قائمة الموقع

ناصر أبو حميد يهزم "الجدار الحديدي الصهيوني"

2022-12-21T19:43:00+02:00
والدة ناصر أبو حميد.jpg
بقلم/ حسن لافي

استُشهد الأسير ناصر أبو حميد داخل السجون الإسرائيلية بسبب سياسة الإهمال الطبي الممنهج التي تمارسها إدارة السجون الإسرائيلية، المدعومة بحقد دفين وعنصرية منقطعة النظير من مجتمع صهيوني فاشي ينظر إلى كل فلسطيني على أنه خطر وجودي على بقاء كيانه المصطنع.

هذا الأمر يفرض على الجميع؛ على الفلسطيني والعربي والإنساني، فتح ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإبراز بشاعة النظرة الصهيونية إلى هؤلاء الأسرى؛ أصحاب الفعل الفلسطيني المتقدم في مقارعة الاحتلال وهدم نظرية الجدار الحديدي؛ المرتكز الرئيس الذي بنت عليه "إسرائيل" عقيدتها العسكرية التي تدعو إلى بناء جدار في عقل الفلسطيني بعدم قدرته على هزيمتها وعدم جدوى مقاومتها. لذلك، يجب القبول فلسطينياً وعربياً بالاحتلال والاعتراف به!

مسيرة الشهيد ناصر أبو حميد وأسرته المناضلة هي إثبات قاطع ودليل حقيقي على أن الفلسطيني، مهما تعرَّض للمحن والسياسات الاحتلالية الإجرامية، لا يستسلم ولا ينحني.

قاوم ناصر الاحتلال منذ نعومة أظفاره، واعتُقل للمرة الأولى عندما كان عمره 11 عاماً فقط، واستمر في مسيرته النضالية في الانتفاضة الأولى عام 1987، وكان أبرز قياداتها العسكرية. وقد اعتقل في إثر ذلك عام 1990، وحُكم بالمؤبد 9 مرات، وهُدم منزله.

ولم تنتهِ مسيرة أسرة أبو حميد باعتقال ناصر، فقد استُشهد أخوه عبد المنعم الملقب بـ"صائد الشاباك" عام 1994، بعد اغتياله ضابط شاباك كبيراً، لتسطر تلك الأسرة محطة أخرى في مسيرة نضالها الطويلة.

تم إطلاق سراح ناصر أبو حميد عام 1995 بعد اتفاقيات أوسلو، ولكنَّه واصل قتاله ضد الاحتلال، وتم اعتقاله بعد أقل من عام على إطلاق سراحه، وبقي في الأسر لمدة 3 سنوات، ثم أطلق سراحه قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التي شكَّلت منعطفاً جديداً في مسيرته النضالية ومسيرة أسرته.

مع اندلاع الانتفاضة، شرع ناصر أبو حميد في تأسيس كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية، وشارك في عمليات عسكرية أسفرت عن مقتل 7 من المستوطنين والجنود الصهاينة، ناهيك بأنّه سجل في تاريخه النضالي أنه أول من أطلق قذيفة هاون على مستوطنة في الضفة الغربية.

وبعد اجتياح "الجيش" الإسرائيلي مدن الضفة الغربية عام 2002، وبعملية خاصة، تم اعتقال ناصر أبو حميد مجدداً، وحُكم عليه بالسجن 7 مؤبدات و50 عاماً، ولكن في هذا الاعتقال الذي امتدّ على مدار 19 عاماً من الأسر، رافقه كلٌ من إخوانه نصر ومحمد وشريف، وحكم عليهم جميعاً بالمؤبدات.

عام 2019، انضم أخوهم إسلام أبو حميد إلى قائمة الشرف الوطني، وحُكم عليه بالمؤبد بعد قتله جندياً من الوحدة الخاصة (دودوفان) في "الجيش" الإسرائيلي، لتسجل أم ناصر أبو حميد أنها الأم الفلسطينية الأولى التي لديها 5 من الأبناء المحكومين بالمؤبد داخل السجون الإسرائيلية وابن شهيد، والتي هدم بيتها 5 مرات في فترات متفاوتة.

بعد هذه الإطلالة السريعة على تاريخ ناصر أبو حميد وأسرته، من المنطقي أن تعتبر المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية اغتيال نموذج ناصر أبو حميد ضرورة لحفظ أمنها القومي، فمع وجود أبو حميد وأمثاله، أي جدار حديدي يمكن أن تروج له "إسرائيل وجيشها"، وخصوصاً في ضوء تنامي حالة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وظهور جيل شاب ينظر إلى ناصر وإخوانه من الأسرى كنماذج وطنية يحتذى بها في معركته المحتدمة مع الاحتلال!

وبالتالي، إنَّ سياسة القتل من خلال إهمال ناصر أبو حميد وإخوانه الأسرى صحياً داخل السجون الإسرائيلية، باتت تشكّل أخطر إستراتيجية إسرائيلية للتخلّص من النماذج المشرقة في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، الأمر الذي يتطلّب إستراتيجية وطنية فلسطينية مضادة في مواجهة الإجرام الإسرائيلي ضد أسرانا وأبطالنا خلف القضبان.

إنّ أهم مرتكزات تلك الإستراتيجية الفلسطينية تتمثّل في:

أولاً، تكثيف المقاومة الفلسطينية العمليات العسكرية الهادفة إلى إجبار الاحتلال على الذهاب إلى صفقات تبادل أسرى، الأمر الذي يؤدي إلى عدم إطالة فترات الاعتقال الأسرى الفلسطينيين، ومواجهة سياسة الإهمال الطبي الإسرائيلية، من خلال تحرير الأسرى المرضى مع كل صفقة تبادل.

ثانياً، تعزيز السلطة الفلسطينية والفصائل للحركة الأسيرة الفلسطينية كقيمة ورمزية وطنية من دون أدنى تفرقة حزبية أو فصائلية، وإبعادها عن أمراض الانقسام الفلسطيني، والتعامل مع كلّ الأسرى بلا تمييز، ضمن معايير واضحة وموضوعية كقيمة فلسطينية عليا فوق فصائلية.

ثالثاً، دعم الأسرى وإسنادهم شعبياً ومؤسساتياً في معركتهم اليومية مع إدارة سجون الاحتلال ومنظومته الأمنية والسياسية العنصرية، لتحسين معيشتهم وظروفهم الحياتية اليومية داخل المعتقلات لحين التحرير، وإبراز النماذج المشرقة من الأسرى الفلسطينيين، كنماذج وطنية نضالية تُقدَّم للجيل الشاب من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.

رابعاً، تفعيل قضيّة الأسرى كقضية وطنيّة وإنسانيّة أمام المجتمع الدولي والإقليمي، ومخاطبة الشعوب الحرة على المستوى الشعبي، ليس من أجل التباكي، ولكن من أجل شرعنة عمليات تحرير الأسرى كمخرج وحيد للفلسطيني أمام عنصرية الاحتلال الصهيوني وفاشيته.

تساهم الإستراتيجية الفلسطينية الوطنية تجاه قضية الأسرى في مواجهة نظرية الجدار الحديدي التي هزمها ناصر أبو حميد في حياته، وتحصين الشباب الفلسطيني من تداعياتها بعد استشهاده من جهة، ومن جهة أخرى تنفيذ وصيته الأخيرة الذي خاطب بها شعبه الفلسطيني قائلاً: "أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، ولكنني مُطمئن وواثق بأنني أولاً فلسطيني وأنا أفتخر، تاركاً خلفي شعباً عظيماً لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى".

اخبار ذات صلة