قائمة الموقع

خبر (تقرير 3) من قلب الكيان الصهيوني.. الجيش الإسرائيلي وصناعة أمة الشركات الناشئة !

2015-04-07T19:24:38+03:00

مازلنا نحاول التعمُق فى فهم ظاهرة ريادة الأعمال التقنية فى إسرائيل مع كتاب Start-Up Nation : The Story of Israel’s Economic Miracle، وقد سبق وأن تناولنا أهم الأسباب والعوامل التى جعلت من الشركات الناشئة قاطرة نمو للاقتصاد الإسرائيلي، بحسب رؤية الإسرائليين أنفسهم..

غير أن هناك عامل آخر مهم ذكره المؤلفان فى كتابهما، يلعب دوراً أساسياً فى هذا المجال، وهو (جيش الدفاع الإسرائيلي، ونظام التجنيد الإلزامي فيه). لا يخفى على أحد أن إسرائيل تُولِي اهتماماتِها الأولى لجيشها، حيث ينسب مؤلفا الكتاب تصاعد دور الصناعات التكنولوجية في الاقتصاد الإسرائيلي إلى الدور المحوري للجيش الإسرائيلي في المجتمع..

لاسيما فيما يتعلق بكسر الحواجز الطبقية والهيراركية التقليدية المبنية على التفاوت في توزيع الثروة والنفوذ السياسي، ودوره كمؤسسة معنية بالتطوير التكنولوجي، وتدريب الشباب المجندين على استخدامها في العمليات العسكرية، بما يفرز عدداً كبيراً من المبتكرين والباحثين في مجالات التكنولوجيا المختلفة، يستفيد منها بصورة مباشرة الاقتصاد الإسرائيلي.

التجنيد الإجباري فى نهاية الدراسة الثانوية

الطالب الإسرائيلي الذي ينهي دراسته في المدارس الثانوية يختلف عن نظيره في جميع دول العالم تقريباً، فهو لا يبحث عن الجامعة التي سيلتحق بها، أو التخصص الجامعي الذي سيرتاده، وإنما يبدأ فى الاستعداد للالتحاق بقوات الاحتياط في الجيش لمدة ثلاث سنوات للشباب وسنتين للفتيات.

ويبذل قصارى جهده في مرحلة الاختبارات المبدئية ليتم اختياره في إحدى (وحدات النخبة) في الجيش التي عادة ما يتسم اختيارها للمجندين الجدد بانتقائية شديدة مماثلة لما تقوم به الجامعات العالمية مثل (هارفارد) و(ستانفورد)، وهو ما يعزز فرص التحاقهم بالشركات الكبرى بعد نهاية فترة خدمتهم العسكرية، حتى إذا لم يلتحق بعض الشباب بوحدات النخبة في الجيش، فإن مجرد امتلاك الخبرة العسكرية يساهم في تعزيز فرصهم لشغل وظائف في مختلف قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي.

فرقة Talpiot العسكرية

تعتمد نظام التجنيد الإجباري بالخدمة العسكرية في سن 18 (بعد انتهاء الدراسة الثانوية)، وهي فرقة خاصة في الجيش الإسرائيلي تجمع بين العلوم العسكرية والتكنولوجية هي فرقة Talpiot – تالبيوت، حيث تستقطب في كل عام 2% فقط من خريجي الثانوية، ومن بين هؤلاء المتقدمين يتم قبول 10% فقط بناءً على نتائج اختبارات فائقة الصعوبة، ويتمتع من يُقبَل بهذا النظام بدرجة عالية من الذكاء.

ويرى الكاتبان أن الجيش الإسرائيلي يساهم في توفير مساحة فريدة داخل المجتمع الإسرائيلي، يبدأ في إطارها تكوين شبكات من العلاقات الشخصية والعملية بين الشباب المجندين من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية والعرقية..

يلتقي في إطارها الشاب اليهودي من أصل إثيوبي والمهاجر الإيراني وشباب الحضر ممن يقطنون ضواحي تل أبيب والريفيون من سكان الكيبوتسات، ويعملون سويًّا لمدة سنتين أو ثلاث سنوات تليها مدة تتجاوز 20 عاماً في الاحتياط الذي يتم استدعاؤه أثناء المواجهات العسكرية، ومن ثم يكون الجيش جامعة أكثر انضباطًا من الجامعات المدنية.

وقد لوحظ اتجاه العديد من مخرجات الجيش وخاصةً خريجي فرقة Talpiot إلى البدء بمشاريعهم الخاصة، فأصبحوا رواد أعمال مشهورين وأسسوا شركات مثلMetaCafe ، Compugen والعديد من الشركات الأخرى التي أصبحت تتداول في أسواق الأسهم الأمريكية. إحدى هذه الشركات شركة مدرجة تسمى Check Point في سوق ناسداك، واليوم تُقَيَّم بـ 5 مليار دولار، وأخرى تم الاستحواذ عليها من قبل شركة PayPal  بـ 169 مليون دولار.

وفي السياق ذاته فإن المؤسسين الثلاثة لشركة (كمبيوجين -Compugen ) الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية قد التقوا سويّاً في الجيش الإسرائيلي، وبدأت فكرة الشركة من استغلال المعادلات الحسابية في تحليل التسلسل الجيني وكشف الأمراض الوراثية..

وتم استقطاب حوالي 25 من المتخصصين في علم الرياضيات البحتة من المجندين السابقين في الجيش؛ ليتم إنشاء الشركة في وقت لم يكن العالم قد توصل بعد لاكتشاف خرائط الجينوم البشري وتطبيقاتها الطبية، وقد قامت شركة ميرك Merck الأمريكية العملاقة بشراء كمبيوجين Compugen في عام 1994 لتعطي دفعة قوية لمجال التكنولوجيا الحيوية في إسرائيل.

لذلك ستجد أثناء بحث الشركات الإسرائيلية عن خبرات للعمل فى القطاع الخاص، فإن الخدمة العسكرية توفر المعيار الحاسم الموحد، حيث تدرك هذه الشركات كل ما يعنيه أن يكون المتقدم لشغل الوظيفة خدم في إحدى وحدات النُخبة.

يمثل الاقتصاد الإسرائيلي المرحلة النهائية التي يمر بها المواطن بعد مرحلة الخدمة العسكرية والتعليم الجامعي، ومن ثم يستفيد الاقتصاد من الخبرات المتنوعة التي اكتسبها من انخرطوا في الخدمة العسكرية في مختلف وحدات الجيش.

وبالإضافة إلى الخبرات التقنية تستفيد الشركات من المهارات الإدارية التي اكتسبوها، مثل القدرة على الابتكار والعمل الجماعي وحل المشكلات والعمل تحت الضغط والقدرة على القيادة، مما يجعل الشاب الإسرائيلي وفق ما يراه المؤلفان أكثر نضجاً من نظيره الأمريكي؛ لأنه تعرض لخبرات مختلفة في العشرينات من العمر جعلته يدرك قيمة الوقت ومعنى الجدية، ناهيك عن التجارب الشخصية التي يكون فيها الشاب معرضاً للموت في أي لحظة في ساحة القتال.

تدعيم الصناعة المدنية بالتقنيات العسكرية

الثقافة السائدة في قطاع الأعمال الإسرائيلي، تركز على تعدد المهارات البينية، التي تجمع بين التخصصات المختلفة، مما يعزز الطلب على بحوث التطوير التكنولوجي، والتي عادة ما تعتمد على التوفيق بين التقنيات التي تم تطويرها في مناطق مختلفة من العالم، وفي نطاقات معرفية مختلفة للحصول على منتج متميز.

على سبيل المثال فإن قيام شركة بيل كام PillCam الإسرائيلية في عام 2001م بابتكار كاميرا دقيقة لا يتجاوز وزنها أربعة غرامات، على هيئة كبسولة يتم ابتلاعها، وتحتوي على وسائل بث ومجسات، يمكنها إرسال مقاطع فيلمية من داخل جسم الإنسان؛ للإسهام في تشخيص الأمراض، والتطبيقات الطبية المختلفة، ارتبط بإعادة توظيف نظم الاستشعار والتصوير الدقيق المستخدمة في الطائرات المقاتلة المتطورة، وأسهم ذلك الابتكار في تعزيز مكانة الشركة على المستوى العالمي، وتسجيل أسهمها في مؤشر ناسداك للصناعات التكنولوجية بالولايات المتحدة.

النظرة المجتمعية للمجند الإسرائيلي

وتختلف رؤية المجتمع الإسرائيلي والأمريكي للخدمة العسكرية، فبالنسبة للأمريكيين فإن مجرد اعتبار الجيش مؤسسة للتدريب على العمل في قطاع التكنولوجيا ومجالات البحوث والتطوير يعد مثار المقولات المثيرة للدهشة والاستغراب. في حين يمكن لقطاع الأعمال الإسرائيلي تقبل ذلك بسهولة لمعرفته الطابع المميز للجيش الإسرائيلي الذي يجعله مختلفاً عن أي مؤسسة عسكرية في العالم.

ومن أهم تلك الخصائص أن سلسلة القيادة في الجيش ليست هرمية هيراركية، وإنما مسطحة مما يسمح بتطوير علاقات وثيقة بين قادة الوحدات والمجندين في تنفيذ التدريبات، أو العمليات العسكرية، وهو ما يتوازى مع اتجاه القيادات لتفويض السلطات والصلاحيات للمستويات الأدنى، مما يجعل كل مجند قادر على اتخاذ القرار الملائم للظروف المحيطة خلال العمليات العسكرية، ويكون مجبراً من ثَمَّ على الابتكار والارتجال كي يحقق الهدف المطلوب من جانب القيادات.

ولا يقتصر دور الجيش على تجنيد الشباب، وتدريبهم على العمل الجماعي، وإنما يشمل تحطيم الهيراركيات المجتمعية والفوارق الطبقية بين المواطنين، فالجيش الإسرائيلي لا يعول كثيرًا على تقديس القيادة والطاعة العمياء للأوامر، وإنما يركز على ثقافة تحقيق الأهداف بغض النظر عن الوسائل، فالمستوى القيادي في الجيش محدود العدد للغاية، مما يعني أن سلسلة الأوامر قصيرة، وتقوم بالأساس على تفويض السلطة والمبادرة الفردية من جانب المجندين الأقل رتبة. وفي قوات الاحتياط تبدو تلك السمات أكثر وضوحاً، لاسيما غياب الهرمية والتدرج في عملية صنع القرار، فالهيراركية تختفي عندما يوجه ضابط احتياط يعمل والده سائق تاكسي الأوامر لمجند يمتلك والده ملايين الدولارات، وعندما يقوم ضابط شاب عمره 23 عاماً بتدريب عمه البالغ من العمر 50 عاماً..

هذا التقارب المجتمعي يساعد على خلق حلول غير تقليدية لمختلف المشكلات، ويقلل من أهمية رتبة الفرد المقاتل في قوات الاحتياط، ومن ثم يسهم في تعزيز أواصر الصلة بين الجميع تحت مظلة الجيش.

وأخيراً لا نسعى لتمجيد جيش الإحتلال الإسرائيلى بأى حال من الأحوال، وأنما هى محاولة لقراءة الأوضاع من الداخل، علنا نستفيد من التجربة..

إعداد وتقرير: شيماء جابر

شاهد أيضاً:

(تقرير 2) من قلب الكيان الصهيوني.. ماهي الأسباب التى جعلت من "إسرائيل" أمة للشركات الناشئة؟!

(تقرير 1) من قلب الكيان الصهيوني.. الشركات الناشئة ودورها الفعّال في الإقتصاد الإسرائيلي!

اخبار ذات صلة