بقلم: حمزة حماد
مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي
ما زالت تعاني قرية العراقيب الفلسطينية من سياسات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية، هذه القرية التي تقع في شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين، وهُدمت للمرة الـ 209 منذ العام 2010م، وهي إحدى القرى العربية التي لا يعترف بها الاحتلال، إلا أن سكانها يصرون على الصمود والبقاء بأرضهم مهما كلف الثمن.
إن سياسات الاحتلال جعلت من سكان هذه القرية التي تضم نحو 22 عائلة، ويتراوح عددهم 800 شخص يعيشون في ساحات العراء بعد أن مورس بحقهم «التطهير العرقي» في محاولة لسرقة التراث الفلسطيني وتزييف التاريخ، عبر قيام الجرافات الإسرائيلية بهدم الخيام، ووقف مصدر رزقهم، وغياب خدمات المياه والمواصلات والكهرباء، وإصدار القوانين والقرارات التي تهدف لطردهم وعزلهم.
وفي هذه القضية، لم تكن «العنصرية الإسرائيلية» مظهرًا غريبًا أو جديدًا، بل إنما تعود قصة العراقيب ومعها القرى المجاورة إلى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، حيث مع مرور الزمن قدم الاحتلال نماذج متفوقة في عنصريته الفاشية، ومارس سلوكًا إرهابيًا من خلال عمليات القتل، والإعدام، والإبعاد، والقهر، والحرمان، ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات فوقها، وقوانين التضييق، والحواجز العسكرية، وصولًا إلى ما يجري في قرية العراقيب من حرمان سكانها الأصليين من حق السكن والتملك، وطردهم من أراضيهم، وذلك نتيجة لتراجع الدور الإعلامي، وحالة الردع الدولية والإفلات من العقاب.
كما يتجاهل الاحتلال الاتفاقيات الدولية التي تنص على محاربة كل أشكال التمييز العنصري، وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز لعام 1965م، التي بموجب المادة (1) تعرفه: «أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أوالاقتصادي أوالاجتماعي أوالثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة»، فيما أصبحت كلمة «أبارتهايد» التي تعني التفرقة أو الفصل العنصري، تمثل وصف تحقيري لكل نظام قائم يعامل مجموعة اجتماعية أو إثنية معاملة سيئة، أي بنفس أنماط العنصرية.
بالتالي سيواصل الاحتلال ممارساته العنصرية على الأرض، ارتكازًا للجانب الأيديولوجي للحركة الصهيونية التي ترى أن تكون «إسرائيل» دولة يهودية وبقية البشر مسخرين لخدمتهم، من أجل انجاح مشاريعه الاستيطانية التي كشفت عنها مصادر عبرية حين قالت: «إن الجيش يسعى إلى توسيع قواعده ووجوده العسكري والصناعي في النقب، من أجل تحقيق التوطين لأكثر من 500.000 شخص يهودي، في ظل حالة التمسك بالأرض التي نشهدها من أهالي القرية رغم الظروف السيئة التي يعيشونها». هذا الصمود الأسطوري والملحمي الذي يجسده أهالي القرية خلال تصديهم لمخططات الاحتلال التوسعية، وممارساته العنصرية يؤكد أن الانسان الفلسطيني مُتجذر في أرضه وينفي رواية الاحتلال التضليلية، وأن مواصلة «إسرائيل» في إحياء كل مظاهر العنصرية التي دفنها التاريخ، يعني أمرًا واحدًا، أنها فوق القانون ومستمرة في ممارسة العربدة بحق شعبنا الأعزل، بدلًا من الالتزام بمفاهيم حقوق الانسان والمساواة والديمقراطية التي تفتقر إليها، وتتغنى بها أمام العالم كشعار مزيف.
اللافت أن أصواتًا غربية ومنها أمريكية، وصفت «إسرائيل» بأنها نظام أبارتهايد، وهذا ما أكده تساؤل الكاتب عبد الغني سلامة، هل إسرائيل دولة أبارتهايد؟ أجاب الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في كتابه بعنوان: «فلسطين: السلام لا الأبارتهايد»، مشيرًا للعلاقة بين الاحتلال والفصل العنصري. فيما قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأراضي الفلسطينية المحتلة السابق جون دوغارد: إن «إسرائيل» ترتكب ثلاثة انتهاكات تتعارض مع المجتمع الدولي، وهي الاستعمار والاحتلال والأبارتهايد، وفي يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني (29 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام) قال رئيس الهيئة العامة للأمم المتحدة الأب ميغيل ديسكوتو من واجبات المجتمع الدولي أن يعترف بحقيقة الأمر وينظر لـ «إسرائيل» كدولة أبارتهايد.
أحداث قرية العراقيب ليست جديدة أو وليدة اللحظة، إنما هي استكمالًا للتصعيد الدموي الذي يشنه الاحتلال في مناطق الضفة والقدس وقطاع غزة ضد شعبنا، والتي تهدف بالأساس إلى إنهاء الوجود الفلسطيني، ومنعه من ممارسة حقوقه التي كفلتها القوانين الدولية، أبرزها حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وحق العودة للديار التي هُجر منها قسرًا وفقًا للقرار الأممي 194. هذا يستدعي وجود تحرك شعبي لكافة الساحات الفلسطينية، وأن يكون هناك دور فاعل للدبلوماسية الفلسطينية نحو تعزيز مكانة المقاومة الشعبية دوليًا، ودورها في إيصال الرسائل السياسية والإنسانية المطلوب نشرها والتنظير لها أمام العالم من خلال إشراك المؤسسات الحقوقية والإعلامية، والعمل على تشكيل مجموعات الضغط والمناصرة من أجل أن تبقى «إسرائيل» تحت مقصلة الرأي العام الدولي، وضمان إنجاز حقوق شعبنا.