غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر (تقرير 1) من قلب الكيان الصهيوني.. الشركات الناشئة ودورها الفعّال في الإقتصاد الإسرائيلي!

يقول الزعيم والفيلسوف الصينى Sun Tzu – صن تزو، في كتابه ذائع الصيت فن الحرب:

من يعرف عدوه ويعرف نفسه يقود مائة معركة بدون خطر، أو خوف من النتائج، ومن لا يعرف عدوه ولكنه يعرف نفسه فقد يحرز نصرًا أو يلقى هزيمة، ومن لا يعرف عدوه ولا يعرف نفسه يكون في دائرة الخطر في كل معركة

فمعرفة العدو ودراسة وإحصاء إمكاناته، ومحاولة ألقاء نظره عليه من الداخل هو أمر مُهم للغاية، ولنا في سيرة الرسول الكريم أسوة حسنة، أذ أنه سأل احد الغلمان المأسورين قبل المعركة: (كم تنحرون كل يوم؟)؛ وذلك بهدف معرفة عدد تقريبي للأعداء. وهذا درس نبوى مُهم للذين يظنون ان الأسباب المادية والاحصائية والمعلوماتية لا أهمية لها في المعركة.

ورغم حرصي على تناول كل المواضيع التي أكتبها بعيداً عن المحظورات الثلاثة (السياسة والدين وكرة القدم)، والتى قُمت بوضعتها لنفسى منذ خرجى من الجامعة، بدء مسيرتى المهنية فى كمحررة إقتصادية..

إلا أنني أجد نفسي اليوم في حاجة ماسة للخروج عن قوقعة الوهم التي يعيشها معظمنا فيها، متصديين لكل ما لا يتناسب مع معتقداتنا الفلسفية، وفي بعض الحالات توجهاتنا السياسية، فى محاولة لأكتشاف أسباب تقدم وتفوق العدو الإسرائيلى.

فالمعروف عن اليهود عمومًا أنهم جماعة مُنجزة. إنهم يشكلون 0.2% من مجموع عدد سكان العالم، ولكن 54% من بطولات الشطرنج في العالم، و 27% من الحائزين على جائزة نوبل في مجال الفيزياء، و 31% من الحائزين عليها في المجال الطبي هم من اليهود.

إن اليهود يشكلون 2% فقط من سكان أمريكا, و لكنهم يشكلون 21% من الهيئات الطلابية، و 26% من المكرمين في مركز كينيدي, و 37% من المشرفين على جوائز الأوسكار، و 38% من كبار المحسنين في مجال الأعمال، و 51% من الحائزين على جائزة بولتزر في مجال قصص الخيال العلمي.

كما أن المراجع للشأن الإسرائيلى سيجد أن الواقع المعاصر يدل علي أن عدونا اللدود يعمل بجد ونشاط مثيران للإنبهار والرعب في آن واحد في مجالات الإبتكار، والتكنولوجيا، والإنترنت، والتقنية، وريادة الأعمال، حيث حققت الكثير رغم التحديات التي تواجهها، وعزلتها عن جيرانها، وتعرّضها لـ 3 حروب مؤثرة.

لقد تم تصنيفها في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الشركات المدرجة في نازداك. إن إسرائيل مع وجود ما يقارب الـ 8 ملايين فرد فيها تجتذب رأسمال أكبر من رأسمال المال الذي تجتذبه فرنسا و ألمانيا مجتمعتين..

كما إن لديها تكنولوجيا متوفرة لكل فرد فيها أكثر من جميع الدول الموجودة على وجه الأرض لحد الآن. إنها تقود العالم في مجال البحوث المدنية و تطور الانفاق الفردي.

كما أنه خلال العام الماضى فقط 2014م اشترت الصين شركات إسرائيلية بنحو 4 مليار دولار، أكبرها شركة (تنوفا) لمنتجات الألبان، وشركة (فينيكس) المتخصصة في توفير خدمات الأمان..

وفى نفس العام كما قامت شركة (Rakuten)  اليابانية المتخصصة في التجارة الإلكترونية بالاستحواذ على تطبيق المحادثات الشهير (Viber)، والذى قام بتطويره المطور الإسرائيلى (Talmon Marco) بصفقة تقدر قيمتها بـ 900 مليون دولار، فضلاً عن أنه خلال الشهور القليلة الماضية (تحديدًا يناير 2015م فقط)، بلغت حصيلة بيع عدد من الشركات الناشئة Start-Ups الإسرائيلية أكثر من ٨٢٥ مليون دولار.

س2

كل هذا جعل إسرائيل تتفاخر دومًا بأنها (أمة الشركات الناشئة)، حيث تملك أكبر كثافة شركات ناشئة عالميًا، وأكبر عدد من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط، وتتميز تلك الشركات بصغر الحجم، مع تحقيق طفرات متتالية فى الوضع الإقتصادي هناك، لما تحققه من إنتاج بنسبة عالية، ومردود مالي ضخم.

فمن أهم ملامح نهضة الإقتصاد الإسرائيلى الإهتمام برواد الأعمال وتدريبهم وتطوير مهاراتهم وتوفير مصادر التمويل اللازمة، لتحويل الأفكار إلى شركات ومشاريع مربحة، مما جعل الشركات الناشئة الإسرائيلية تشكل بذلك قوة إقتصادية.

فالمراجع لتاريخ إسرائيل الإقتصادى سيكتشف أنه مر يبين نهضتين يتوسطهما مرحلة ركود وتضخم أسعار. النهضة الإقتصادية الأولى تمت بين عام 1948م وعام 1970م حيث تضاعف الدخل القومى الإسرائيلى أربعة أضعاف، أما النهضة الثانية بدأت عام 1990م ولازال الإقتصاد ينمو حتى يومنا هذا.

والفرق بين هاتين النهضتين، أن الأولى كانت راجعه لسياسات الحكومة الإقتصادية، التى أدت إلى إنعاش الإقتصاد، أما الثانية فكانت لريادة الأعمال والشركات الناشئة الخاصة دور كبير فيها. والنتيجة كانت واضحة، الإستثمار الجريء هو الفتيل الذي أشعل حريق ريادة الأعمال في إسرائيل.

ألست معي أن الأمر بات يستحق وقفه للتأمل والدراسة، لأدراك الأسباب التى أدت لذلك؟!. ولكن ما لفتني مؤخرا مستوى عدم إطلاع العرب، على ما يجري في إسرائيل!، قد ينتقدني البعض، ولكن إذا كان لهذه الكلمة صدى بسيط لدى المعنيين، فلا بأس ببعض الإنتقادات.

إسرائيل بالنسبة لنا هي العدو والمحتل والقاتل والمتأمر. كل هذا صحيح، ولكن ما نجهله هو أن إسرائيل أيضًا نموذج في ريادة الأعمال وتحديدًا في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات.

وفى هذا الصدد كان لي فرصة الاطلاع على كتاب (والذى سنتاوله اليوم بالفحص والدراسة)، قام بتأليفه يهوديان أمريكيين، ويحمل أحدهما الجنسية الإسرائيلية، حيث جاء الكتاب برؤية ذاتية من قلب إسرائيل؛ لتحليل السمات المميزة لتقدم الإقتصاد الإسرائيلي، ودور ريادة الأعمال Entrepreneurship التي جعلت منه إقتصادًا رائدًا في سنوات معدودة..

رغم التحديات التي واجهوها، وتعرّضه لـ 3 حروب مؤثرة؛ لذلك فهذا الكتاب يستحق القراءة والتأمل ودراسة كل حرف فيه، لأنه يطلعنا على أهم أسباب تقدم إسرائيل، من وجهة نظر الإسرائيليين أنفسهم، ومن منطلق المنطق القائل (اعرف عدوك”)، اسمحوا لي أن أشارككم ببعض ما قرأت.

فقد قام كلًا من (دان سينور – Dan Senor) مستشار السياسة الخارجية السابق لدى الحكومة الأمريكية، والمؤلف المشارك معه (ساول سينجر- Saul Singer) المحرر الصحفي الإسرائيلي، فى نوفمبر عام 2009م بنشر كتاب ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب، كل باب يحتوي على عدة فصول، يُدعى ( Start-up Nation: The Story of Israel’s Economic Miracle – أمة ناشئة: قصة معجزة إسرائيل الإقتصادية).

س3

مما تسبب فى وأثارة ضجة إعلامية كبيرة سواء فى الأوساط العالمية أو الإسرائيلية، ليتم ترجمته لعدة لغات أخري، والجدير بالذكر هُنا أن للكتاب باع لا بأس به مع الترجمة للعربية، بدأت بالمدون عماد المسعودى، عام 2010م عندما قام بنشر مُلخص مُترجم للعربية له..

هذا بالعودة لمضمون الكتاب، نجد أنه يتحدث عن دور الشركات الناشئة Start-Up Business فى نهضة الإقتصاد الإسرائيلى منذ نشأتها عام 1948م حتى اليوم بمعلومات حقيقية وتاريخية، عبر إستخدام القصص عن الشركات ورواد الأعمال..

لشرح أسباب جعلها مركزاً للإبداع من حيث روح الشركات، فإستطاعت أن تصبح Start-Up Business Nation   أو أمة الشركات الناشئة، مما جعل الكتاب يأتى بمحاولة للإجابة على تساؤل رئيسي ومحور جوهري يستحق التأمل، ألا وهو:

كيف إستطاعت هذه المحتلة الصغيرة، المؤسسة منذ 60 عامًا فقط، والتى يصل عدد سكانها لما يقارب الـ 8 ملايين نسمة، بما لا يتجاوز إجمالي عدد سكانها العدد الإجمالي لسكان ولاية نيوجيرسي الأمريكية، يسكنون مساحة تقل عن 2 بالألف من مساحة العالم العربي، ولا تتمتع بوفرة في الموارد الطبيعية، وتتواجد في بيئة عدائية، أن تحقق هذه النجاحات الإقتصادية المذهلة في القطاع التقنى والتكنولوجي، وتمتلك عدد شركات تكنولوجية مسجلة في ناسداك أكبر من جميع الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية والهند والصين مجتمعين؛ لتصبح بذلك مقصدًا للريادة الأعمال، وأمة الشركة الناشئة؟، كيف تمكن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي تعزيز قدرة الإقتصاد الإسرائيلي على النمو؟

س4

الكتاب فى هذا الصدد مليء بقصص اللقاءات على المستويات كافة؛ لجلب كبار المستثمرين والصناعيين في العالم للإستثمار في إسرائيل، سواء في إنشاء صناعات جديدة أو الإسهام في صناعات قائمة، أو في وضع القوانين والآليات الحافزة لقيام الإسرائيليين أنفسهم بإنشاء الشركات، وبدء الأعمال ذات النوعية التي تستقطب الممولين والمستثمرين، والتي توفر الطلب عليها بصورة لا غنى عنها.

وقبل البدء بتناول الكتاب، أود فقط التنويه والتأكيد على أنى لا أسعى اطلاقًا لتمجيد إسرائيل أو التهليل والترويج للتجربة الإقتصادية الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال، ولا أتبنى أيًا من أفكار ذلك الكتاب، وأنما أتناوله من باب أعرف عدوك، فإسرائيل كما هو معروف للجميع هي العدو التقليدى القابع على الحدود فى انتظار أى فرصة للقضاء علينا، مما يستوجب علينا محاولة الوقوف على آخر تطوراته.

 

سعى الكتاب للربط بين النشأة التاريخية لإسرائيل، والدور المجتمعي واسع النطاق لجيش الدفاع الإسرائيلي، والخصائص الديمغرافية لمجتمع المهاجرين الإسرائيلي، وما يرتبط بها من تعددية ثقافية، وما حققه الإقتصاد الإسرائيلي من نجاح لاسيما في المجال التكنولوجي، بما جعلها أحد أهم مراكز الصناعات التكنولوجية المتطورة على مستوى العالم، وجذب إليها فروع التطوير التكنولوجي لشركات عالمية كبرى مثل إنتل وجوجل ومايكروسوفت.

 

وهو ما كان له أكبر الأثر في زيادة الإستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات في إسرائيل إلى حوالي تريليون دولار في فترة وجيزة للغاية منذ بداية الألفية الجديدة، ولذا فإن مؤلفي الكتاب قد آثروا أن يصفوا إسرائيل بأنها دولة للعقول a State of Minds وحالة تستحق الدراسة، وليست مجرد دولة تقليدية.

 

فنجد إن هذا الكتاب، يتحدث عن دور إسرائيل في إيجاد البيئة والظروف الواقعية التي تؤدي إلى انطلاق الأعمال ونجاحها، وخاصة تلك المتعلقة بالتنافس الحالي في العالم، والقائمة على إيجاد الشركات التي تدير الأعمال الخاصة بالتقنية وما يتعلق بها، وهي التي أضحت في الوقت الحالي أكثر الأعمال نجاحاً وأكثرها طلباً؛ بسبب ارتباط معظم مفاصل الحياة المعاصرة بها. ويتضح ذلك في كثير من الإجراءات والآليات التي أوجدتها إسرائيل في الداخل؛ لاستقطاب الأعمال والاستثمارات من الخارج.

 

ولعل الجانب المهم من الكتاب، هو الآليات التي تعتمدها إسرائيل في تأهيل مواطنيها؛ ليكونوا قادرين على الريادة في الأعمال، ولديهم القدرة على الابتكار والإبداع والمنافسة في العالم، من خلال القانون الذي يشجعهم، ومن خلال إيجاد المنافسة الحادة بين الشبان، وخاصة بالتحاقهم بالجيش الذي يعدهم للنجاح في الحياة على المستويين الشخصي والمهني، ومن خلال إيجاد الصناديق التمويلية لبدء الأعمال واستقطابها، والقدرة الفائقة على التنظيم والتسويق، في عالم يتميز بالمنافسة الشديدة التي ينجح فيها صاحب القدرة الفعلية على الإبداع والتسويق.

 

وبسبب قوة الإقتصاد، فإن إسرائيل قد تجاوزت الأزمة المالية العالمية بشكل معقول، فما كان على الحكومة أن تنقذ بنوكها، أو أن تقوم بفتح باب الانفاق قصير الأجل، وعوضًا عن ذلك, فقد استخدمت الأزمة من أجل تقوية مستقبل الإقتصاد طويل الأمد من خلال الإستثمار في البحوث و التطوير و البنية التحتية، و قد قامت بزيادة بعض الضرائب الاستهلاكية، ووعدت بأن تقوم بتخيض الضرائب الأخرى على الأجلين المتوسط والبعيد.

 

كانت هذه مقدمة سريعة عن الكتاب، وأهم ما يطرحه من أفكار وموضوعات، ولنا لقاء قريب مع عرض أهم الأسباب التى جعلت الشركات الناشئة قاطرة الإقتصاد الإسرائيلى..

إعداد وتقرير: شيماء جابر