قائمة الموقع

"أغلقوا فم نتفليكس"، لماذا؟!

2022-12-23T16:09:00+02:00
نتفليكس.jpg
بقلم/ زهراء مهنا

بعد قائمة طويلة من عرضها للأعمال الفنية التي تبنت استعراض السردية والرؤيا الإسرائيلية، مثل «فوضى – Fauda» دراما خلف جدار الفن! ، والمسلسل الوثائقي «Inside the Mossad – داخل الموساد»، ومسلسل «When Heroes Fly – عندما يحلق الأبطال»، ومسلسل «the spy» الذي يتحدث عن الجاسوس الإسرائيلي في سورية «إيلي كوهين».

قدمت "نتفليكس" أخيراً وبتوقيتٍ لافتٍ جداً فيلماً لأول مرة يرفع شعار "القضية الفلسطينية".

عرضت نتفليكس فيلم "فرحة" الذي يلخص بـ 90 دقيقة فقط ممارسات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، أثناء النكبة الفلسطينية الممتدة من عام (1947-1949)م.

ورغم العنوان العريض لموضوع الفيلم "القضية الفلسطينية" إلا أن الكثير من إشارات الاستفهام تحوم حول خلفياته وخفاياه ومابين سطوره من حيث الإنتاج والمضمون!

فاللافت إضافةً إلى توقيت عرضه على "نتفليكس"، تشكيلة فريق العمل القائم على إنتاجه وإخراجه، فمخرجة الفيلم "دارين سلام" أردنية الجنسية، وكذلك فريق إنتاجها "ديمة عازر"، و "آية جرادنة" والمخرج "ويليام يوهانسين كالين"، سويدي الجنسية، وقد أُطلق الفيلم برعاية من الحكومة الأردنية بشكل كامل حيث رشّحت الأردن الفيلم لتمثيل المملكة رسميّاً فى الدورة الـ 95 لجوائز الأوسكار.

بماذا يختلف "فرحة" عن غيره من سرديات النكبة والاحتلال، حتى تختاره "نتفليكس"، وتتبناه الأردن، وتغضب عليه إسرائيل؟

المال لدى "نتفليكس" هو أولاً وأخيراً!

تعتبر "نتفليكس" في الحقيقة مؤسسة تجارية ربحية، توجد حيث يوجد المال، وتعمل لتسيطر بالمال.

ولأن علم "فلسطين" اليوم يلّون الشاشة العربية منذ التفاعلات الكبيرة التي حصدتها معركة سيف القدس على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، مازالت ترتفع وتيرة "الترند" مع كل مايتعلق بالقضية الفلسطينة، إلى أن جسّد مونديال كأس العالم التأييد العربي لفلسطين على أرض الواقع، فلم يكن أي علمٍ آخر حاضراً في أيادي وعلى صدور المشجعين واللاعبين العرب مثل علم فلسطين.

لهذا السبب لابد أن تصطبغ "نتفليكس" بألوان الموضة في الشارع العربي، أي "ألوان فلسطين"، لتستطيع أن تقول ما تريد لهذا الجمهور.

فأداء "نتفليكس" في الفترة الأخيرة يدل على أنها بدأت تبحث عن المال بطرق مختلفة، حيث أعلنت عن عروضات جديدة واشتراكات مخفضة وباقات مميزة لكسب المزيد من المتابعين.

كذلك ذكر موقع (cnn) بالعربية، عن خطة "نتفليكس" الجديدة والمغرية لمجتمع الإعلانات، من أجل كسب المزيد من العملاء على المنصة.

فقد ذكر تقرير لموقع (BBC) بالعربية، أن نتفليكس فقدت ما يقرب مليون مشترك في الفترة ما بين نيسان/ أبريل، وتموز/يوليو، بسبب تزايد وتيرة المشتركين الذين يتركون خدمتها.

وبحسب التقرير أيضاً، فإن مهمة "نتفليكس" لتعويض خسارتها حالياً هو التأكد من أن لديها مواد قوية ليراها الناس، والسعي للوصول إلى جمهور عريض بشكل متزايد.

أما المملكة الأرنية فهي بحاجة أيضاً في هذا التوقيت للهتاف مع الجماهير العربية للقضية الفلسطينية، نظراً للجغرافية المتلاصقة مع الأراضي المحتلة فلا بد أن يرتد أثر الأحداث التي تجري في الداخل المحتل، كالضفة الغربية ونابلس وجنين ومنطقة الغور، على الساحة الأردنية.

وكذلك، كان لابد للمملكة من خطة لتخفيف الاحتقان الشعبي بعد أن وقّعت مذكرة تفاهم جديدة مع إسرائيل تحت عنوان "اتفاق للمياه مقابل الطاقة"، وبرعاية إماراتية خاصة.

هل خسرت "نتفليكس" إسرائيل مقابل الفيلم؟!

في خضم الكثير من أعمال الدراما والسرديات التي غصت بقصص ورويات النكبة والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لا يستطيع المشاهد لفيلم "فرحة" أن يرى بوضوح مشهداً فريداً يستفز إسرائيل، بل عدا عن كونه متواضعاً جداً في تشخيص حجم واقع آثار النكبة، فهناك الكثير من اللقطات في الفيلم والمشاهد التي يركز عليها تصب في مسار شعارات منظمات السيطرة الاجتماعية بالقوة الناعمة (NGOs)

أولاً: ابتدأ الفيلم بعرض مشهد يوثق حالة الجهل الموجودة في المجتمع الريفي في قرى فلسطين من خلال عرض ظاهرة التمييز بين الذكور والإناث، كوجود مدرسة للذكور فقط في القرية، ولا مكان للفتيات الراغبات في التعليم.

ثانياً: حين عرض الفيلم أول مشهد لتواجد الاحتلال، كان ذلك من خلال عربة لجنود الاحتلال تمر من جانب الأطفال الفلسطينيين، فيسارع الأطفال لرشقها بالحجارة وإظهار العداء والكراهية لجنود الاحتلال دون أي رد فعل من قبل الجنود.

ثالثاً: يركز الفيلم على ظاهرة اضطهاد المرأة في مجتمع القرية الفلسطينية، واستخدام الدين وسيلة للتسلط، وهذا يذكرنا بشعارات "النسوية" التي تُضخم حالات اضطهاد حقوق المرأة في المجتمع العربي لتستطيع أن تقدم بديلها المنحرف الذي لا يبقي للمرأة وجود أصلاً.

ثالثاً: يُظهر الفيلم صورة الجندي الإسرائيلي بأنه جاء لينفذ عملاً عسكرياً فقط ومضطراً للضرب بيد من حديد.

فبحسب الفيلم، الاحتلال يداهم المنزل الذي يخرج منه السلاح دون غيره، وفي ذلك رسالة للمشاهد بأن الذي يتخذ خيار المواجهة ويخبئ السلاح في فناء بيته هو الذي يورط عائلته وجيرانه وأهل حيه في المشاكل ويجلب لهم الدمار.

رابعاً: تركيز الفيلم على فكرة أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تم بمساعدة الفلسطينيين أنفسهم، من خلال وجود شخصية ملثمة في الفيلم تقوم بدور المترجم وهي على صلة بـ"فرحة" وتعرف مخبأها، وهذه الشخصية تستطيع أن تمون على الجنود الإسرائيليين وتتصرف بأريحيتها معهم.

خامساً: يستغرق الفيلم وقتاً طويلاً في عرضه يوميات "فرحة" وهي حبيسة غرفة "المونة" بسبب والدها الثوري الذي تركها في مكان بارد ومظلم خوفاً عليها من اللحاق به لمواجهة الاحتلال دون أن يترك لها مفتاح الغرفة.

سادساً: يعرض الفيلم مشهداً مثيراً للعواطف لأحد الجنود الإسرائيليين حينما فكر بدهس الطفل الفلسطيني حديث الولادة، ولكنه في لحظة إنسانية راجع نفسه وأصابته الشفقة فأزاح قدمه عن وجه الطفل وتركه على قيد الحياة، من ثم اختفى صوت الطفل لأن "فرحة" المحبوسة من قبل والدها لم تستطع الخروج في الوقت المناسب لإنقاذه، لا لأن الجيش الإسرائيلي قتل عائلته التي صور الفيلم إثمها بأنها اختبأت في منزلٍ خرج منه السلاح.

إن كل تلك المآخذ على فيلم "فرحة" لا يعني أن المجتمع الفلسطيني كان يعيش بالمدينة الفاضلة قبل الاحتلال ولكن يعني أن الفيلم لا يحمل مضمون الإنصاف للفلسطينيين ونصرة القضية الفلسطينية كما رُوج له، بل عمل الفيلم بين خفاياه في اللاوعي على تبرير وجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وجعله أكثر منطقيةً وقبولاً من الفلسطيني صاحب الأرض.

الغضب الإسرائيلي على نتفليكس.

شُنت حملة واسعة رسمياً ومدنياً على "نتفليكس" بعد عرضها فيلم "فرحة"، ودعت وسائل الإعلام الإسرائيلي لحملة مقاطعة واسعة لمنصة "نتفليكس" بحسب موقع "والاه العبري" الذي اتهم الفيلم بمعاداة السامية.

فلماذا استفزّت "نتفليكس" الإسرائيليين بعرضها للفيلم؟!

وإن كان الفيلم ليس مؤذياً بصورته العامة لصورة إسرائيل، وبعيداً عن واقع النكبة الحقيقي ومآسيه التاريخية المحفورة في الذاكرة الفلسطينية إلا أن العقل الإسرائيلي لا يتقبل من "نتفليكس" أن تبدأ تفكر بكسب المال من خلال رفع شعارات يكره سمعاها، ويرى أن عليه رفع صوت الاعتراض عالياً ليتدارك الأمر قبل أن يجرّ طمع "نتفليكس" بالمال للتمادي أكثر.

خصوصاً أن إسرائيل بدأت تشعرمؤخراً بنوع من "أزمة الثقة"، فهي تجد الرياح تعصب بها من أكثر الأماكن دفئاً.

حيث كانت قد تعرضت إسرائيل من قبل لتهديدٍ من باب الترفيه الذي تراه الباب الأوسع لها من أجل تسويق وجودها ونظرياتها والوصول إلى التطبيع مع شعوب المنطقة والعالم.

فقد تفاجأت إسرائيل من قبل باختراق فني لأغنية جوليا بطرس الشهيرة "عاب مجدك" والتي تمجد فيها انتصارات حزب الله على إسرائيل، وذلك بسبب بثّ الأغنية خلال مهرجان "بطوفنا" الذي أُقيم برعاية إسرائيلية في مطلع شهر تموز الماضي في قرية عرابة البطوف في الجليل.

لتتبعها الأحداث التي جرت في مونديال كأس العالم، والتي تم فيها طرد واستهجان وسائل الإعلام الإسرائيلية التي كانت متواجدة هناك من قبل الشعوب العربية، وشعوب الدول التي تعتبر إسرائيل على علاقة حميمة مع حكامها كالسعودية وقطر والمغرب.

"الهولوكست" الدُّملة الملتهبة التي تثير سخط إسرائيل!

تعتبر حادثة المحرقة اليهودية المعروفة بـ "الهولوكست" بمثابة الصندوق الأسود الذي تمنع إسرائيل والقيادات الغربية الداعمة لها أي أحد من الاقتراب منه بشيء من التساؤل أو التحقيق أو تشبيهه بحوادث تاريخية أخرى في العالم.

وهذا سبب آخر وراء انتفاض إسرائيل في وجه "نتفليكس"، فحين انتقد وزير الثقافة الإسرائيلي، "تشيلي تروبر"، الفيلم، قال أنه "يتضمن حبكات خاطئة ضد القوات الإسرائيلية، ويقارن مذبحة عائلة واحدة بأفعال النازيين في محرقة اليهود، وهذا شيء مريع".

فقد أوضحت مخرجة الفيلم "دارين سلام" أنها تجد تشابهات بين البطلة "فرحة" واليهودية "آن فرانك" التي اختبأت من النازيين في القبو، ولكنها في النهاية صرّحت بقولها أنها "لم تهدف إلى التلميح إليها".

وأنيليس ماري "آن" فرانك بحسب موقع (About Holocost) هي كاتبة يهودية نسبت إليها كتاباتها بعد موتها، من خلال مذكراتها في السنتين اللتين قضتهما مع عائلتها مختبئين في أمستردام بعد مداهمة النازيين منزلهم.

الخلاصة

لا يمكن اعتبار فيلم "فرحة" فيلماً داعماً للقضية الفلسطينية وانضمامه إلى ساحة التأييد العربية التي تتسع يوماً بعد يوم، فهو يجعل المشاهد في نهاية الفيلم يلقي باللوم على الفلسطينيين، ولا يجعله يغوص حقيقةً في عمق الذاكرة الفلسطينية ليكتشف ما جرى حقيقةً أيام النكبة.

ومنصة "نتفليكس" وإن كانت غايتها كسب المال من أي عرض تقدمه، ولكنها لا تعطي عملاً فنياً خالصاً من شوائب الحرب الناعمة، فهي أداة للسيطرة أيضاً ولا تستطيع أن تطبخ الحبكة بدون توابل القوة الناعمة.

وهذا الفيلم "فرحة" بدلاً من أن يحصد التأييد العربي بدون تمحيص له، عليه أن يستفز الذاكرة العربية ويستنهضها لتوثيق تاريخ المنطقة العربية بشكل عام والتاريخ الفلسطيني بشكل خاص، فالذاكرة التي لا توثق تُمحى، وربما يأتي يوم يخترع العدو للأجيال سرديات لا تمتّ للواقع بصلة.

اخبار ذات صلة