قائمة الموقع

الضفة المحتلة.. النقطة الفاصلة بين تثوير الجماهير وبين أن تترك وحدها

2022-11-08T07:09:00+02:00
مواجهات في نابلس.jpg
قلم/ عرفات عبدالله أبو زايد

قبل فترة وأنا أقرأ كتاب "الإيمان والمعرفة والفلسفة" للكاتب الكبير المرحوم محمد حسنين هيكل، تحدث في الفصل الرابع بالكتاب عن المسؤولية، وذلك في إطار حديثه عن القدرية والجبرية أو الاختيار والاضطرار، وخلال حديثه عن المسؤولية؛ فقد اعتبرها من الكلمات المعقدة والدقيقة؛ وذلك لأن مدلولها ليس شيئًا محسوساً نحيط بجميع نواحيه، ونستطيع الوقوف بالدقة على ظواهره وخوافيه، ولكنه أثر ونتيجة لإحساساتنا
وعقائدنا وأعمالنا فيما بيننا وبين أنفسنا، وفيما بيننا وبين سوانا، بالتالي يمكن اعتبار المسؤولية الجزء الأهم في تكوين الإنسان سواء على المستوى الشخصي أو العام وهي تمثل التزام الشخص أو الجماعة بما يصدر عنهم من قول، والاحساس بضرورة أن يكون لهم دور تجاه القضايا التي يؤمنوا بها.

على حين غرة، وربما دون أن يأخذ البعض في حسابه هذه اللحظة.. جاءت كتيبة جنين لتدشن مرحلة جديدة في تاريخ الصراع بين المقاومة والاحتلال، مرحلة تعتبر الأكثر تعقيداً من حيث الظروف والمتغيرات التي صاحبت انطلاقة كتيبة جنين، وما لبثت حتى أصبحت كتيبة جنين قدوة لمدن ومحافظات ومخيمات الضفة المحتلة، والهدوء الذي يكتنفه السكون في لحظة فاصلة أصبح ضجيج يفتك بالاحتلال الذي لم يكن يتوقع بعد كل عمليات التدجين وعقود الأسرلة للعقل الفلسطيني أن يكون هناك فتية لازالوا يروا ويؤمنوا بأن فلسطين هي تلك الممتدة من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن رأس الناقورة شمالاً إلى خليج العقبة جنوباً، ومع تصاعد العمل المقاوم الذي لا أحبذ نسبه إلى أحد بعينه، ولكن من باب إحقاق الحق فإنه يحسب لحركة الجهاد الإسلامي وأمينها العام المجاهد أبوطارق النخالة الدور الأبرز في اشتعال شرارة المقاومة بالضفة، وقدمت الحركة – دون سواها- عشرات من قادتها وكوادرها في مدن الضفة خاصة في جنين ونابلس كمادة دافعة لانطلاق انتفاضة شعبية وعسكرية في مدن الضفة أصبحت اليوم تشكل خطر استراتيجي وكبير على كيان الاحتلال ومستوطنيه في مدن الضفة.

العديد من قوى المقاومة في بداية الأمر لم تكن قادرة على وضع تقدير موقف دقيق لما يجري بالضفة، فقامت ببعض محاولات "جس النبض"، هل هناك تصاعد حقيقي للعمل المقاوم بالضفة، أم أن ما يجري هو عبارة عن هبة جماهيرية تنتهي بشكل سريع، ولكن مع مرور نحو أكثر من عام على الحالة الثورية بالضفة، بدأت استراتيجية قوى المقاومة تبرز أكثر، حيث شهدنا استراتيجيتين للمقاومة بهذا الصدد، استراتيجية انفردت بها حركة الجهاد الإسلامي وهي التي تتعلق بوحدة كافة جغرافيا الوطن وعدم إتاحة المجال للاحتلال بالاستفراد بأي من الضفة والقدس، وعدم السماح للاحتلال بكسر المقاومة الناشئة والمتصاعدة بالضفة، وإبقاء حالة الاشتباك مستمرة بالضفة وغزة ودعم الضفة بشكل أكبر عبر تعزيز مقاومتها بما تشكله من خزان للمقاومة باعتبارها الخاصرة الضعيفة للاحتلال بما تملكه من خطوط التماس مع الاحتلال، وليس أكثر من ذلك دليل هو خوض حركة الجهاد الإسلامي معركة "وحدة الساحات" في أغسطس من العام الجاري في إطار تأكيدها على استراتيجية عدم فصل الساحات، بينما الفريق الآخر من المقاومة اتبع استراتيجية تثوير الجماهير بالضفة باعتبار أن وجود الأعداد الكبيرة من انتهاكات الاحتلال وما يصاحبه من شهداء وأسرى قادر أن يحرك مشاعر أهالي الضفة وبالتالي انخراطهم بشكل أكبر في العمل المقاوم، مع التأكيد على عدم دخول غزة بأي معركة لها علاقة بساحة الضفة خوفاً من تأثير ذلك على المقاومة بالضفة وسكونها في حال اندلاع مواجهة بغزة، وبالتالي ضرورة إبقاء الضفة تتصدر المشهد وعدم تدخل غزة على الأقل في الوقت الحالي.

الان ونحن على أعتاب انقضاء أكثر من عام على إعادة تفعيل العمل المقاوم في الضفة المحتلة، ونحو 10 شهور على موجة العمليات الفدائية في الداخل المحتل، أصبح من المهم تقييم الاستراتيجيات المتبعة في التعاطي مع ساحة الضفة، وما هو الأجدى لمشروع المقاومة وللقضية الفلسطينية، وبالعودة للمسؤولية، فهل المسؤولية الأخلاقية والوطنية والدينية تتطلب منا أن نمنع الاستفراد بالضفة، أم نمنح الضفة الهامش لكي تتصدر المشهد ويبقى تصاعد المقاومة بها على الرغم من قيام الاحتلال بانتهاكات ومجازر بشعة، فأما الفريق الأول فإنني على مستوى قناعاتي الشخصية أنتمي إلى هذه الاستراتيجية فأعتقد بأن وحدة الساحات والحفاظ على المقاومين في الضفة وإحساسهم بأن هناك من يقف بجانبهم ويدافع عنهم يعطيهم دفعة معنوية أكبر في ديمومة المواجهة مع الاحتلال، وفي حال سلكنا الاستراتيجية الثانية، فـــإلى متى يبقى هذا الهامش ممنوح للضفة؟ في ظل قيام الاحتلال بتنفيذ عمليات اغتيال مركزة تجاه كوادر وقيادة المقاومة بالضفة، هذا سؤال برسم الفريق الذي يتبنى استراتيجية تثوير الجماهير بالضفة وعدم دخول غزة على خط المواجهة.

الأحداث الأخيرة بالضفة أكدت بأن هناك فرق واضح من الواجب التنبه إليه، وهو الفرق بين تثوير المقاومة بالضفة وتصدرها المشهد، وبين تركها لوحدها تواجه مصيرها، فالأحداث بعد عملية الاغتيال في نابلس تعطينا قراءة يجب أن نضعها في مكانها الصحيح، عندما قام الاحتلال باغتيال قادة وكوادر في عرين الأسود، وبينما قام عدد آخر منهم بتسليم نفسه للأجهزة الأمنية للسلطة، وجزء أخر منهم مطاردين غير قادرين على الخروج من أماكن التخفي، وهو ذات المخطط الذي يسعى له الاحتلال ضد كتيبة جنين منذ أكثر من عام ولكنه فشل فيه لعوامل لها علاقة بالخلفية التنظيمية والحزبية لكتيبة جنين وعدم قدرة الاحتلال على احداث اختراقات بنيوية بالكتيبة، بالإضافة لعوامل بيئية تتعلق بمخيم جنين.

لذا فإن المسؤولية الملقاة على عاتق قوى المقاومة كبيرة جداً، ومحاولة التذاكي في تقييم الأحداث الجارية بالضفة والقفز عن خطورة ترك المقاومين مكشوفين دون أي ظهر وسند قد يحرم مشروع المقاومة الخزان الأكبر والأهم والأخطر في السنوات المقبلة، نحن أمام اختبار حقيقي، اختبار أخلاقي، وديني، ووطني، فالمطلوب نقاش ما يجري بالضفة بشكل متجرد، وبالتالي وضع الحقائق بكل واقعية، والتعامل مع مخاطر وتهديدات ترك الضفة تواجه مصيرها بهذا الشكل، قبل أشهر كنا نعيش مرحلة الاختيار بالتعاطي مع أحداث الضفة، اليوم نعيش مرحلة الاضطرار لاتخاذ المواقف، ومن المهم أن لا نصل إلى مرحلة الإجبار والإكراه على القبول بالواقع الذي يريد الاحتلال أن يوصلنا إليه.

اخبار ذات صلة