يترقب الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني موعد الافراج عن الأسير كريم يونس من سجون الاحتلال بعد اعتقال دام 40 عامًا لتقديم التهاني والتبريكات لهذا الرجل الذي أفنى حياته كاملة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وتستعد عائلة الأسير كريم يونس (66 عاما) تستعد لاستقبال ابنها الأسير بعد قضاء 40 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلية، ومن المقرر أن يتحرر الأسير كريم يونس من سجون الاحتلال الإسرائيلية بتاريخ 6-1-2023.
واعتُقل كريم يونس، يوم 6 كانون الثاني/ يناير 1983، وفرضت عليه قوات الاحتلال الحبس المؤبد الذي حدّد فيما بعد بـ40 عاما، وكان يفترض أن يُفرج عنه ضمن الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع "إسرائيل"، والتي تقضي بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل اتفاقيات أوسلو، ولكن حكومة الاحتلال تنصلت من الإفراج عن الدفعة الرابعة والتي كانت تتضمن 30 أسيرا منهم 14 أسيرا من لأراضي 48 وهم الأقدم في سجون الاحتلال.
من هو كريم يونس؟
ولد كريم يونس في قرية عارة في أراضي 48، يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر 1956، ودرس المرحلتين الابتدائية والإعدادية فيها، ثم انتقل للناصرة لدراسة الثانوية العامة، واعتُقل خلال دراسته في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع.
عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس
ويقبع الأسير كريم يونس في سجن "هداريم"، إذ اعتقل في الـ23 من العمر بزعم اختطاف وقتل جندي إسرائيلي والانتماء لحركة فتح والانخراط بالمقاومة المسلحة، يوم 6 كانون الثاني/ يناير 1983.
واعتُقل يونس وغاب عن والديه لعقود، وفي السادس من كانون الثاني/ يناير من العام 2013، فقد والده يوسف الذي توفي ولم تسمح قوات الاحتلال لكريم بإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.
وغيّب الموت والدة عميد الأسرى، الحاجة صبحية يونس (أم كريم) عن عمر ناهز 88 عاما، يوم 5 أيار/ مايو 2022، والتي كانت تتوق لاحتضانه ومعانقته على الرغم من طول انتظار فك أسره بعدما مضى على اعتقاله نحو 40 عاما، لغاية يوم وفاتها.
وجاء نص رسالة الأسير كريم يونس على النحو التالي:
"ها أنا أُوشك أن أغادر زنزانتي المُظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين إخوتي، أخوةُ القيد والمعاناة، أخوة جمعنا قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد".
"أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ اخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلًا استقبال يعبر عن نصرٍ وانجازٍ كبير، لكني أجد نفسي غير راغبٌ، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتمًا ثوابتٌ في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصًا حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود".
"سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقيةٌ مع القابضينَ على الجمر المحافظين على جذوة النّضال الفلسطينيّ برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنواتِ أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلفِ والانحدار".
"سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوشُ عقلي فأتساءل محتارًا على غير عادتي إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلقٌ يزداد مما نشاهدُ، ونرى من تخاذلٍ، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم دون أن يشعر أنّ جروحه قد لا تندمل، وأن لا أمل له بحياةٍ هادئة، ومستقرة، ومع ذلك بقي ندًا، وقادرًا على الاستمرار".
"سأترك زنزانتي، وأنا مدركٌ بأن سفينتنا تلاطمها الأمواج الدولية، من كل صوبٍ وحدب، والعواصف الإقليمية تعصف بها من الشّرق والغرب، والزّلازل المحلية، وبراكين عدوانية تكاد تبتلعها، وهي تبتعد، وتبتعد عن شاطئ حاول قبطانها أن يرسو إليه قبل أكثر من ربع قرن".
"سأترك زنزانتي، مؤكدًا أنّنا كنّا ولا زلنّا فخورونَ بأهلنا، وبأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشّتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مر كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا، ولقضية شعبنا، الأمر الذي يبعثُ فينا دائما أملاً متجددًا، ويقينًا راسخًا بعدالة قضيتنا، وصدق انتماءنا، وجدوى وجوهرِ نضالنا".
"سأترك زنزانتي، رافعا قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد في السّنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع، والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية، والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة، وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد، برغم أجواء التهافت".
"سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرّهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن اضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عامًا، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي…..نشيد العودة والتّحرير".