شيخ جليل تعددت ألقابه، وارتقى في المجد محرابه، وفتحت في الخلد أبوابه. كان يوسفي الاسم، وحمزة اللقب، وشيخ الجهاد الذي أنجبته قباطية في اليوم الأخير من ديسمبر عام 1962، ذلك الشهر الشاهد بعد أربعين عاماً على نهاية رجل شجاع.
تلقى الشيخ حمزة، تعليمه في مدارس بلدته، لكنه لم يكمل، فقد سعى نحو أهله وعياله. تعلق قلبه بالمسجد القديم، وحصل على السند المتصل، وأتقن القراءات السبع، فكان قرآنياً في تلاوته، كما كان قرآنياً في بطولاته. يدعو إلى الله، ويؤم الناس، ويؤذن فيهم للصلاة والقتال، ورياضياً يدرب الفتية على "المصارعة"، فكان مؤمناً قوياً ملتزماً بالإسلام والجهاد وفلسطين.
كان "أبو إسلام" من الرعيل الأول لحركة الجهاد الإسلامي في جنين، ومن السابقين في انتفاضة الحجارة عام 1987، حيث أصيب في صدره، فلم يثنه الرصاص عن الطريق. وكان من مجاهدي مجموعات "عشاق الشهادة" بقيادة الشهيد القائد المؤسس عصام براهمة عام 1991م.
تعرض للاعتقال ست سنوات في سجون الاحتلال، فكان يوسفي السجن، جعل من المحنة منحة، يعلَّم فيها إخوانه القراَن حكماً وفهماً وعلماً.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى 2000م، قرر القائد أن يكون له سهماً في ركب سرايا القدس، رغم مطالبة إخوانه بالعمل في ميادين أخرى، إلا أنه أصر، إصرار ذوي العزم، فكان له حظ عظيم.
كان رفيقاً في السجن والمقاومة للمهندس الشهيد إياد صوالحة، واشترك معه في إعداد وتجهيز العمليات البطولية، حيث قام الشيخ حمزة بالتخطيط والتنفيذ لعملية تفجيرية استهدفت مكتباً لمستوطنة شمال بلدة يعبد، وأصابت هدفها بدقة.
كان فارسنا من أهم قادة سرايا القدس في جنين، ومن المطلوبين الأوائل لقوات الاحتلال التي قامت في 28 سبتمبر 2002م، بهدم بيته المكون من طابقين على محتوياته وتشريد أسرته، وبعد سنة ونصف من المطاردة عن الكابوس الذي أزعجهم، كانت ليلته الأخيرة التي لا تنسى.
يوم الخميس، السادس والعشرين من ديسمبر عام 2002، كان شتاءً قاسياً، مطر ينهمر بغزارة، وعواصف هوجاء، فيما السماء محمرة. العدو يحاصر المنزل الذي تواجد فيه ويطالبه بالاستسلام، وهيهات منه ذلك، فقد اَثر مصارع الكرام على الخضوع والاستسلام. يسير بهدوء، ويتحدث بهدوء، كأنه قطرات ماء تتنزل على الورود، صامتٌ لو تكلما لفظ النار والدما قل لمن عاب صمته خلق الحزم أبكما.
عبَّأ بندقيته، وتجهز للشهادة، كما كان دائماً، فصلى الفجر، وأبعد أهله عن الخطر، وحط رحاله الأخير بين زخات الرصاص، يقاتل وحده، ساعات من الاشتباك، يقاتل حتى اَخر طلقة، اَخر قنبلة، اَخر قطرة دم، اَخر رمق، حتى ظهر الصباح ناعياً شهيد الجهاد الفذ.
وقبل أن يجف دمه في الشمال، كان ثأره في الجنوب، أحمد الفقيه ومصطفى شاهين، يقتحمان مستوطنة "عتنائيل" جنوب الخليل، يوقعان أربعة قتلى وعديد الإصابات في صفوف القتلة المجرمين.
كان صوت القسام يأتيك من بعيد، وبراهمة يرافق رحلتك، وصوالحة يتجهز لاستقبالك، فتلبي النداء وترسل الاستشهاديين إلى حيفا وأم الفحم وباقي فلسطين. لقد وقفت صامداً طوال أربعين عاماً، حتى بلغت كامل مرادك، شهيداً يشرق من ليل الهزيمة، لا انحناء، ولا انقياد، ولا استسلام.