غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

المشاغلة المجدية والثمن المطلوب

بيني غانتس.jpg
بقلم/ ياسر عرفات الخواجا

إن ما تشهده ساحة الضفة الغربية من حالة غليان ثوري مستمر وتصعيد للفعل المقاوم وبشكل دراماتيكي يدلل على أن الاحتلال بكل إمكانياته العسكرية والأمنية المتواجدة على مساحة الضفة الغربية قد فشل في إنهاء  (الانتفاضة)، حيث عمل جيش الاحتلال ومنذ ما يقرب العام على عملية متواصلة  أطلق عليها اسم (كاسر الأمواج)، استخدم فيها العدو كل أدوات القتل، ومارس فيها الإعدامات اليومية والاعتقالات المهووسة بأعداد كبيرة، وكان الهدف الأساسي منها هو القضاء على (ظاهرة الانتفاضة)،  والتي تأخذ في إطارها عدة أشكال مقاومة، فهذه الانتفاضة لا تشبه سابقاتها؛ لاحتوائها على خليط ما بين العمل الجماهيري الشعبي( الرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة) وما بين العمل الشخصي الارتجالي(مابين الطعن والدهس وإطلاق نار) والعمل المسلح المنظم.(الممثل بالكتائب المسلحة)التى تتبع للجهاد الإسلامي. جنين ونابلس وطولكرم وطوباس والجبع وغيرها من المدن وكذلك عرين الأسود المشكلة من كافة الفصائل )

هذا الخليط الثوري شكل حالة انتفاضة لم يألفها العدو في الانتفاضات السابقة، مما جعل العدو يقف أمام مشكلة معقدة، فهى بالتأكيد وضعت المؤسسة الأمنية والعسكرية في حالة صعبةوتقديرات عاجزة في القضاء عليها وإنهائها، الأمر الذي دفعها باتباع  استراتيجية الضربات الاستنزافية لقوى المقاومة، وبالأخص كتائب جنين ونابلس وعرين الأسود،

لكن السؤال المطروح هنا: هل هذه العمليات الاستنزافية من الممكن أن تقضي على حالة الانتفاضة، أو تفضي إلى تراجعها وانكماشها؟.

أعتقد بأن الشواهد على الأرض تقول بأنه وإلي حد اللحظة قد فشلت هذه الاستراتيجية وهذه العمليات على إنجاز المهمة، وهي القضاء كلياً على ظاهرة المقاومة الثورية.. لكن في المقابل نقول بأن هذه العمليات شبه اليومية بالتأكيد إذا ما إستمرت بهذا النمط ستؤثر على المخزون الاستراتيجي البشري واللوجستي، من خلال عملية استنزافية مستمرة قد تؤثر على بنية المقاومة، الأمر الذى يتطلب من المقاومة أن تغير في تكتيكها العملياتي والأمني بالأخص؛ لكى تربك و تصعب على العدو  خططه ومهماته من جهة، وتعمل على الحفاظ على المخزون البشرى واللوجستي الهام لاستمراريتها بأخذ أفضل التدابير الأمنية المطلوبةمن جهة آخرى.

وإن ما يقوم به العدو من إجراءات القتل والإعدامات  والاعتقالات المتواصلة المبنية على حجم كبير وكثيف من المعلومات المركزة حول طبيعة وأماكن تحرك المقاومين، والتي يتم استيقاؤها -في الغالب- من الأجهزة الأمنية في السلطة، والتي تعمل دون توقف إلى جانب الاحتلال للقضاء على المد الثوري المقاوم في الضفة، ولولا هذا الدعم الاستخباراتي والكم الكبير من المعلومات الأمنية المباشرة لما استطاع العدو تنفيذ تلك العمليات المكوكية واليومية التي تستهدف المخزون البشرى للمقاومة في شمال الضفة وبالأخص كتيبة جنين ونابلس وعرين الأسود.

إذن، فنحن أمام معادلة واضحة وقائمة يكمل بعضها بعضاً، فالسلطة وكيان الاحتلال كلاهما يضربان المقاومة عن قوس واحدة، فالسلطة تقوم على ضخ المعلومات المركزة، والجيش وقواته الخاصة تنفذ العمليات التي تستهدف قتل وإعدام أكبر عدد ممكنه من المقاومين والقادة في الجهاد الإسلامي بشكل ممنهج يفضى إلى حالة من الاستنزاف الميداني المباشر.

وإن المؤشرات القياسية للأحداث على الساحة الفلسطينية تقول بأن المقاومة برمتها مستهدفة، وخاصة  الجهاد الإسلامي، ويرجع التركيز على الجهاد الإسلامي من منظور دولة الاحتلال بالذات لأمرين هامَّين وخطيرين:

الأمر الأول: أن دولة الاحتلال تسعى ومنذ قيامها إلى فك الارتباط بين كل الساحات الفلسطينية على أرض الواقع، وربما نجحت في كثير من الأحيان في ترسيخ تلك المعادلة، لكن ما يقوم به الجهاد الإسلامي اليوم في ساحة الضفة الغربية وترؤسه  للانتفاضة المسلحة والتي بدأت بكتيبة جنين وامتدت إلى كل الساحات والمدن الفلسطينية وصولاً إلى القدس، وقريباً ربما في الأراضي الفلسطينية داخل الكيان،  وهذا يعنى أن ما كرسته دولة الاحتلال في عشرات السنين من فصل للساحات، ومحاولاته الحثيثة في كي الوعى، ومحاولات الاحتواء الاقتصادي، كل هذا نُسف وتبخر من خلال تمدد ظاهرة الثورة المشكَلة في الضفة الغربية، وهذا أكثر ما يقلق كيان الاحتلال.

الأمر الثاني: طبيعة وفكر حركة الجهاد الإسلامي الذى يصر على تبنى المشاغلة والمواجهة المستمرة والمجدية، وهو ما يعنى تأجيج وإشعال ساحة الضفة، والتي ازدادت وتيرتها اشتعالاً بعد معركة وحدة الساحات في غزة التي أعادت الاعتبار لمعركة (سيف القدس) والتى تآكلت  بعض نتائجها بعد مسيرة الأعلام الثانية في القدس، فمعركة وحدة الساحات كان الهدف منها هو إعادة توحيد وتسخين كل الساحات الفلسطنية و إعادة للشعب الفلسطيني اعتباره، 

حيث أعطت دفعة قوية لعجلة الأحداث فى الضفة والتى بطبيعة الحال زادت من ديناميكيتها المقاومة

 بوحدة كل الجغرافيا والمدن الفلسطينية فى الضفة وغزة، وكسرت كل الحواجز الوهمية التي بناها الاحتلال، والتي وقفت حائلاً بين التفاعل الثوري لكل الساحات الفلسطينية على مدار تلك السنوات الطويلة.

وأمام هذا الفشل العسكري في القضاء على الانتفاضة بكافة أشكالها في الضفة، ربما يضطر العدو لأن يبحث عن حلول عسكرية أخرى للتخلص منها، فهذا وزير الحرب (غانيتس) قد صرح سابقاً بأن هناك ربما سيناريو لحدث أمنى خطير في الضفة، وستكون له تداعياته على غزة، وأن على الجيش أن يتأهب ويستعد لذلك.

وإن القراءة التحليلية لهذا التصريح ربما تتفق نسبياً  مع ما يجرى على الأرض، فالعدو يبدو أنه  قد حدد هدفه، وهو السعي للقضاء على بنية الجهاد الإسلامي، سواء كانت فى غزة أو الضفة أو غيرها، وهذا يعنى أن الثمن المطلوب اليوم هو رأس الجهاد الإسلامي، فالجهاد يمثل رأس حربة الانتفاضة فى الضفة، وهو الذى يترأس قيادة الأحداث المسلحة من خلال كتائبها الفاعلة على الأرض، وهذا كله يأخذنا ويقودنا إلى أن هناك ضربة قوية سيوجهها العدو ضد الجهاد الإسلامي، وربما على مستويات قيادية رفيعة، من خلال عمليات اغتيال وما يشابهها، وذلك ليس بالضرورة أن يكون فى ساحات الضفة وغزة، بل ربما يكون فى ساحات أخرى.

وبناءً عليه، ستكون هناك ردة فعل فلسطينية  على صعيد الضفة وغزة وربما يتم إحتواء الأخيرة من خلال تحيد قوى هامة ولها وزنهاو ثقلها العسكرى من خلال أطراف إقليمية مؤثرة إستطاعت فى السابق أن تحيدها  عن المواجهة وسيأخذ الاحتلال ضمانات حول هذا التحيد كما أخذها سابقا وربما يبنى موقفه العسكرى على ذلك ، وسيقوم العدو بعدها باستغلال ذلك بعملية جراحية عسكرية بإجتياح جزئى لشمال الضفة، التي تعتبرها دولة الاحتلال معقلًا للجهاد، و مصدرًا للقلق والأحداث، الأمر الذى سيعطى السلطة الفرصة لإعادة بسط سيطرتها من جديد على تلك المناطق.

وهذه الخطة ليست سهلة، بل هي ربما تكون محفوفة  بالمخاطر عند العدو؛ لكنه يمكن أن يخوض تلك العملية مجبرًا، على اعتبار أنها -وفق حساباته- أفضل من العمليات الفاشلة والغير مجدية التي نفذها على مدار العام، طبعاً هذا كله ضمن تنسيق وتوافق كامل مع الأجهزة الأمنية والمستوى السياسي بالسلطة، بالإضافة إلى أطراف إقليمية أخرى مؤثرة  على صعيد الملف الفلسطينى، والحصول على الضوء الأخضر الأمريكي لها.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".