تحتضن الجزائر أرض المليون ونصف شهيد، القمة العربية الحادية والثلاثين، قمة «لم الشمل» في الأول والثاني من تشرين ثاني (نوفمبر) القادم في المركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» تزامناً مع احتفال الجزائريين بالذكرى الثامنة والستين لاندلاع ثورة تحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي.
التاريخ يشهد، أن الأول من تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1954، شهد لحظة مفصلية في تاريخ نضال الجزائريين ضد الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الفرنسي وصولاً لإعلان الاستقلال عن فرنسا في الخامس من تموز (يوليو) عام 1962 بعد احتلال دام (132 عاماً) وإعلان قيام الجمهورية الجزائرية في الخامس والعشرين من سبتمبر من ذات العام.
ربما يتساءل البعض عن رمزية مكان وزمان انعقاد القمة العربية، حيث ستعقد في المركز الدولي للمؤتمرات «عبد اللطيف رحال» تكريماً للرجل الذي ساهم، من بين المساهمين في تحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي وبناء الجزائر بعد استقلالها، وستنطلق في الأول من نوفمبر تزامناً مع احتفال الجزائريين بالذكرى الثامنة والستين لاندلاع ثورة تحرير وطنهم، وهذا سينعكس إيجاباً على نتائج أعمال القمة العربية بتحقيق لم شمل العرب.
والتاريخ يشهد، أن انتصار ثورة الجزائر الشعبية والمسلحة هي من ألهمت الشعب الفلسطيني بإطلاق ثورته الفلسطينية المعاصرة ضد الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الكولونيالي الصهيوني. حين توحد شعب فلسطين وثورته مع شعب الجزائر وثورته ضد الاستعمار الكولونيالي الفرنسي والاحتلال الاستعماري التوسعي الصهيوني، وتقاسما الوجع والألم في مواجهة الاستعمار ونظام الفصل العنصري.
الجزائر كانت وفيّة لفلسطين وثورتها لا سيما أنها في عام 1965 من احتضنت أول مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها بعد ثلاث سنوات على استقلالها، ليكون نافذة على العالم للتعريف بالقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني إلى جانب الدعم المادي والمعنوي في التدريب والدراسة والأموال.
التاريخ يشهد، أن الجزائر تعودت على استضافة القمم العربية في محطات فارقة وصعبة، ففي عام 1973 كانت الجزائر على موعد مع القمة العربية على أراضيها بعد حرب تشرين أول (أكتوبر) وأقرت حينها بأغلبية الأصوات أن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتجدد الأمر في عقد القمة عام 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى «انتفاضة الحجارة»، والتي على أرضها أُعلنت وثيقة الاستقلال في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الـ(19) في قاعة قصر الصنوبر في الجزائر العاصمة وأدرجت القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وعام 2005 استضافت الجزائر القمة بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، واحتلال العراق عام 2003.
إن الجزائر ستخطو نحو توحيد الصف العربي بعد سنوات من الاختلاف والافتراق فيما بين الدول العربية، بعد سنوات عجاف من ما يسمى «الربيع العربي» الذي دمر وأرهق مقدرات الشعوب العربية وثرواتهم، الجزائر ستخطو نحو لم الشمل العربي بعد أن منحت للفلسطينيين جسراً للم شملهم في «إعلان الجزائر» في الثاني والثالث عشر من تشرين أول (أكتوبر) من هذا العام.
ما يميز قمة الجزائر عن سابقاتها من القمم العربية باعتبارها أول قمة عربية رقمية بالكامل دون الاعتماد على الأوراق خلال الجلسات، واعتماد نهر دافق من الصحفيين ووسائل إعلام بما يضمن تغطية إعلامية تليق بقمة جامعة الدول العربية، لا سيما أن الإعلام الجزائري هو صاحب باعٍ طويل في تغطية القضايا الكبرى وخاصة القضية الفلسطينية التي تتصدر الصحف اليومية والأسبوعية والشهرية الجزائرية عبر ملف تديره سفارة فلسطين في الجزائر.
إن الدبلوماسية الجزائرية تلعب دوراً في إعادة هيبة الجزائر في المحافل الدولية، وتطمح الجمهورية الجزائرية لإنجاح قمة العرب على أرضها ببذل جهود مضنية للوصول للقواسم المشتركة وبناء جسر من التفاهمات على العديد من الملفات الشائكة والقابلة للانفجار في أية لحظة، وتعزيز الصف العربي ولم شملهم وإعطاء القضية الفلسطينية الأولوية في وقت تُزاحمها الكثير من القضايا وخاصة نخر جدران البيت العربي من بوابة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ولا يسعنا مع انعقاد القمة العربية على أرض الجزائر، بلد المليون والنصف شهيد، مقصد الثوار وأحرار العالم وأبرزهم تشي غيفارا وجمال عبد الناصر وياسر عرفات ونايف حواتمة، قلعة الوحدة في المصير بكامل تعددها وتنوعها الثقافي والفكري بمبدعيها ومثقفيها في مدارسها المختلفة أمثال كاتب ياسين والطاهر وطار وجميلة بوحيرد، لا يسعنا إلا أن ننشد سوياً لأبطال وصقور ثورتها الأحياء منهم والشهداء «قسماً بالنازلات الماحقات...والدماء الزاكيات الطاهرات.. والبنود اللامعات الخافقات.. في الجبال الشامخات الشاهقات.. نحن ثرنا فحياة أو ممات، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...صرخة الأوطان من ساح الفدا...فاسمعوها واستجيبوا للندا...واكتبوها بدماء الشهدا..واقرأوها لبني الجيل غدا...قد مددنا لك يا مجد يدا...وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر...فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...».