يراقب أحمد من شرفة منزله خيوط الشمس الذهبية لتعلن عن فرحة ليست ككل الأفراح، إلى جانبه فنجانِ قهوتي، وفي يده هاتفه النقال يوثق تلك اللحظات الجميلة، وفجأة دون سابق إنذار تعلو أصوات فرح والصفير ثم تهدأ؛ لتعود مجددًا بعد دقائق، في تلك اللحظات أصيب أحمد بالارتباكِ متسائلًا: "ماذا يجري؟، ما هذا الصراخ؟".
ارتدى أحمد حذاءه مسرعًا صوب الأصوات المرتفعة، كانت على بعد 200 متر تقريبًا من منزله، في الطريق شاهد سيارات عدة، ودراجات نارية بالعشرات، وبائعي الترمس والمكسرات والأكلات الشعبية، وأمامه عشرات من الشباب يحملون علم المغرب، وآخرون علم فلسطين، ومجموعة أخرى تحمل علم قطر، والأعلام العربية ترفرف في المكان.
يدخل الشباب أفواجًا أفواج إلى صالة "سعد صايل الرياضية" غرب مدينة غزة، تغير وجه أحمد وارتسمت علامات الفرح والسرور على شفتيه، ولسان حاله يقول: "يا الله يا الله كم يحب أهل غزة الحياة والفرح والسعادة من أجل مباراة في كأس العالم تصدح تلك الحناجر بصوت واحد متضرعة إلى الله تعالى بالنصر والفوز للمنتخبات العربية".
لم يتردد أحمد للحظة فقد رافق الشباب داخل الصالة؛ فوجدها مُلِئَتْ شبابًا وشيوخًا وأطفالا، فلا مكان ليضع قدمه، كانت الأصوات مرتفعة ودقائق المباراة تجري، وظهر على شاشة العرض اللاعب يوسف النصيري مهاجم منتخب المغرب الذي قفز قفزة هي الأعلى في بطولة كأس العالم 2022 وبرأسه الذهبية ضرب الكرة ليدخلها في شباك مرمى منتخب البرتغال.
كانت دقائق الشوط الأول تُشير إلى الـ 42 عندما أحرز النصيري هدف منتخب المغرب، لتنقلب الدنيا، هتافات وزمامير وصراخ وبكاء، لا صوت هنا في صالة سعد صايل بغزة يعلو فوق صوت الفرح والسرور، لا صوت يعلو فوق صوت المغرب وفلسطين النابضة بالحب.
وفي زاوية أخرى من زوايا صالة سعد صايل، كان يوسف أحمد الذي فقد قدميه في العدوان الإسرائيلي على غزة، يجلس على كرسيه المتحرك يراقب ويتابع مجريات المباراة، يحمل بيده علم المغرب، وفي يده الأخرى علم قطر، ويضع الكوفية على رأسه، مشهد الفرحة في عيني يوسف لا توصف.
اقتربت دقائق المباراة من النهاية وما زال المغرب متفوقًا بهدف نظيف على البرتغال، أصوات الجماهير في الصالة تعلو شيئاً فشيئًا هتفوا جميعًا كأنهم داخل استاد المباراة، وبصوت واحد لعل صوتهم يخترق الحصار والحدود: "خلصت صفر يا حكم"، وما هي إلا ثوانِ حتى استجاب حكم المباراة لصرخاتهم وأطلق صافرة النهاية.
في تلك اللحظات صدحت حناجر الجماهير في صالة سعد صايل، "الله أكبر الله أكبر، مبروك للمغرب، مبروك للعرب" حتى بُحت أصواتهم فعليًا من شدة الفرح والسرور، ارتفعت أعلام "فلسطين والمغرب وقطر" في سماء الصالة الرياضية، وانتقل الاحتفال المهيب في شوارع وطرقات غزة.
الشباب يرفعون بعضهم البعض لتصدح أصواتهم تحية للمنتخب المغربي البطل، كان الشاب محمد الديب في العشرينيات من العمر مرفوعًا على الاكتاف يغني للمغرب وللعرب فوزهم التاريخي ووصولهم للمربع الذهبي لأول مرة في تاريخ كأس العالم.
محمد الديب من حي الشجاعية وصل إلى صالة سعد صايل قبل انطلاق المباراة بساعتين كان يحمل بيده علم المغرب، يقول والعرق يتصبب من جبينه: "مبروك للمغرب أسود الأطلس، رفعتوا راسنا في السما، أحب المغرب وشعبها العاشق لفلسطين وقضيتنا الأبية".
لم يكن الشاب الديب وحيدًا؛ فكان إلى جانبه العشرات من أصدقائه وأقاربه الذين شاركوه الفرحة، وصدحوا بصوت مرتفع: "رونالدو وينو؟ Where is Ronaldo?"، اتخذ الشباب هذا الشعار لينشدوه فرحة بفوز المغرب على منتخب يملك عناصر القوة والرهبة أمثال أسطورة كرة القدم "كريستيانو رونالدو" فجابوا شوارع غزة وطرقاتها فرحة بفوز المغرب.
ويأمل شباب غزة بأن يستكمل منتخب المغرب الفرحة؛ لأن الحلم أصبح حقيقة، ولا مستحيل مع الإرادة فقد تمكن المغرب منذ بطولة كأس العالم من فرض التعادل مع كرواتيا وهزيمة كل من "كندا بلجيكا اسبانيا البرتغال" ليصل إلى المربع الذهبي ومنه إلى النهائي والفوز بالبطولة.
يُشار إلى أن اللجنة القطرية لإعمار قطاع غزة، بالتنسيق مع المجلس الأعلى للشباب والرياضة قررت عرض كافة مباريات كأس العالم 2022 المقامة في دولة قطر وذلك في صالة الشهيد سعد صايل الرياضية بغزة، ليشاهدها الآلاف من مشجعي ومحبي كرة القدم في القطاع.