تنعقد الإنتخابات الإسرائيلية الخامسة خلال يومين في ظل واقع متشابك، فمن جهة هناك إحتلال بالقوة العسكرية للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة داعما للمستوطنين والإستيطان، بل هو في واقع الأمر كقوة عسكرية على الأرض أسير للمجموعات واللوبيات الإستيطانية الفاشية التي أصبحت إلى حد ما تتحكم بالنظام السياسي في إسرائيل وتقوده نحو حقيقته الصهيونية التي حاول ويحاول تجميلها بإسم الديمقراطية، ومن جهة أخرى الصراع الذي يتمثل في مفهوم الكراهية التي أوجده زعيم المعارضة "نتنياهو" أثناء فترة حكمه الطويلة كرئيس وزراء لدولة الإحتلال، والتي أدت في النهاية إلى تبلور صراع ضده كشخص وظهور تكتل عرف بإسم "حكومة التغيير" وهنا القصد تغيير "نتنياهو" المتهم بالفساد، فبعض أحزاب اليمين التي لها مواقف سياسية واضحة داعمة للإحتلال والإستيطان وقفت ضد تكتل اليمين الذي يترأسه "نتنياهو"، طبعا عدا عن الصراع بين العلمانيين والمتدينيين والذي إستغله أيضا "نتنياهو" في إستمالة الأحزاب "الحريدية" لصالح تكتله بدعمها بميزانيات ضخمة في فترة ولايته، ويرافق ذلك الصراع القائم منذ تأسيس دولة الإحتلال وهو الصراع بين "الإشكناز" و "السفرديم"، بحيث أصبح اليهود الشرقيين نتيجته هم أغلب جمهور اليمين متحالفا مع المتطرفيين الفاشيين في الصهيونية الدينية التي يتزعمها "بن غفير" خليفة الفاشي "كهانا" الذي تم إغتيالة في الولايات المتحدة الأمريكية، و"سموريتش" رئيس حزب الصهيونية الدينية الفاشي.
ما يميز الإنتخابات الخامسة بالأساس هو ظهور إئتلاف وتكتلات بعيدة عن طبيعتها السابقة بما يعرف بمصطلحات ليست دقيقة من الناحية السياسية (اليمين واليسار) لكنها تكون كذلك بما يتعلق بالوضع الداخلي الإسرائيلي من حيث الإقتصاد والحياة الإجتماعية والنظرة للدين، الجديد هو ظهور تكتل تغيير "نتنياهو" والذي يتحالف فيه جزء من اليمين وكل المركز واليسار وجزء من العرب، ومقابله تكتل "نتنياهو" اليميني الحريدي واليميني الفاشي، وهذا ظهر مع تشكيل حكومة "بينت- لابيد"، وترسخ بشكل واضح في الإنتخابات القادمة (الخامسة).
إذا طبيعة الإنتخابات الخامسة في دولة الإحتلال هي بالأساس صراع حول "نتنياهو" أكثر من أي شيء آخر وبما يمثل ذلك من حدوث إصطفافات جديدة لا ينسحب موقفها على الواقع السياسي تجاه الإحتلال والمستوطنين أو تجاه العرب الفلسطينيين الذين يعانون عدم المساواة المستفحل والذي تم شرعنته عبر ما يُعرف ب "قانون القومية".
في خضم ذلك وبسبب طبيعة واقع النظام السياسي ظهر على السطح أهمية الصوت العربي وأهمية القوائم العربية، وهذا يأتي في سياق تكتيكي لا أكثر وضمن سياقين:
الأول- أهمية زيادة نسبة تصويت العرب للحد من أصوات اليمين الفاشي، رغم أن نسبة عدد العرب لا تتجاوز 16% من مجموع الأصوات التي يحق لها الإنتخاب كون أن أغلبية العرب هم دون سن أل "18".
الثاني- أهمية وجود عدد أعضاء كنيست من العرب ليقوموا بترشيح "لابيد" ليشكل الحكومة أثناء المشاورات مع رئيس دولة الإحتلال بعد إنتهاء الإنتخابات، وهذا يعطي فرصة كبيرة لإبعاد "نتنياهو" عن تشكيل الحكومة القادمة.
أي أن الصوت العربي هو فقط في مجال الصراع القائم على مفهوم "الكراهية" التي صنعها "نتنياهو" بيديه، بالرغم من أي حكومة بعيدة عن "نتنياهو" قد تكون أفضل للمواطنين الفلسطينيين في دولة الإحتلال.
ومع التأكيد على أن رفقانا وأخوتنا في الداخل هم الأدرى بمصلحتهم وهم الأقدر على تحديد ما هو في صالحهم، إلا أن ما يحدث في النظام السياسي في دولة الإحتلال هو تعبير عن أزمة تعصف به بسبب سياساته خاصة بما يتعلق بالضفة الغربية والقدس أولا ورفضه لكل قرارات الشرعية الدولية التي تطالبه بإنهاء الإحتلال والإنسحاب من الأراضي التي إحتلها عام 1967 بما فيها القدس، وبما يؤدي ذلك لتعزيز ظهور الفاشية الصهيونية والتي تعمقت وتجذرت لدى المستوطنيين بظهور منظمات إرهابية ك "شبيبة التلال" "تدفيع الثمن" والتي تجمعت كلها ضمن حزب "الصهيونية الدينية" الفاشي الذي جلَّ جمهوره من المستوطنين، ومن الجانب الآخر عدم المساواة بين نفس المواطنيين في دولة الإحتلال خاصة في نظرتهم العنصرية للعرب الفلسطينيين.
لذلك فإن التعامل مع ما يحدث في النظام السياسي في دولة الإحتلال يجب أن يأخذ بعداً إستراتيجياً ويتم إدارة المعركة وفقاً للمصالح الإستراتيجية للفلسطينيين بشتى مكوناتهم المتواجدة في جغرافيا سياسية تختلف الواحدة عن الأخرى، ولكن تجمعها رواية فلسطينية واحدة أساسها العودة للوطن الفلسطيني والعيش الكريم على اساس حق المساواة الكاملة للكل ما بين النهر والبحر، فالفسطيني هو ملح هذه الأرض متجذراً فيها لا ولن يحيد عنها، وهذا يستدعي من الكل الفلسطيني أن يتداعى لبحث تلك الإستراتيجية بعيدا عن الشعارات غير الواقعية التي عفا عليها الزمن وأنهتها على الأرض دولة الإحتلال من خلال الكم الهائل من المستوطنات والمستوطنين الذين يعيثون فسادا في الضفة الغربية والقدس، وما دامت دولة الإحتلال تدعم فكرة "أرض الرب" ولا تستطيع الإنفكاك عنها بعد أن اصبح هناك أكثر من "700" ألف مستوطن جاثمين على الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس، فعلى الفلسطيني بأحزابه ونخبه وقياداته أن يجتمع لوضع إستراتيجية وطنية جديدة وقيادة واحدة لكل الشعب في كافة الجغرافيا السياسية التي يعيش فيها، لقد آن الأوان لكي تفهم دولة الإحتلال أن طبيعة الصراع تغيرت وأن رفضهم للعملية السياسية وإمتناعهم عن المفاوضات التي كان من المفروض أن تؤدي لإنسحابهم من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تحت يافطة "دولتين لشعبين" قد ولّت إلى الأبد، وأن الممكن والواقع الآن ليس سوى دولة واحد لكل مواطنيها من البحر إلى النهر، دولة مدنية ديمقراطية تعددية يساوى فيها السكان في الحقوق والواجبات، خاصة أن المشروع الصهيوني هزم نفسه بنفسه حين إستمرأ الإستيطان والقوة ومزيدا من القوة ونسي في خضم ذلك مشروعه القائم على الدولة "اليهودية" النقية الديمقراطية، وهو بالأساس مشروع عنصري فلا شيء إسمه يهودية ديمقراطية في ظل أكثر من 20% من سكانه عرب فلسطينيين، ولا ديمقراطية في ظل وجود إحتلال، هم أرادوا كذلك، فلماذا نتمسك بشرعية دولية كاذبة وللا أسنان؟!!!!