غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة الفاشية الصهيونية

حسن لافي.jpg
قلم/ حسن لافي

أنتجت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة حكومة صهيونية ذات أجندة سياسية جادة جداً في تنفيذ كل مرتكزاتها الائتلافية السياسية المبنية على الاستيطان والتهويد والتهجير ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية بكل مستوياتها، للوصول إلى تحويل كامل الأراضي الفلسطينية إلى ما يطلق عليه اليمين الديني والقومي الإسرائيلي "أرض إسرائيل".
والأكثر خطورة أن صعود "الصهيونية الدينية" إلى سدة التأثير في قرارات "الأمن القومي" الإسرائيلي داخل الحكومة ومجلس الوزراء للشؤون الأمنية والخارجية "الكابينت"، يضع الصراع في مربع الصراع الديني بكل ما يحمله من معانٍ وتداعيات.
لذلك، على الفلسطيني ألا ينظر إلى قادة "الصهيونية الدينية"، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، على أنهم مجرد غوغائيين فحسب، بل من الواضح أنهم أصحاب مخطط مدروس بدقة لتنفيذ أجندة محددة، من خلفها مؤسسة "الصهيونية الدينية" الداعمة والممولة لهم، مستفيدة من حالة الفاشية والعنصرية الطاغية في المجتمع الصهيوني كأحد أهم إفرازات الاحتلال المجتمعية النفسية، إذ باتت الفاشية الصهيونية سمة إسرائيلية شعبية وورقة قوة للساسة الإسرائيليين في أي انتخابات إسرائيلية.
لذلك، أدرك بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن الهجوم على الفلسطيني وأرضه وتهويدها واقتلاعه منها مفيد له على مستوى الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية انتخابياً وجماهيرياً، الأمر الذي دللت عليه عودته إلى رئاسة الوزراء بعد تحالفه مع "الصهيونية الدينية" والحريديم.
والأهم أنَّ ارتفاع منسوب الفاشية الدينية الصهيونية إلى مستويات غير مسبوقة يصبّ في مصلحة تعويض تأكّل الوحدة الداخلية الصهيونية، في إثر الاعتراضات العميقة صهيونياً على محاولات نتنياهو وشركائه تغيير نظام الحكم وسيطرتهم عليه، إضافة إلى تأثيرات التحولات في طبيعة الهوية الصهيونية من هوية علمانية قومية تعتبر الدين مرتكزاً قومياً إلى صهيونية دينية مشيخانية تعتبر هدف "الدولة" إقامة الشريعة اليهودية (الهالاخا)، وما يواكب ذلك من صراعات داخلية صهيونية يهودية لا يمكن تهدئتها أو حتى تأجيلها إلا بفتح صراع صهيوني فلسطيني تعلو حرارته على تلك الخلافات والصراعات الداخلية صهيونياً.
اقتحام بن غفير المسجد الأقصى، ورغم عملية التمويه الإعلامي التي واكبتها وقصر فترتها الزمنية، فإنَّه ليس إلا بالون اختبار أولي لردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، وخصوصاً أن الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية ترصد بشكل جدي ردود الفعل.
إن من يرهان على الانتظار واللعب على التغيرات الداخلية الإسرائيلية، كاستراتيجية مواجهة الفاشية الصهيونية، يتغافل عن أن الوقت لا يلعب لمصلحة الفلسطيني، بل إنَّ الانتظار معناه إتمام عملية الاستيطان والضم والتهجير، الأمر الذي سيخلق أمراً واقعاً مغايراً بالتأكيد لن يكون في مصلحة الفلسطيني.
البعض يسأل: لماذا كل هذه المخاوف على القضية الفلسطينية؟ أليست الحكومات الإسرائيلية السابقة حكومات استيطان وتهويد؟ في الحقيقة، كل الحكومات الإسرائيلية تهدف إلى تنفيذ الاستيطان والتهويد، ولكن هذه الحكومة الفاشية تتبنى الاستيطان الديني ذا البعد العقدي الذي سيتّسم بالتأكيد بالشراسة والدموية والذهاب إلى الحسم من دون أي حسابات سياسية. 
بناءً على ما سبق، إنَّ قراءة المشهد كما هو، وليس كما نرغب، تطرح تساؤلاً كبيراً للكل الفلسطيني، ومن خلفه العالم العربي والإسلامي، وحتى الدولي: ما الإستراتيجية المثالية لمواجهة الفاشية الصهيونية غير المسبوقة؟
هناك عدة شروط لإستراتيجية المواجهة مع الفاشية الدينية الصهيونية، أبرزها:
أولاً: أن تكون الاستراتيجية موضوعية ومرتبطة بالقدرات الممكنة لتحقيق الأهداف أكثر من الأمنيات المأمولة التائهة عن حقيقة الموقف ومتغيرات الواقع، بمعنى أنَّ المطلوب هو إستراتيجية واعية بخطورة اللحظة والموقف وحساسية المعركة وتعقيدات حساباتها.
ثانياً: أن تكون استراتيجية مبنية على فعل مخطّط ومتكامل، وباتجاهات متعددة، يزاوج ما بين الفردي والجماعي من جهة، والرسمي والشعبي من جهة أخرى.
ثالثاً: أن تكون استراتيجية مبنية على فهم واعٍ لمرتكزات "القوة" الصهيونية، ونقاط ضعفها، ومعرفة طبيعة العوامل المؤثرة في موازين "القوة" الصهيونية وأوزانها الفعلية.
رابعاً: من المطلوب من الاستراتيجية الفلسطينية أن تعتمد على حسابات الأثمان والتكلفة، بحيث تجعل الأثمان التي سيضطر المجتمع الصهيوني إلى دفعها جراء تلك الحكومة الفاشية باهظة جداً.
بعد رسم رؤية عامة لشكل الاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة لمواجهة الفاشية الصهيونية، يتبقى تحديد مرتكزات الفعل الفلسطيني داخل إطار استراتيجية المواجهة. ورغم وجود الانقسام الفلسطيني الكارثي، فمن خلال المواجهة، من الممكن إنتاج قواسم وحدوية جديدة تجمع الكل الفلسطيني في بوتقة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي الفاشي، وخصوصاً أن هناك الكثير الذي يمكن عمله ولا يعوقه الانقسام الفلسطيني من خلال استراتيجية المواجهة، أهمه:
- تقديم الدعم المطلق للانتفاضة الفلسطينية المنطلقة في الضفة الغربية وتعزيزها والسعي لتوسيعها أكثر وأكثر لتشمل كل الفئات الشعبية والمناطق الجغرافية، وتتحول إلى انتفاضة فلسطينية في كل الأرض الفلسطينية.
- عدم السماح بأن تخرج غزة من إطار المواجهة عسكرياً وسياسياً مع الاحتلال الإسرائيلي، مع السعي الدائم لتكريس وحدة المصير الفلسطيني ووحدة ساحات مواجهته، بما يتناسب مع خصوصية كل ساحة على مبدأ الموضوعية وحساب التكاليف.
- تفعيل الدبلوماسية الفلسطينية، سواء كانت رسمية أو شعبية، وتقديم خطاب سياسي فلسطيني بعيدٍ عن البكائيات، ومرتبط بشرعنة مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الفاشي، وتفهم المجتمع الدولي أنّ هذه المقاومة هي الخيار الوحيد المتبقي بيد الشعب الفلسطيني أمام حكومة الاحتلال الفاشية الدينية التي يقودها مجموعة من الفاسدين والإرهابيين والفاشيين، على أن تستثمر الدبلوماسية الفلسطينية في ذلك حالة الشجب والإدانة والقلق الدولية والإقليمية لمرتكزات وأجندة الحكومة الإسرائيلية الفاشية السياسية والاستيطانية والعنصرية التي لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة دولية تحترم القانون الدولي الإقرار بها.
- تعزيز انتفاضة فلسطينيي الداخل المحتل عام 48 في مواجهة عنصرية الكيان الصهيوني، ولكن كمجموعة قومية تنتمي إلى الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض، وتكون لها حقوقها القومية الجماعية، وما يرتبط بذلك من الحفاظ على خصوصياتها الثقافية والدينية واللغوية وغيرها من الحقوق التي تعزز تجذر الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 48، وعدم السماح بأسرلته كمقدمة لتحويل أفراده إلى مجرد أشخاص لهم متطلبات حياتية، ما لم يجدوها في هذه الأرض، فإنهم يهاجرون إلى أرض أخرى من دون التفكير في أيّ ارتباطات قومية بها، فالصّمود الفلسطيني والحفاظ على هُويته الجماعية القومية في الداخل المحتل يدمر المرتكز الأساس للفكرة الصهيونية المبنية على إنشاء وطن قومي لليهود فقط على أرض فلسطين.
العمل على إعادة الانتشار السكاني في الضفة الغربية، من خلال زيادة عدد السكان ومساحات الإعمار في المناطق المهددة بالضم الإسرائيلي، وفي مقدمتها المناطق (ج)، وبالتالي فرض أمر واقع فلسطيني جديد في الضفة الغربية يُفشِل استراتيجية "إسرائيل" لضمّ تلك المناطق؛ الاستراتيجية المبنية على معادلة ضمّ أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد ممكن من السكان.