"بسرعة وعلى الفور، ارتدِ الملابس، وجهز نفسك سنخرج الآن"، كان الصوت قاسيًا؛ فقد أحدث ضوضاءً في المكان، قِيلت تلك الكلمات في ساعة الفجر الأولى عندما اقتحمت قوات الاحتلال زنزانته؛ لكنه أصرَّ على أن تنتظره تلك القوات قليلًا؛ ليحصل على حمامٍ سريع ويضبط أغراضه الشخصية.

عاد صوت الضابط مرة أخرى ليصرخ بصوت مرتفع، "معك 5 دقائق رتب نفسك عشان تطلع"، هكذا وصف القائد عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس اللحظات الأولى للإفراج عنه من سجون الاحتلال بعد 40 عامًا من الاعتقال.

لم يكن الإفراج عن كريم يونس بالأمر السهل؛ فبعد 5 دقائق من انتظار قوات الاحتلال خارج الزنزانة عادت مرة أخرى، واقتادته وسط ظلام الفجر إلى سيارة تنتظره أمام السجن، تحركت السيارة لمدة 5 دقائق، ثم دخلت في نفق مظلم، لتأتي سيارة أخرى وينقله جنود الاحتلال دون أن تلمس قدماه الأرض.

تكرر مشهد نقل كريم يونس من سيارة إلى أخرى 4 مرات، قبل أن يصل إلى مفترق رعنانا في "تل أبيب"، وهناك أخبره ضابط الاحتلال: "هل ترى تلك المحطة؟"، أجاب القائد يونس: "نعم"، ليرد الضباط بكل وقاحة كأنه يريد أن يكسر عزيمته: "اذهب إلى المحطة، وانتقل لبيتك، لا نريد مظاهر للاحتفال مطلقًا".

لم يكن أمام عميد الأسرى وقائد بحجم كريم يونس أن يتجرع تلك الكلمات ليرد عليه بالقول: "سأحتفل ببيتي ولن تستطيع أن تمنعني، سأستقبل الناس ولن تستطيع منعهم"، هدده ضابط الاحتلال مرة أخرى: "لا نريد مظاهر للاحتفال وإلا ستعتقل مرة أخرى"، فكان رد الأسير يونس مزلزلًا: "أعلى ما في خيلك اركبه".

لحظات مرت على تلك الكلمات حتى توجه كريم يونس إلى محطة الحافلات، وهناك رأى نفسه لأول مرة بعد 40 عامًا يسير دون قيود دون شبابيك حديدية، فالناس من أمامه يتجولون، والأشجار الخضراء تزين المكان، والهواء الطيب يلامس جسده.

لم يعرف كريم يونس أحدًا من المارة؛ لكنه أشار إلى أحد العمال الذين عرفوه بسرعة، كيف لا وهو عميد الأسرى الذي ضحى بسنوات عمره من أجل فلسطين كل فلسطين، في تلك اللحظات تواصل مع شقيقه، وقاد سيارة متجهًا إلى بيته.

أطلق كريم يونس تنهيدة شعر خلالها بالراحة عندما جلس داخل السيارة لأول مرة منذ 40 عامًا، كان الهواء باردًا، انتقل إلى بيته في قرية عارة في منطقة المثلث في الداخل المحتل، هناك التقى مع أشقائه وعائلته وبكى بكاءً حارًا؛ لعدم تمكنه من احتضان والدته ووالده اللذين توفيا قبل رؤيته.

هناك حيث قبر والديه وقف كريم يونس على قدميه وقال: "أحيي أبناء شعبنا الفلسطيني العظيم الذي يناضل منذ 100 عام دون أن يرفع الراية البيضاء".

وعبّر يونس عن سعادته بأول يوم من الحرية، قائلا "لأول مرة أرى الشجر والشمس والسيارات بعد 40 سنة من رؤية القضبان والأسمنت وجدران السجن".

وأكد يونس أمام عدسات الكاميرات أن فرحته بالإفراج عنه من سجون الاحتلال بعد 40 عامًا لا زالت منقوصة؛ بسبب بقاء آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

لكنه أكد أيضًا أن ما يعزيه هو أنه ترك الأسرى موحدين في وجه تهديدات ما يُسمى بوزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير، داعيا الفصائل الفلسطينية للاقتداء بهم والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية.