خالد صادق
من جبلة الى يعبد كان خيط المقاومة يمتد ويمسك بأطرافه الشيخ الجليل الشهيد عز الدين القسام, الذي لم يرق له ان يحط الاستعمار البريطاني, او الاستعمار الفرنسي, او الاستعمار الإيطالي فوق ارض عربية, انطلق القسام بثورته التي تغلي في دواخله, ليجابه الاستعمار في سوريا وليبيا وفلسطين, وينتقل بين الساحات العربية ليزرع الثورة في كل مكان, مستغلا ثقافته الدينية لبث الحماسة في نفوس المواطنين, كان مسجد الاستقلال بمدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة وجهته, حيث كان القسام يعتلي المنبر هناك ويخطب في الناس ويحرضهم على القتال ضد الاحتلال البريطاني, ذاك الاحتلال الذي كان يلاحقه في كل مكان, حتى احتضنته صحراء يعبد وفجر ثورة سنة 1935م وحمل ونفر معه السلاح وواجه الاستعمار البريطاني بامكانياته الضئيلة, والاعداد القليلة التي كانت معه, لكن القسام كان يراهن ان دماءه ورفاقه ستفجر براكين الغضب ضد الاستعمار في المنطقة العربية, فضحى بدمه الطاهر ورفض الاستسلام للبريطانيين الذين حاصروه في احراش يعبد, فأبى ان يلقي السلاح وقال عبارته المشهورة «إننا لا نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل اللّه «وكان يقول للناس في خطبه في جامع الاستقلال بحيفا: «إن كنتم مؤمنين فلا يقعدن أحد منكم بلا سلاح وجهاد», وهو تحريض واضح على التسلح لمجابهة الاستعمار البريطاني, فهذه العقلية الثائرة كانت متمردة على تقبل الاستعمار والعيش تحت بنادقه كالعبيد, لذا كان يدعو للتحرر من العبودية والتبعية للاستعمار والغرب الصليبي, فاستمر القسام والنفر الذين معه من المجاهدين الاطهار يجابهون الاحتلال البريطاني وتتصاعد ثورتهم مع هجرة اليهود الى فلسطين لتوطينهم بها بمخطط استعماري بريطاني خبيث, تمارسه بريطانيا العظمي بقوة القهر لتزرعه في ارضنا العربية الحرة رغما عنا.
تنبه الشهيد القائد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الى سيرة هذا القائد الفذ واعتبرها احدى ابجديات العمل الثوري النضالي الواعي في فكر الحركة, فكان عز الدين القسام نموذجا يحتذى, وكانت سيرته العطرة دافعا لأبناء الجهاد للنضال والتضحية والبذل والعطاء لإيقاد ثورة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني, وتحدث الشقاقي عن نشأة القسام وارتباطه بفلسطين رغم كونه سورياً, ووعي القسام في مواجهة الاستعمار البريطاني, ومزجه بين الدين الإسلامي الحنيف والجهاد والثورة في مواجهة الاستعمار, لقد عمل عز الدين القسّام على إنارة عقول الناس كبارًا وصغارًا وحثهم على المقاومة وكسر شوكة العدو وتغذية نفوس الأهالي بحب الجهاد وتحرير أرضهم من العدو البريطاني. وبدأ القسام بتأسيس ما يسمى بالخلايا السريّة وتدريبها وتجنيدها من أجل الكفاح، وبعد أن نال اليهود «وعد بلفور» قام القسام بتنظيم مجموعات للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال البريطاني، وتدريبهم على السلاح جيّدا، وهذا النموذج القسامي كان وحياً لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين التي اعدت العدة للاحتلال وواجهته بوعي وفكر ثقافي قائم على أساس ديني عقدي مسنود بقواعد دينية نابعة من فهمنا لديننا الإسلامي الحنيف، ولم يسعَ عز الدين القسّام إلى سلطة أو كرسي او جاه بقدر ما كان يسعى إلى أن ينفذ مشروعه على أكمل وجه وأن يؤدي رسالته في هذه الدنيا تلك الرسالة التي اعتبرها تكليفاً الهياً لكل مسلم وطني حر, فالجهاد في سبيل الله فريضة على كل مسلم, دفاعا عن الأرض والعرض والمقدسات, دفاعا عن دين الله عز وجل, ونصرة للإسلام والمسلمين, انها رسالة عظيمة يحملها القادة العظام, وينطلقون بها جيلا بعد جيل وصولا الى لحظة النصر والتمكين, فالراية لن تسقط والطريق حتما سينتهي بالنصر.
نموذج القسام الثائر نشاهده أيضا في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس, فثورة القسام أصبحت نموذجا يحتذى فلسطينيا, وحالة ثورية تستحق التأمل والوقف امام عطائها الكبير وقدرتها الهائلة على تحدي الاستعمار, فالفكرة لم تمت ولن تموت, فقد أدى استشهاد عز الدين القسام إلى إشعال فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1935 , وإضراب الستة أشهر والذي لم يتوقف إلا بتدخل الزعماء العرب, وكأن التاريخ يعيد نفسه, والرسميين العرب لا زالوا يمارسون ضغطهم وحيلهم على المقاومة الفلسطينية عبر عشرات السنين, لكن نموذج القسام بعدم الاستسلام والركون الى الدنيا, والاغواء بزخرف الحياة وزينتها, لم يزغلل او يغري عيون الاحرار, ولم يدفع مقاومتنا الفلسطينية الباسلة للركون للحياة, انما الحافز دائما هو البحث عن الحرية والاستقلال, مسترشدين بسير وعطاءات الشهداء من قادة شعبنا وكوادره ومدنييه واطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه, لا زالت ثورة القسام حاضرة في دمعة الشهيدة الطفلة فلة المسالمة, وبندقية الشهيد البطل عدي التميمي, وسكين الشهيد الثائر محمد صوف, ولا زالت حاضرة في فكر وضمير ووعي شعبنا, القسام لم يمت لان بندقيته لا زالت مشرعة في وجه الاحتلال, ومنبره في مسجد الاستقلال بحيفا لا زال يصدح بكلمة التوحيد, ودمه واخوانه المجاهدين في احراش يعبد, أنبتت لنا الابطال من أمثال محمود طوالبة وجميل العموري وهنادي جرادات, وجنين التي تربط عصبة القسام على رأسها, لا زالت عنوان الثورة والتضحية والفداء في فلسطين, ولا زالت تقود العمل المسلح في الضفة الغربية المحتلة, ولا زال مخيمها الثائر الذي جسد ملحمة بطولية في التصدي للاحتلال الصهيوني, شاهدا على حجم الصمود والمواجهة بفعل اسطوري منقطع النظير.