شن جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، عدوانًا غير مسبوق على نابلس في الضفة المحتلة؛ ما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين في نابلس وسادس في رام الله، بينما أصيب العشرات بجراح مختلفة، في حين جاء العدوان بعد ساعات من صدور آخر استطلاعات الرأي الإسرائيلية، والتي أظهرت نتائج تشي بعدم إمكانية الحسم في الانتخابات المقبلة.
وبقيت أصوات الناخبين الإسرائيليين وفق الاستطلاع الأخير، محصورة بين المعسكرين المتنافسين، فقد حافظ حزب الليكود بقيادة رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، على قوته وتوقع حصوله على 31 مقعدا، وتراجعت الصهيونية الدينية بمقعد واحد وحصلت على 13 مقعدا، لكن هذا المقعد ذهب إلى حزب شاس الذي حصل على 9 مقاعد. وحصلت كتلة "يهدوت هتوراة" على 7 مقاعد.
ويرى مراقبون أن العدوان الإسرائيلي واستباحة الدماء الفلسطينية في نابلس تأتي في سياق البازار الانتخابي للكنيست؛ إذ أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تُشير إلى عدم وجود حسم واضح لنتائج الانتخابات التي ستجري يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل.
الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عبد الرحمن شهاب، يرى أن العدوان الإسرائيلي المستمر ضد أبناء شعبنا في مدن الضفة المحتلة وخاصة مدينة نابلس، مرتبط باتجاهات وصراعات بين قادة الاحتلال الإسرائيلي قُبيل انتخابات الكنيست.
وأوضح الكاتب شهاب لـ"شمس نيوز" أن العدوان الإسرائيلي يأتي في سياق صراع قادة الاحتلال على انتخابات الكنيست، إذ أن كل انتخابات إسرائيلية يسبقها حرب مختلفة عن سابقتها يكون الدم الفلسطيني وقودًا لكسب مزيد من الأصوات.
وأشار إلى أن التصعيد الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا يأتي في سياق ترهل السلطة الفلسطينية والصراع الداخلي بين قادتها، حيث أن السلطة لم تعد تستطيع حماية المستوطنين في ظل تصدي المقاومين للاقتحامات المتكررة لمدن وقرى الضفة المحتلة.
ويعتقد الكاتب شهاب أن معسكر نتنياهو يريد الاستفادة من التصعيد القائم بالضفة المحتلة؛ للتأكيد على أن السلطة السياسية القائمة في "إسرائيل" ضعيفة ولا تستطيع حماية المستوطنين، بالمقابل قيادة الجيش لا تريد عودة نتنياهو إلى الحكم.
تذويب الشعب الفلسطيني
ويرى أن جيش الاحتلال يريد إيصال رسالة من خلال العدوان على شعبنا أنه صاحب اليد العليا، وأن الفلسطينيين لن يكون بمقدورهم القيام بأي تشكيل جديد يقاوم المستوطنين ويتصدى للجيش الإسرائيلي.
وأشار إلى أن قادة جيش الاحتلال يريدون تذويب الشعب الفلسطيني، وتعزيز رؤية الاحتلال بأن الضفة الغربية ملك للمستوطنين، ولا يمكن للفلسطينيين إقامة كيان أو مجموعات تقف في مواجهة المستوطنين الإسرائيليين.
وفيما يتعلق بالسيناريو المقبل للأحداث في الضفة المحتلة توقع الكاتب شهاب، أن جيش الاحتلال سيزيد من عملياته العسكرية في الضفة المحتلة، وسط إجراءات مشددة لمنع وقوع الأخطاء التي قد تؤدي لخسائر، ومراجعات، وتحقيقات تضع قادة الاحتلال في مأزق خلال الانتخابات الإسرائيلية.
ولفت إلى أن العدو استخدم الليلة الماضية في نابلس القوة القاسية المركزة ضد المقاتلين في نابلس باستخدام المسيرات، والمروحيات، وقصف المنازل عن بعد دون الاقتراب من الأحداث الميدانية؛ بهدف تسجيل نقاط وإنجازات للجيش في انتخابات الكنيست.
ورقة انتخابية
من جهته يرى الكاتب السياسي سعيد بشارات أن كل ما يحدث في الضفة الغربية المحتلة من استهداف يأتي في ظل قرب الانتخابات الإسرائيلية، إذ أن قادة الاحتلال يائير لابيد وبيني غانتس يعتقدون أن مجموعات عرين الأسود قد تشكل لهم خطرًا خلال الأيام القادمة، وقد تستغلها المعارضة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لصالحها ضد لابيد وغانتس.
وقال بشارات لـ"شمس نيوز": إن لابيد وغانتس يسعون خلال الأيام المقبلة إلى تحقيق إنجاز للقضاء على عرين الأسود، واستخدامها كورقة للناخب الإسرائيلي لينتخبهم، خاصة بعد نتائج استطلاع الرأي الذي يُقلق لابيد بتقدم نتنياهو وتراجع معسكر اليمين المتطرف.
وأضاف: "إن العدوان الإسرائيلي على نابلس يحمل دلالات متعددة لأبناء شعبنا بأن الاحتلال ماضٍ في عدوانه وإجرامه ضد شعبنا؛ لحماية المستوطنين الإسرائيليين الذين يقتحمون المدن والقرى الفلسطينية، ورفع معدل الأصوات الانتخابية للابيد وغانتس".
تسويق إعلامي
وفي سياق محاولة تسويق ما يجري في نابلس على أنه إنجازات لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة الظهور بصورة المنتصر، يولي قادة الجيش اهتماما كبيرا بظهورهم الإعلامي خلال العدوان.
وقالت مصادر عبرية، إن رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك رونين بار، أشرفا بشكل مباشر على العملية في نابلس، من داخل غرفة عمليات للجيش، فيما صادق غانتس على العملية من مقر "الشاباك" في "تل أبيب".
وعلق الصحفي الإسرائيلي " يوسي يهوشو" على ذلك بالقول : حقيقة أننا وصلنا إلى وضع يقوم فيه رئيس الأركان ورئيس الشاباك من مقر غرفة قيادة العمليات الخاصة للشاباك من وسط البلاد، بإدارة عملية عسكرية في القصبة في نابلس، هو أمر لا يبشر بالخير للوضع على الأرض، في الماضي كانت هكذا عملية تدار على مستوى قائد فرقة".
ويرى مراقبون أن مشاركة كوخافي وبار بالإشراف المباشر على العملية يأتي في سياق حرص حكومة الاحتلال على الخروج بصورة نصر تحسن من حظوظ معسكر لابيد وغانتس في الانتخابات، فضلًا عن محاولة الظهور الإعلامي.
رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، ووزير حربه بيني غانتس، سارعا بالتعليق على العملية، و تعهدا بمواصلة العمل ضد المقاومة الفلسطينية، مؤكدين أن الجيش سيواصل العمل من أجل حماية أمنه؛ خشية من الخطورة التي قد تشكلها مجموعات "عرين الأسود" التي حاولت إيذاء المستوطنين.
وفي السياق قال غانتس "لا توجد ولن تكون أي مدينة ملجأً للمقاتلين الفلسطينيين، وسنواصل العمل ضد أي شخص يحاول إيذاء الإسرائيليين حيثما ومتى لزم الأمر"، وفق تعبيره.
لن تنجح
وفي السياق ذاته فقد أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب، أن مجزرة الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا في نابلس، واغتيال خمسة من أقمارها، تأتي في سياق البازار الانتخابي، مشيرًا إلى أن أهداف العدو باستباحة دماء شعبنا لن تنجح في كسر إرادة المقاومة.
وقال القيادي شهاب في تصريحات صحفية: "إن مدينة نابلس خاضت الليلة الماضية مواجهة ضارية مع قوات الاحتلال، ودفعت فاتورة كبيرة من الشهداء في مقدمتهم الشهيد البطل وديع الحوح أحد قادة مجموعة "عرين الأسود".
وأضاف: "إن جرائم الاحتلال لن تكسر روح المقاومة؛ فهي متجذرة في نفوس أبناء شعبنا، ولن يفلح العدو بتحقيق أهدافه التي يسعى لتحقيقها على حساب الدم الفلسطيني وحقوق شعبنا".