غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

أهدى أمه لقب "أم الشهيد".. محمد حوشية وحكاية الاتصال الأخير مع والده

سامر-حوامشة.jpg
شمس نيوز - مطر الزق

بالكاد تمكنت "أم محمد" من ارتداء ملابسها، تركض مسرعة باتجاه زوجها الذي قفز داخل سيارته، صوت أنينها كان مرتفعًا، والدموع تقف على جفنيها، ولسان حالها يردد: "يا رب سترك يا رب"، في تلك اللحظة بدأت تدور عجلات السيارة في حارة اليامون بحثًا عن مخرج آمن بعيدًا عن فواهات البنادق، لم يجد سامر –زوج أم محمد- ملاذا سوى المناطق الالتفافية البعيدة عن المخيم.

يُسابق الزوجان الوقت للوصول إلى نجلهما محمد الذي يمكث في المستشفى، فعقارب الساعة تشير إلى الثانية فجرًا، ودقات قلب محمد بدأت تتضاءل؛ ليصل ذاك الإحساس إلى قلب والده أثناء قيادته السيارة، في تلك اللحظات لم يستطع سامر أن يخبئ إحساسه، فترك لسانه؛ ليفصح عن شعوره أمام زوجته: "محمد استشهد، أكيد محمد استشهد".

اشتد بكاء أم محمد حوشية التي دفعت زوجها للضغط على بنزين السيارة؛ ليسرع قليلًا، علها تلتقط أنفاس نجلها قبل أن تصعد إلى السماء، هنا استعادت أم محمد حديث نجلها قبل أيام قليلة: "يا إمي قريبا سأجعلك تتعرفين على أمهات شهداء جنين".

محمد حوشية (22 عامًا) قال تلك الكلمات لوالدته عندما صعد سيارة والده متجهًا إلى منزل والدة صديقه الشهيد لطفي لبدي؛ لتزور عائلة شهيد آخر في جنين؛ بهدف مواساتها وتعزيز العلاقة بين أسر الشهداء الذين يقدمون أرواحهم من أجل أبناء المخيم.

لم يكن محمد شخصًا عاديًا، فأبناء بلدة اليامون يعرفونه جيدًا، يقول والده لـ"شمس نيوز: "كان يعمل معي على السيارة، يتمتع بأخلاق عالية، ومحبوب عند الناس، لم تصل منه أي مشكلة أو شكوى من أصدقائه أو الجيران".

محمد هو الابن الأول لسامر، ثم تلا قدومه (3 ذكور وبنت) عاشوا جميعًا بسعادة وحب وطمأنينة، يُضيف والده: "لم يظهر على محمد العنفوان في التصدي لقوات الاحتلال في السنوات السابقة؛ إلا عندما بدأت قوات الاحتلال تشن حملتها المسعورة ضد أبناء مخيم جنين".

"شهيد تلو شهيد، وتفجير بيت وراء بيت، واعتقالات ومداهمات، واشتباكات مسلحة" هذه مشاهد عززت الروح الوطنية في قلب محمد، وجعلت منه أيقونة لبلدة اليامون، فلم تخلُ أي عملية اقتحام أو اجتياح لمخيم جنين؛ إلا ويشارك محمد رفاقه الشباب؛ ليتصدى لقوات الاحتلال بالحجارة، والزجاجات الحارقة.

يسعى محمد من خلال التصدي لقوات الاحتلال لـ"نيل شرف الشهادة" يقول والده: "كنت أحاول أن أزوجه وأقدم له كل متطلبات الحياة من "بيت ومال وزوجة"؛ لكن محمد كان يرفض؛ لأنه يدرك تمامًا أن حياته قليلة، ولا يريد أن يظلم بنت الناس، ليرد عليَّ بالقول: "بعدين  يا أبي بعدين!".

الاتصال الأخير

استعاد سامر شريط ذكرياته قبل ساعات فقط على استشهاد نجله ليروي لـ"شمس نيوز" التفاصيل الدقيقة، فما إن بدأت الليلة تكتسي بالظلام الدامس، ودخل وقت الاستعداد للنوم، اتصل سامر بنجله وسأله عن مكانه؛ ليجيب الابن البار بوالده: "أنا عند أصدقائي في الحارة المجاورة"، على الفور أوصاه الأب بالانتباه على نفسه جيدًا في ظل اقتحام قوات الاحتلال لبلدة كفر دان في مخيم جنين.

يبدو أن وصية الأب كانت وسيلة نجله ليصل إلى مبتغاه، اندفع محمد وأصدقاؤه للدفاع عن بلدة كفر دان، وأثناء مرورهم بشارع فرعي قبل وصول البلدة، توقف محمد هناك للحظات، وطلب من أحد الأصدقاء زجاجة ماء.

شرب محمد الماء مرة ومرتين، وفي المرة الثالثة أبلغ أصدقاءه أن شيئًا ما قد وخز صدره، مد يده لصديقه وكان العرق يتصبب من جبينه وعيناه ترتفعان، أسنده الصديق على كتفه وقال: "ماذا دهاك؟"، ليجيبه قناص إسرائيلي كان قد احتل بناية سكنية ونصب فوهة الموت من نافذة صغيرة ليصطاد من خلاله الشبان المساندين للقرية المجاورة.

سقط محمد على الأرض وهو يُبلغ أصدقاءه، "لقد أصبت برصاصة في صدري، ابتعدوا، هناك قناص يريد قتلنا" ثم نطق الشهادة –لا إله إلا الله محمد رسول الله-، في تلك اللحظات حاولت سيارة الإسعاف الاقتراب ونقل محمد؛ لكن رصاص القناص كان يمنع تقدمها؛ ليوقف عجلة سيارة الإسعاف لأكثر من 40 دقيقة، كما روى ذلك شهود عيان لوالده.

فقد محمد دماءه الزكية؛ لتصعد روحه إلى السماء، قبل أن تسمح قوات الاحتلال بنقله للمستشفى، في تلك اللحظات أبلغ الأصدقاء والد محمد أن نجله قد أصيب برصاصة في صدره، كان ذلك في الساعة الثانية فجرًا.

على الفور استقل والد محمد وزوجته السيارة متجهين إلى مستشفى ابن سينا في مدينة جنين؛ لكن الطرق كانت مغلقة، حاولوا كثيرًا، ليصلوا أخيرًا عبر طرق التفافية سرقت الوقت كثيرًا، وهناك كانت روح محمد قد صعدت وبكاء أم محمد اشتد كثيرًا؛ لكن والده كان متماسكًا إذ قال: "إن شهادة محمد هي شرفٌ كبيرٌ لنا، فقد رفع رأسنا عاليًا، ورفع رأس بلدة اليامون ومخيم جنين".

حقق محمد أمنيته مرتين، فقد نال شرف الشهادة التي سعى لها بحب وإخلاص، وأكرم والدته بلقب "أم الشهيد" وجعلها تنضم إلى قافلة "أمهات شهداء جنين"؛ لتزور بيوت الشهداء وتواسي عائلاتهم جنبًا إلى جنب مع والدة صديقه الشهيد لطفي لبدي التي أوصلها ذات مرة لعائلة شهيد آخر.