي يتوارثه الابطال جيلا بعد جيل, انهم امتداد لحضارتنا وتاريخنا واصالتنا, انهم يصنعون للمستقبل من أجسادهم الطاهرة جسرا لتعبر فوقه أجيال النصر والتحرير, في ذاك العرس الذي احياه عدي التميمي, كانت فلسطين تتزين لاستقبال شهيدها المجبول حبا وهيامنا بفلسطين وشعبها, اندثر الموت وتوقفت زخات الرصاص وعم السكون ارجاء القدس, ولم نعد نسمع الا صوت الاذان يرفع من رحاب الأقصى, وحماة المسجد يلتحفون عباءة الموت ويرتدونها على أجسادهم , فالموت يترقبهم من فوهة الجنود المنتشرين في كل زوايا وأركان وازقة وشوارع القدس, ليحاربوا المقدسيين على انتمائهم وتجذرهم وصمودهم واستبسالهم في الدفاع عن عقيدتهم وهويتهم وارضهم ومقدساتهم وتراثهم التليد.
فدائي شعفاط عدي التميمي, مثل كابوسا للاحتلال, وقد تداول سيرته الأعداء قبل الأصدقاء, وسجل التاريخ عطاءاته وتضحياته, التي عبرت عنها وصية الشهيد, واعلاها انه أراد ان يكون مثالا يحتذى من خلال صناعة المجد بنفسه, وعدم الخوف من الأعداء, ومباغتتهم في اوكارهم وقلاعهم وحصونهم, كي يدركوا انهم هدف مشروع للمقاومة حتى يندحروا عن ارضنا ومقدساتنا, فدائي شعفاط عدي التميمي ارتدى ثوب الشجاعة منذ اللحظة الأولى لعمليته البطولية على حاجز شعفاط العسكري, فقاتلهم من نقطة صفر, وانسحب من مكان تنفيذ العملية بسلام, وظل حرا يتجول في شوارع القدس احد عشر يوما, وينتقل من مكان لمكان دون خوف او وجل, الى ان قرر ان يهاجمهم مرة أخرى في اوكارهم وقلاعهم وحصونهم, وينفذ رصاص مسدسه في صدورهم, كي يدركوا ان لا مكان لهم على ارض فلسطين, وان القدس ليست لهم ولا تتسع اليهم, وكي يدرك شعبنا ان حجم العطاء لفلسطين يجب ان يرقى الى ما فعله عدي من فعل بطولي جريء, بمهاجمة ومباغتة جنود الاحتلال في اوكارهم وحصونهم , فالفعل النضالي يجب الا يوازيه فعل اخر حتى يؤتي ثماره, ويحقق أهدافه, ويصل لمبتغاه.