قائمة الموقع

في ذكرى استشهاده السابعة والعشرين الشقاقي يستنهض بفكره الأمة

2022-10-24T20:31:00+03:00
احياء ذكرى استشهاد فتحي الشقاقي في حمص السورية (9).jfif
بقلم/ ياسر عرفات الخواجا

لقد تجاوز فكر الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي حدود فلسطين الجغرافية وقضيتها العادلة؛ ليجوب ويمتد تأثيره نحو الأمة العربية والأمة الإسلامية من حيث الأبعاد والدوافع العقدية و القومية والوطنية كمفهوم شامل وجامع يحمل في طياته كل جوانب القوة  في مواجهة المشروع الغربي الصهيوني.

إن إعادة الاعتبار للمشروع الحضاري الإسلامي التاريخي الكامل والفاصل كمفهوم تأصيلي للجذور التاريخية لفهم حقيقة ودوافع المشروع الغربي الصدامي ومواجهته تبدأ وفق الشهيد الشقاقي من قلب فلسطين، كونها محور الصراع والمصدر الإسلامي المحرك لحقيقة الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل في مواجهة وتدافع علني واضح للمشروع الغربي وأطماعه الاستعمارية لخيرات الأمة وميراثها.

لقد وضع الشهيد الشقاقي اللبنات الفكرية التي تمثل حالة الاستنهاض الحقيقية للأمة وربطها بقضية فلسطين والقدس القرأن والتاريخ وذلك لفهم طبيعة ومعطيات ومدلولات الصراع الحضاري في وجه المشروع الغربي الصهيوني.

إن فكر الشقاقي المستنير ذا الأبعاد العميقة لفهم التاريخ بعناصره المتشابكة والواقع بكل ما يحمل من تحديات معقدة  يوجب علينا كأمة وكفلسطينيين أن نحدد أهدافنا بشكل واضح لا لبس فيه، وأن نضع أولوياتنا وفق هذا الوضوح؛ للنأي بجهودنا وجهود الأمة أن تشتت وتهدر باتجاهات غير وجهتها الصحيحة، الأمر الذى سيعطى العدو فرصة أكبر في تثبيت  مشروعه الاحتلالي وضمان استقراره وتمدده أكثر ضد الفلسطينيين وضد استنهاض وعى الأمة في محاربته.

لقد جاء فكر الشقاقي المؤسس ليمثل حالة من الإلهام والبعث العقلي لكثير من نماذج  القادة السياسيين والمفكرين الإسلاميين؛ ليضعهم على جادة الصواب الفكري في معرفة محددات الصراع القائم، وتبنى القضية الفلسطينية كقضية مركزية بكل مدلولاتها الصحيحة التاريخية والعقدية والواقعية بعدما انحرفت بوصلة الكثيرين وضاعت جهودهم على نحو غير صحيح.

فهذه النظرة الخاصة بالمفكر الشقاقي، والمتمثلة بإيجاد قواعد راسخة  لرؤية فكرية كاملة لمفهوم الصراع تجيب عن كل التساؤلات المطروحة بإجابات عميقة تحاكى الواقعية والممارسة  لتمثل الطرح الواعي في تعرية وفضح المشروع الغربي المتمثل برأس حربته العدو الصهيوني الذى أخذ على عاتقه خدمة وحماية المصالح الغربية مقابل أن يستمر الغرب في دعمه لاحتلال الأرض الإسلامية فلسطين.

لقد فهم الشقاقي كنه وعمق العلاقة الاستعمارية الممثلة بالغرب ودولة الاحتلال ودور كل منهما؛ ليضع لنا بعد ذلك خارطة طريق فكرية واضحة، وتولدت لديه هذه القناعات بعد نكبة حرب 48 ونكسة 67 وما رافقها من وجود توجهات وأحزاب ذات أفكار غير إسلامية أخذت على عاتقها تحدى المشروع الغربي وأداته (إسرائيل)، حيث أثبتت ومن خلال الحروب والمعارك الفاشلة الطى خاضتها مع دولة الاحتلال ومنيت بالهزائم المتكررة  أنها بعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح للمحاور الحقيقة لطبيعة الصراع ومعرفة أدواته الاستعمارية؛ ليؤكد لنا من خلال ذلك كله فشل هذه الأفكار المستوردة والغريبة عن ميراث الأمة الحقيقي.

إن هذا النظر الثاقب والبعيد، وحالة السبق الملهم في تحديد معالم الصراع، وبالتالي إيجاد الفكرة الواعية المرتبطة بتجلي المشروع الإسلامي الحضاري هو السر الذى امتلكه الشقاقي، وهو ما ميزه عن غيره من المفكرين والقادة الإسلاميين في زمانه، وجعل منه مفكرًا استثنائياً مبدعاً وإماماً فكرياً يؤم الكثير من أبناء هذه الأمة نحو خلاصها وانعتاقها من المشروع الغربي الصهيوني الاستعماري.

وتجدر الإشارة إلى أن الصراع الذى حدده وأصله الشقاقي في أدبياته  لم يكن صراعاً عسكرياً أو سياسياً فقط، وإنما يشمل كل حالات الصراع العسكري والسياسي والثقافي والإعلامي والأخلاقي والحضاري والتاريخي والوجودي.

لقد تبنى الشهيد الشقاقي عنصر المواجهة والاشتباك المستمر مع العدو الصهيوني رأس حربة الاستعمار الغربي منذ اللحظات الأولى لمنطلقاته الفكرية؛ ليؤكد من خلال ذلك على حقيقة واحدة ومهمة، وهي أن هذا الاحتلال ومشروعه الصهيوني الاستيطاني لن يستقر، ولن يكون جسماً عادياً وطبيعياً في المنطقة طالما كانت المواجهة وحالة الاشتباك معه مستمرة، حتى لو بلغ ما بلغ من القوة والنفوذ والتأثير على بعض الدول العربية وفرض حالة التطبيع مع هذه الدول.

إن ما ذكرته هو جزء أساسي وهام  للقواعد الفكرية التي تبناها المفكر الشقاقي في مسيرة حياته الجهادية العريقة و الأصيلة، وإن ما نراه اليوم من حالة جهادية مقاومة ممتدة على المستوى الإقليمي والمحلى (محور المقاومة) كان لفكر الشقاقي الفضل والدور  الكبير في التحريض  عليه وتوجيهه نحو فلسطين والقدس، فكثير من الإسلاميين كانت بوصلتهم منحرفة عن جادة الصواب،  وجهودهم مشتتة في تحديد وجهة الصراع الحقيقية، وبنادقهم تائهة وبعيدة كل البعد عن تصويبها نحو من يحتلون فلسطين والقدس،  فجاء  فكر الشقاقي مسعفاً لحالة الضياع والتيه الفكري؛ ليضع النقاط على حروف الصراع، ويؤكد على خارطة طريقه وتحالفاته وأدواته ومآربه ومشاريعه الاستعمارية في المنطقة، وليس في فلسطين وحسب.

فما كان من هذه البنيات  الإسلامية إلا اللحوق في ركب مدرسة الشقاقي الفكرية -ولا أقصد هنا التنظيمية-، وذلك يعد تعبيرًا حقيقياً على صوابية وجهتها وطهارة بندقيتها وتركيزها على العدو المركزى، بعيدًا عن أية حالة تشتيت يضيع معها الفهم لماهية الصراع الحقيقي، وتضيع معها آمال التحرير والانعتاق من قيوده الاستعمارية.

ولقد صدق فكر الشقاقي المفكر وكلماته حينما رهن تصديقه بلحظة استشهاده، وكأنها الدليل القاطع على صدقه وصدق فكره قائلاً: "لا تصدقوني إلا عندما تروني شهيدًا على هذه الطريق". 

رحم الله المجدد والمفكر والقائد الملهم الدكتور/ فتحي الشقاقي، وجزاه عنا خير الجزاء.

اخبار ذات صلة