نحن شعب محتل ومقاومتنا جاءت بأيدي أبناء هذا الشعب الفلسطيني وهي تراكمية، وقد مرَّت المقاومة منذ نشأتها بمنعطفات مد وجزر أخطأت وأصابت، كان فيها المخلص والانتهازي، وفيها الشهيد والخائن، وهي ليست نموذجية بالكامل كما كان الحال مع باقي مقاومات التاريخ والحاضر.
إن السواد الأعظم ممن يكتب في نقد أداء المقاومة (وهذا حقه) يريد تصويبها بالفعل، لكن الإمعان والاستمرار في استخدام عبارات تكون استخفافيه بإمكانات وأدوات المقاومة من شأنه أن يقود القارئ ويَبني لديه اتجاهات تُقزِّم من فعل المقاومة مما يشكك ويزعزع الإيمان بها حيث لا يَرى القارئ سوى عجزها وضعفها وما هو سلبي في جسدها وهذا يُولِّد انتكاسات متتالية لدى القُرّاء واتجاهاتهم الذِهنية بعدم الثقة بكل ما تفعله أو حتى ما ستفعله المقاومة مستقبلاً، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الشعوب المحتلة التي تعمل على حشد كامل الطاقات بما فيها الوعي الجمعي تِجاه تَبني المقاومة بكافة أنواعها للخلاص من الإحتلال وإنما يصب بشكل مباشر في مصلحة الاحتلال، فالمقاومة ليست كائناً حياً يدافع عن نفسه وإنما الذين يدافعون عن إسمها وشرفها هم حملة لواءها من هذا الشعب المظلوم الذي يعاني من عار الاحتلال.
إن بعض الكُتَّاب يستسهلون استخدام المصطلحات التي تنال من كل شيء يُقاوم من باب "الحرص على مقدرات الوطن"، نعم إن مقدرات الوطن مهمة لكن من أهم تلك المقدرات هو الحفاظ على الوعي الشعبي الرافض للاحتلال والرغبة الهائلة لطرده من كل شبر أخذه ظلما وعدوانا ولا يتم ذلك سوى بدعم المقاومة، وهنا المطلوب من كل كاتب أن يحدد لنفسه هدفاً ويسأل نفسه سؤالاً: ما التوجه الذي يريد بناءه لدى عقول أبناء شعبه كون أن الله أعطاه ملكة الكتابة والتعبير وحسن توصيل الفكرة.....هذا التوجه الذي أنت ككاتب من المهم أن تكون مقتنعاً ومؤمن بفكرة إيصاله للناس ولديك المقدرة في الدفاع عنه، والأهم من ذلك كله أن هذا التوجه تستشعر فيه رضى الله ولا يتعارض والحق الفلسطيني ويتوافق مع السنن التاريخية ويأخذ العبرة من الماضي ولا يجامل شخصاً أو حزبا أو دولة على حساب مصلحة الوطن.
كلنا يعلم بأن قراءة ما يُكتب على مواقع التواصل الاجتماعي تَبني عقلاً بما تحمله من فكرة، لأن العقل القارئ لتلك الفكرة يبني اتجاهاته بناءً على قناعته بتلك الفكرة...فما تكتبه أخي الكاتب ليكن بالمعلوم أنه أقوى من الصاروخ وأحد من السكين كونه يبني قناعات، وتلك القناعات لو بُنيت على أسس سليمة فإن نتاجها الحتمي هو إيجابي حتى لو أخذت مزيداً من الوقت منك، حيث إنّ تغيير السلوك هو من أعقد الأمور، فهو لا يتم في ليلة وضحاها ويحتاج إلى وقت وجهد وصبر.
أخي الكاتب: كونك تُجيد استخدام العبارات وبإمكانك تركيب الفكرة المُقنِعة ولأنه يوجد ثغرات وعثرات للمقاومة مثلها مثل باقي مقاومات العالم، فالمطلوب ألا تُسلط الضوء على الجانب السيء وحدَه، وإن كان لابد من ذلك بإمكانك أن تذكر كل الجوانب السلبية التي تريد، لكن اجعل خاتمة منشوراتك كلمات تعزز من ثقة القارئ بأهمية مقاومة الاحتلال بكافة السُّبل، لا تنل منها ولا تقزِّمها ولا تحقّرها في عيون حاضنتها، فنحن كشعب محتل لا نمتلك من عزة وكرامة سوى هذه المقاومة التي بنتها دماء أبنائنا وبناتنا والتي يحاول العدو ليل نهار النيل منها.....لا شيء مكتمل يا عزيزي ومقاومتنا كذلك ليست مكتملة، المطلوب تعزيزها وتطويرها وعدم محاولة شطبها من القاموس الذهني لأجيالنا الصاعدة.
أخي الكاتب: عندما تكتب اعلم أن منشورك هو بمثابة تشكيل رأي عام وبِنِسَبْ مختلفة لكنه في النهاية يبني رأياً عامّاً بالحد الأدنى يصل إلى عدد كبير من المواطنين، لذلك أنت مسؤول عن بناء هذا الرأي سواءً بالسلب أو بالإيجاب، في هذه الحالة لن يأتي أحد ليحاسبك ويقول لك أنت مسؤول عن كذا وكذا ولكن تأكد تماما بأنك ستحاسب عند الله عز وجل لأن لك عقلاً يفكر ويداً تكتب، بإمكانك ككاتب أن تجعل من مواقع التواصل الاجتماعي منبراً لزيادة الوعي و لبث الحقيقة، وبإمكانك أن تجعل هذا المنبر مسرحاً للتصفيق والهتافات لك، وبإمكانك أيضاً أن تجعله محراباً تتعبد فيه كل يوم من خلال تصويب المفاهيم واقتراح الحلول والأفكار التي تساعد في فكفكة المشاكل والأزمات...لا تجعل من قلمك سكيناً يضيف جرحاً جديداً في جسد المقاومة واجعله ضمّاداً نقياً يوقف نزف بعض جروحها.
هناك من الكُتَّاب حقيقةً يستخدمون كلمات قوية، مؤثرة وساحرة لكنها للأسف تُستخدم سلباً لتنال من جسد المقاومة النازف أصلاً ولو تم استخدام تلك الكلمات لدعم المقاومة وإرشادها فإنها ستتعافى وتصبح أكثر قوة.
يمكن تقسيم الكتّاب إلى خمسة أقسام، القسم الأول: "الكاتب المسؤول" وهو الذي يكتب عن وعي وإدراك لحقيقة ما يجري على الساحة الفلسطينية مراعياً توجهات الرأي العام، ونطلق على هؤلاء الكتاب أنهم مقاومون وهم بالمناسبة كُثر ونراهم بيننا كل يوم نقرأ ونسعد بالقراءة لهم، أما القسم الثاني: "الكاتب المُجامِل" وهو الذي يسخِّر قلمه ومنشوراته لمجاملة شخص أو حزب أو دولة وهذا الكاتب إن لم يجد من يجامله فإنه سيجامل نفسه، أما القسم الثالث: "الكاتب المهرّج" وهو الكاتب الذي يبحث عن الجَلَبة وسط الرأي العام لينال قسطاً من التصفيق والتعليق واللايكات، أما القسم الرابع: "الكاتب المأجور" لصالح شخص أو فئة، فهذا يُنفّذ أجندة بعينها سواء كانت تلك الأجندة صائبة أم خاطئة وما يعنيه فقط التنفيذ، والقسم الخامس والأخير: "الكاتب الضائع" وهو الذي يكتب فكرة في الصباح وينقضها في المساء.
المقاومة بخير لكنها أيضاً على مدار الوقت تواجه أزمات، ومع ذلك يجب على المخلصين من حملة لواءها ألا يسمحوا لأحد بالانقضاض عليها، وأن يكونوا داعمين لها حتى لو بقي القليل ليقاوم، لأن هذا القليل حتماً سيصبح كثير، فالاحتلال يتراجع بالمقاومة وفي المقابل هو يتقدم في ضعفها.
نعم لدينا فئة عريضة من "الكُتَّاب المقاومين" الذين لديهم المقدرة والإمكانيات العقلية ولديهم من الوعي حول تصنيفات وتوجهات الرأي العام ولديهم من الذكاء لإحداث جَلبَة كل يوم بل كل ساعة لكنهم يُفضِّلون الحفاظ على المقاومة كي تبقى حيَّة لتقاوم العدو.