"غطوها ما اتخلوا إمها اتشوفها" كلمات قاسية سقطت على أذن والدة الطفلة فاطمة، للوهلة الأولى اعتقدت أن طفلتها مصابة بجرح عميق؛ لذلك أخفوا الساق بالشاش، وبعد وقت قصير اكتشفت المفاجأة؛ ليكون وقعها كالصاعقة على قلبها وعائلتها.
لا يوجد معالم واضحة لساق الطفلة فاطمة أبو ندى (14 عامًا)، فرائحة العفن تخرج من بين الشاش، وعظام ساقها مفتتة، والجلد التصق ببعض، لتصبح ساقها مشوهة تمامًا، بل أصبحت قصيرة عن الساق الأخرى، كل ذلك المشهد المرعب الذي أصاب الطفلة فاطمة فجأة، كان بسبب الإهمال الطبي لبعض الأطباء كما أكدت والدة فاطمة أبو ندى.
الحزن والألم يخيمان على قلب والدة فاطمة لتروي لـ"شمس نيوز" حكاية طفلتها التي تشوهت قدمها بغمضة عين، ففاطمة كانت تلعب في منزل والدها شمال غزة عام 2018، سقطت فاطمة من الطابق السابع؛ لتصطدم بالأرض.
كانت أنفاس الطفلة فاطمة لا تزال تتصاعد؛ فأسرعت العائلة بسيارة مدنية لنقل الطفلة للمستشفى في تلك اللحظات أسرع الأطباء لإنقاذ الطفلة؛ فأوقفوا النزيف الحاد من قدمها ووضعوها في العناية المركزة.
جلست الطفلة فاطمة أياما عدة في العناية المركزة، كانت المدة كفيلة بأن يجف بحر الدموع من عيون والدتها التي تقول بألم: "كانت فاطمة في وضع صعب جدًا، كنا نأمل أن تستمر نبضات قلبها لتُعيد لنا الحياة، وبجهود الأطباء عادت الروح لفاطمة بعد أيام عدة من الجهد المتواصل".
عندما اقتربت فاطمة للخروج من العناية المركزة، كانت والدتها تقف إلى الغرفة، وفجأة اخترق صوت ضعيف من باب الغرفة ليقع كالصاعقة على أذن والدة فاطمة، أحدهم يقول: "لا تجعلوا والدتها تكشف عن ساقها"، ارتسمت معالم الصدمة والشك على وجه والدتها التي كانت تترقب خروجها؛ لتحتضنها بدفء وحنان الأم.
فالأفكار التي كانت تدور في مخيلة الأم كما قالت: "أن ساق الطفلة مصابة بجروح عميقة، ويخشى الأطباء رؤيتي تلك الجروح"، لكن قلب الأم كما يُقال دليلها؛ فبعد وقت قليل كشفت عن ساق فاطمة؛ لترى المصيبة والفاجعة التي أصابت قلبها، وبدأت العيون تبكي بحرقة على ما تراه من وضع كارثي لساق طفلتها، فالرائحة عفنة وجلدها متجعد؛ كأنها لم تتلقَ أي إسعافات أولية لقدمها.
حاولت الأم أن تعالج طفلتها على الفور؛ لكن لم تجد آذانًا صاغية، كل ما يرد إليها: "أن الطفلة تحتاج إلى عمليات تجميل"، حملت الأم تلك الكلمات وانتقلت بها إلى مستشفى العلاج في المدن الفلسطينية المحتلة –لم تذكر اسم المستشفى-.
مكثت الأم وطفلتها فاطمة في المستشفى أياما عدة، حصلوا فقط على غيارات وهمية لقدم الطفلة، دون أن يتحدث إليها أي طبيب عن مشكلة فاطمة ونوع العمليات التي تحتاجها، وعندما صرخت في وجههم متسائلة عن الإنسانية والكرامة، رد عليها أحدهم قائلًا: "هذا ما هو موجود في المستشفى أجرينا العديد من العمليات؛ لكن لا يوجد تحسن لقدم البنت، لا يوجد علاج لها، مش عاجبك ارجعي على غزة".
حملت والدة فاطمة أبو ندى، أوجاعها وآلامها وحسرتها وسوء المعاملة من أبناء جلدتها لطفلتها التي تعاني من آلام حادة في قدمها، وعادت إلى غزة متسائلة: "أين الإنسانية والرحمة التي يحملها الأطباء؟، أين الإخلاص في العمل؟ أين العناية بالمرضى والتخفيف عن آلامهم ومعاناتهم؟، أين أذهب بطفلتي لعلاجها؟".
سؤال تردد في ذهن والدتها وجميع أفراد عائلتها؛ لكن صدى الإجابة يعود خجولًا؛ ليصيب أذنها بالحقيقة المرة، حاولت ولا زالت تحاول والدة فاطمة أن تحصل على تحويلة لعلاج ابنتها خارج فلسطين خاصة أن أحد الأطباء قال لها: "علاج فاطمة غير موجود في مستشفياتنا؛ لكن لا نستطيع أن نعطيها تحويلة لتتعالج على حساب وزارة الصحة خارج البلاد".
التجربة التي عاشتها والدة فاطمة مع إحدى المستشفيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جعلتها ترفض أي تحويلة طبية إلى تلك المستشفيات، مصرة على علاجها خارج فلسطين.
فبعد سنوات من التنقل والعلاجات، ازدادت آلام الطفلة فاطمة بشكل جنوني، لا تستطيع النوم، لا تستطيع التحرك والتنقل من منطقة إلى أخرى، درجة حرارتها مرتفعة جدًا، لا تكاد تنخفض رغم الأدوية الخافضة للحرارة.
فالأوضاع المادية صعبة جدًا، وفاطمة تحتاج يوميًا إلى مراهم يصل سعر الواحد منها 50 شيكل، إضافة إلى سعر عملية التنظيف التي يقوم بها أحد الممرضين في المنزل -أجرة الممرض-، وهذه الأسعار والأموال لا طاقة لعائلة فاطمة أبو ندى أن تتحملها، مناشدة الضمائر الحية بأن تقف إلى جانب طفلتها، وأن تساعدها في توفير العلاجات اللازمة، والضغط المتواصل على المسؤولين للسماح لها بالحصول على تقرير طبي لعلاجها في خارج فلسطين.
وأمام هذه الألم اليومي الذي تعيشه الطفلة فاطمة وعائلتها "أبو ندى" قررت العائلة الخروج عن صمتها وتدشين هاشتاق (أنقذوا فاطمة) لعل صرخاتها تصل إلى آذان المسؤولين وتقديم المساعدة العاجلة لها.
وكانت فاطمة قد نشرت على حسابها في منصة فيسبوك مقطع فيديو مؤلم لقدمها، ولحركتها المتعرجة؛ ما أثار حالة من التعاطف والتضامن مع فاطمة أبو ندى، إذ أن فاطمة كتبت على حسابها: "أنا الطفلة فاطمة أبو ندى، أُعاني من فرط حركة وتشتت انتباه وتشنجات عصبية، وقدمي مشوهة ومهددة بالبتر بعد السقوط من علو مرتفع، ورقدت على إثرها في العناية المركزة وتعرضت لكسور بالقدمين وأتألم ولا أعرف النوم ليلاً من أوجاع ساقي اليُسرى التي أصبحت أقصر من اليُمنى، فيما باتت قدمي اليُسرى منتفخة وبحجم أكبر".
وأضافت: "أنا الطفلة فاطمة التي أظهر بالفيديو الذي ما زال يُخفي الكثير من الأوجاع والآلام بين طياته، والتي لا يُمكن إبرازها عبر فيديو قصير؛ لأن حجم المعاناة في الواقع أصعب بكثير مما يخاله الكثيرون؛ حيث تُعاني أيضاً شقيقتي جودي من شلل دماغي كامل".
وأشارت فاطمة في رسالتها على فيسبوك إلى أنها تعرضت لإهمال طبي فاضح وخطير قد يؤدي إلى بتر قدمها.
وناشدت فاطمة في رسالتها "أصحاب القلوب الرحيمة الذين لا تعلم شمائلهم ما أنفقت أيمانهم؛ لتوفير تكاليف رحلة علاجي المالية بالخارج باهظة الثمن".