قائمة الموقع

خبر (تقرير 2) من قلب الكيان الصهيوني.. ماهي الأسباب التى جعلت من "إسرائيل" أمة للشركات الناشئة؟!

2015-04-06T18:23:42+03:00

"إسرائيل" منذ نشأتها وهى حالة مختلفة تستحق الدراسة، بالنظر إلى نشأتها المصطنعة في بيئة عدائية، كمحتلة للأراضي الفلسطينية، وانخراط جميع مواطنيها في جيش الدفاع، فضلاً عن كونها بوتقة لصهر ملايين المهاجرين من جنسيات وعرقيات مختلفة..

وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد الإسرائيلي، لتصبح إسرائيل إحدى أكثر المناطق التجارية سخونة في العالم.

في الجزء الأول من المقال تحدثت عن الشركات الناشئة ودورها الفعّال في الاقتصاد الإسرائيلي..

والآن نستكمل حديثنا عن كتاب “Start-up Nation: The Story of Israel’s Economic Miracle”، حيث كشف مستشار السياسة الخارجية السابق لدى الحكومة الأمريكية دانيل سنور، والمحرر الصحفي الإسرائيلي ساول سينجر في كتابهما المشترك، أهم الأسباب التى جعلت الشركات الناشئة معجزة الاقتصاد الإسرائيلي، وهى كالتالي:

المعتقد الديني والحلم الصهيوني

تقوم الهوية الإسرائيلية على عنصرين هما (المعتقد الديني اليهودي، و الحلم الصهيوني)، حيث أن المعتقد اليهودي يشجع الإيمان بالتطور و المسؤولية الشخصية، ويقوم على التعلم و ليس على المناسك..

فضلاً عن أن الحلم الصهيوني قائم على فكرة أن إسرائيل لم تؤسس من أجل أن يجلس اليهود الضالون وسط آلاف الفلسطينيين الغاضبين في الخليل، ولكن لتكون مكاناً آمناً ليجتمع اليهود معاً ليبدعوا أشياء جديدة للعالم.

لذلك نجد أن بنيامين نتينياهو يروج دائماً لفكرة أن إسرائيل ستصبح هونج كونج الشرق الأوسط، مع وجود منافع اقتصادية تمتد إلى جميع أنحاء العالم العربي.

الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي

لن يأتي التقدم من دون علم، لذلك تكمُن قوة نظام التعليمي الإسرائيلي في تركيز الجامعات الإسرائيلية على الشراكة مع نظيراتها الدولية، في مجالات النانو تكنولوجي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والهندسة الوراثية وتطبيقات الحاسب الآلي..

بالإضافة لظهور ثلاث جامعات إسرائيلية في قائمة أفضل ١٠٠ جامعة في العالم وهم (الجامعة العبرية في القدس، ومعهد التكنولوجيا (التخنيون)، ومعهد وايزمان)، وكما يصل المجموع إلى ست جامعات في قائمة ٥٠٠ الجامعة الأفضل في العالم، كما أن نسبة الحاصلين على شهادة جامعية من الإسرائيليين هي 45%.

فبحسب إحصائيات اليونسكو لعام 2008م، تنفق إسرائيل على البحث العلمي ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعةً، اذ يبلغ 9 مليار دولار، كما تنفق ما نسبته 4.7% من الناتج القومي ما يمثل أعلى نسبة إنفاق في العالم كله، فيما تنفق الدول العربية 0.2% من دخلها القومي.

ولعل هذا ما يفسر السبب فى أنه ما بين الأعوام 1980م و 2000م سجلت مصر 77 براءة اختراع و سجل السعوديون 171 براءة اختراع في الولايات المتحدة. ولكن إسرائيل سجلت 7652 براءة اختراع!

الهجرة إلى الداخل وطبيعة المهاجرين

نشأة إسرائيل المعتمدة على المهاجرين من شتى دول العالم، كانت إحدى عوامل النجاح الاقتصادي لديهم؛ فقديماً (تحديداً عام 1948م) كان عدد سكان إسرائيل 800.000 نسمة، ولكي تقوم دولة اقتصادية وعسكرية، لا بد من زيادة عدد سكانها من المواطنين اليهود، فسمحوا بالهجرة إلى داخل إسرائيل (من أصحاب الاختصاص والخبرة من الهند وأثيوبيا وروسيا)، حتى وصل عدد سكان إسرائيل إلى 8 مليون، ينتمون لأكثر من 70 دولة.

وخلال الفترة من عام 1990م الى عام 2000م هاجر أكثر من 800.000 روسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل، معظمهم مبدعون ومن حملة الدكتوراة خصوصاً في الطب والرياضيات والفيزياء، ويتميزون بالمخاطرة، وهو ما تتطلبه ريادة الأعمال.

دعم المشروعات الصغيرة

حرصت إسرائيل على دعم المشروعات الصغيرة، وتزويد أصحابها بالبحوث التطويرية لأعمالهم في مجال التكنولوجيا، والتي تعتبرها إحدى مشاريع البنية التحتية، وذلك من خلال توفير باحثي العلم والمهندسين المختصين بهدف إنجاح هذه المشروعات وتصدير منتجاتها للخارج، حيث تميزت هذه الأعمال بالابتكار في زمن انعدام الابتكار في الولايات المتحدة الأمريكية.

تُعدّ إسرائيل عاصمة ثانية للتكنولوجيا العالمية بعد الولايات المتحدة، وهناك العديد من الأمثلة على الابتكارات الإسرائيلية، فتكنولوجيا الهاتف المحمول تم تطويرها في مركز شركة “موتورولا” البحثي في إسرائيل..

كما طورت مايكروسوفت نظام تشغيل ويندوز NT بالكامل في فرعها الإقليمي هناك، وتم تطوير تكنولوجيا البريد الصوتي Voice mail  في إسرائيل، وصنّعت إسرائيل طائرة تجسس صغيرة، وسيارة تعمل بالطاقة الشمسية، كما صُنع الطبق الشمسي الأكبر في العالم في مركز “بن جوريون” الوطني للطاقة الشمسية.

التحول إلى التكنولوجيا بدلاً من السياسة

إن معظم اليهود قد تخلوا أو أُجبروا على التخلي عن الزراعة في العصور الوسطى؛ وقد عاش أحفادهم معتمدين على ذكائهم منذ ذلك الوقت، فقد هاجروا في كثير من الأحيان بطموح و دافع المهاجر، وقد تجمعوا حول مناطق التقاطعات العالمية، و استفادوا من التوتر المستمر و الموجود في مثل هذه الأماكن.

والأمر المتناقض هنا هو أن إسرائيل لم تكن أقوى عندما كان اليهود في الشتات بحالة قوة كبيرة، وعوضًا عن البحث و التجارة، فقد أُجبر الإسرائيليون على تكريس طاقاتهم من أجل القتال و السياسة.

ولكن هذا الأمر تغير بعد إصلاحات بنيامين نتينياهو الاقتصادية، ووصول ملايين المهاجرين الروس، وحالة الركود في عملية السلام قد أدت إلى حصول تحول تاريخي، فمعظم الإسرائيليين الأكثر دهاء قد تحولوا إلى التجارة و التكنولوجيا و ليس إلى السياسة، وقد كان لهذا أثر مفكك على الحياة العامة لإسرائيل، ولكن كان هناك في المقابل أثر تنشيطي على اقتصادها.

فتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي

التسهيل على المستثمر الأجنبي مهم، ويلعب دورًا رئيسيًا في اقتصاد الدول، شركة Cisco العملاقة افتتحت مركزًا للأبحاث والتطوير في إسرائيل مع 700 موظف، وبعدها استثمرت في 10 شركات إسرائيلية صغيرة قائمة في مجال التكنولوجيا بمقدار 1.2 مليار دولار..

وفي سنة 2008 استقطبت إسرائيل ما يقارب ملياري دولار بين مستثمرين وشركات عالمية، حتى تجاوزت معدل المتوسط للاستثمارات الأجنبية في بريطانية وألمانيا في ذلك الوقت.

ويمثل قطاع الشركات الناشئة التقنية كمغناطيس جاذب للأموال والخبرات العالمية والأمريكية، لاسيما من كبرى الشركات التقنية العالمية، مثل آبل وإنتل وجوجل وغيرها، حيث لديها فروع ومكاتب أبحاث وتطوير في إسرائيل.

هل تعلم أن الممثل الهوليوودي اللامع، ليوناردو دي كابريو، هو مستثمر في Mobli، وهو موقع إسرائيلي منشأ للتشارك الاجتماعي النقال للصور والفيديو!

وفيما يتعلق بمعدل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع التكنولوجي في إسرائيل فإنه يفوق بحوالي 30 ضعف نظيره في جميع الدول الأوروبية، بينما وصل معدل الاستثمار المحلي المدني في القطاع التكنولوجي إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي..

وهو أعلى معدل للاستثمار المدني في العالم لاسيما إذا ما ذكرنا أن معدل الاستثمار المدني في القطاع التكنولوجي لا يتعدى 3.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان و2.7% في الولايات المتحدة الأمريكية.

انعكس ذلك التطور المتصاعد للمجال التكنولوجي على معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي الذي بدأ في التصاعد منذ عام 2000م ليصل إلى 7.5% وباستثناء عام 2002م الذي انخفض فيه معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 1.3% تحت تأثير انتفاضة الأقصى الفلسطينية، فإن المعدل لم ينخفض عن 4% بين عامي 2004م و 2007م حتى مع بداية الأزمة المالية العالمية التي أثرت سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي كغيره من الاقتصادات العالمية .

وفرة رأس المال المخاطر

يوجد أكثر من 3800 شركة حديثة مبتكرة وصاعدة في إسرائيل، ويرجع الكتاب ذلك إلى وفرة رأس المال المخاطر/ الجريء Venture Capital، فقد استثمر هذا النوع من المستثمرين في إسرائيل خلال عام 2008م فقط أكثر من 2 مليار دولار، وهذا رقم يفوق ما تم استثماره في بريطانيا، أو في فرنسا وألمانيا معاً.

كما تحتل إسرائيل المرتبة الأولى على مستوى العالم (طبقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2012م) من حيث نسبة وفرة الـ Venture Capital التي اجتذبتها مشروعاتها الى إجمالي الناتج المحلي في الفترة من عام 1988م الى 2001م.

هل تعلم أن عدد شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المسجلة في بورصة الناسداك أكثر من أي بلد آخر (أكبر من عدد الشركات الأوروبية، الصينية و الهندية معاً)، ماعدا الولايات المتحدة والصين. ففي عام 2009م تصاعد عدد الشركات الإسرائيلية المسجلة في مؤشر الصناعات التكنولوجية الأمريكي ناسداك NASDAC إلى حوالي 65 شركة، وهو أعلى عدد للشركات الأجنبية في المؤشر بالمقارنة مع حوالي 45 شركة كندية، و6 شركات يابانية، و5 شركات بريطانية، و3 شركات هندية.

مبادرات حكومية لدعم الشركات الناشئة

أنشأت الحكومة الإسرائيلية برنامجاً لتمويل الشركات الناشئة يُدعى (يوزما) وهو يعني بالعبرية (مبادرة)، برأس مال 100 مليون دولار في سنة 1992م؛ لإنشاء 10 صناديق استثمارية لتأسيس شركات محلية بمشاركة مستثمرين آخرين من الخارج.

وكل صندوق يتكون من ثلاث جهات، مستثمرين مخاطرين إسرائيليين متدربين (الهدف تعليمهم الحرفة)، شركة استثمار مخاطر أجنبية، وشركة استثمارية تقليدية أو بنك إسرائيلي، وعلى جميع هؤلاء المستثمرين توفير 16 مليون دولار كرأس مال للصندوق الاستثماري، وبالمقابل يقوم برنامج (يوزما) بإضافة 8 مليون دولار للصندوق.

وكان صندوق Gemini Israel هو أول صندوق استثماري يؤسس عن طريق برنامج يوزما، وكانت أولى استثماراته في شركة (أورنا بيري)، حيث تم استثمار مليون دولار في عام 1993م. تم بيع الشركة في عام 1995م، وحقق جميع المستثمرين ربحاً كبيراً من هذه الصفقة وصل إلى ثلاثة أضعاف المبلغ الذي استثمروه خلال عامين فقط.

وسبب تهافت المستثمرين على هذا البرنامج، هو أن البرنامج ينسحب تماماً من الصندوق في حالة نجاحه، فبإمكان الشركات الاستثمارية شراء أسهم الصندوق بنفس السعر الأصلي، وبهذه الطريقة تعود جميع الأرباح للمستثمرين فقط، وتخرج الحكومة من الصورة.

وفي خلال 5 سنوات حتى سنة 1997م أسست 10 شركات، استطاعت جمع استثمارات بلغت 200 مليون دولار، وبعد هذه الخطوة وصلت الشركات المحلية إلى 240 شركة حتى سنة 2009م، واليوم تدير هذه الصناديق رأس مال بلغ 3 مليار دولار، وتقوم بدعم مئات الشركات الناشئة في إسرائيل.

المقاطعة الاقتصادية والعزلة بين جيرانها

يقول يوسي فاردي والذي يعد من أبرز شخصيات صناعة التكنولوجيا العالية الإسرائيلية: “إن الأبوين الحقيقين للتقنية الإسرائيلية المتطورة هما: المقاطعة العربية وشارل ديجول، لأنهما فرضا علينا الحاجة لتطوير الصناعة”. وقد أكد المؤلفان هذا المعنى عندما ذكرا مقولة لأحد الإسرائيليين يقول فيها: “كلما حاولت حبسي، كلما سأثبت لك أني قادر على الخروج وتخطي حواجزك”.

فيشير مؤلفى الكتاب إلى أن وجود إسرائيل وسط بحيرة من العرب الذين يقاطعونها اقتصادياً كان له بالإضافة إلى الآثار السلبية العديدة آثاراً أخرى إيجابية على الاقتصاد الإسرائيلي؛ فقد أجبرهم ذلك على تسويق منتجاتهم خارجياً، مما جعلهم يركزون على القطاع التقني الحديث ومنتجاته الرقمية، والتى يسهل تسويقها في الأسواق البعيدة وشحنها بسهولة، لذا لم تقتصر على الاتجاه للأسواق الأمريكية والأوروبية فحسب بل اتجهت كذلك للصين.

الجدل والمثابرة والمناظرات الحامية

لدى الإسرائليين صفة غريبة ساهمت فى نمو الشركات لديهم، وهى (خوتزبه)، أى (الوقاحة) بالعربية، وهو مبدأ منتشر في الثقافة الإسرائيلية، ويعتبرونه طريقة حياة، ويقصد به المثابرة والجدل وتحدي كل من الرؤساء، ومواجهة الموظفين للمدراء، وعدم قبول آرائهم إن كان فيها خلل أو خطأ.

حيث أن المناظرات الحامية هي أفضل وسيلة لديهم لحل المشاكل، وذلك في أي مكان سواء في المنزل أو في المدرسة أو فى العمل وحتى في الجيش، غير مهتمين برتب الضباط وقادة الجيش، أو حتى العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، حتى إن الجنود أجبروا قائداً عسكرياً على التنحي بسبب أخطائه.

حيث يستطيع أي جندي في الجيش الإسرائيلي أن يجادل من هم أعلى منه رتبة، كما يمتلك صلاحية كبيرة للتصرف في أوقات الأزمات، دون انتظار الأوامر من الرتبة الأعلى، هذه الصلاحية جعلت كل جندي إسرائيلي ينهي خدمته الإلزامية، ويعود إلى حياته المدنية متمتعاً بحس المبادرة والمخاطر، وهو ما تحتاجه الشركات الناشئة.

وهناك العديد من الأمثلة التى أوردها المؤلفان للتدليل على تمكن الإسرائيليين عبر (خوتزبه) من تسويق أفكارهم وإقناع الممولين بها، ففي فرع  Intel-إنتل في إسرائيل قام فريق من المهندسين الإسرائيليين بابتكار تصميمًا جديدًا لـ Centrino رقاقة المعالج للمعلومات، تميزت هذه الرقاقة بصغر حجمها، وانخفاض حرارتها عند التشغيل وسرعتها، وعرضه على الشركة الأم المتخصصة في أجهزة الكمبيوتر العالمية، والتى رفضت بدورها الفكرة، لكن الفريق الإسرائيلي استمر في الجدال والمثابرة لإقناع رؤساء الشركة بالفكرة، وبالفعل تم إنتاج المعالج وحقق أرباحاً عالية، واليوم يشكل حوالي 50% من إيرادات شركة Intel.

كل هذا بينما نحن العرب مشغولون بالأحاديث النظرية والصراعات الإيديولوجية العقيمة، فنجد أن الكثيرين من أصحاب العقول المُغلقة يفسرونها بأنها مؤامرة على العرب والمسلمين، بدلاً من الاعتراف بأنها خطة لتحقيق رؤية مُستقبلية، واستراتيجية بناء وتطوير.

وهنا يوجد سؤال يطرح نفسه، «هل تتوقع أننا -نحن العرب- لا نستطيع تحقيق تلك الإنجازات؟ ولماذا؟».. أترك لكم الإجابة..

إعداد وتقرير: شيماء جابر

اخبار ذات صلة