لم تستسلم السيدة أم قيس خضير للأحوال الاقتصادية السيئة التي تعاني منها منذ سنوات عدة، كغيرها من السيدات والعائلات الفلسطينية في قطاع غزة، ولم تقف مكتوفة الأيدي أمام نظرة المجتمع، لتبدأ مشروعها بفكرة فريدة تحمل مدلولات ثقافية.

تقف أم قيس أمام طاولة مليئة بمختلف أنواع الأعسال في أحد الأماكن التجارية المشهورة بمدينة غزة، يتجمع الناس حولها ويتركون آذانهم؛ لتصغى إلى نصائحها المثمرة المتعلقة بالفوائد الصحية الكبيرة للأعسال، ويستمتعون في التعرف على أعسال لم يعرفوها من قبل.

استوحت أم قيس فكرة بيع مختلف أنواع الأعسال من خلال زيارتها للمملكة العربية السعودية قبل سنوات، فقد لاحظت اهتمامًا غير مسبوق من السعوديين بشراء العسل، وعندما سألتهم عن سر اهتمامهم بذلك أجابوها بالقول: "لا يمكن أن تخلو بيوتنا في يوم من الأيام من العسل، ففيه شفاء للناس، وفيه فوائد كبيرة جدًا لصحة الانسان، وتقوية الجسم".

تتحدث "أم قيس" عن مشروعها لـ"شمس نيوز" وتقول: "أهل السعودية لديهم ثقافة عالية بأهمية العسل، وهذا عكس الثقافة التي يمتلكها أبناء شعبنا في غزة؛ لذلك قررت نقل التجربة أولًا: لتوعية أبناء شعبنا بأهمية العسل وفوائده، وثانيًا لمساعدة زوجي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة".

أقسمت أم قيس خلال تجولها في أحد المحال التجارية في السعودية بأنها ستعمل على نقل تجربة بيع وتثقيف الناس بأهمية العسل فور عودتها إلى غزة؛ وذلك من خلال استيراد أنواع عالمية من الأعسال كـ (عسل السدر الجبلي اليمني، عسل السمر، عسل كشميري النادر، عسل حبة البركة، عسل الحنون، عسل الينسون.. إلخ) كأول بائعة عسل تقدم تلك الأنواع العالمية التي يسمع ويقرأ عنها أبناء قطاع غزة عبر الانترنت فقط دون أن يتذوقها أحدا منهم.

لم تهتم أم قيس بالأعسال صدفة، بل كانت تمتلك شغفًا وحبًا كبيرين للعسل وتربية النحل، فهي تملك عددًا من المناحل في بيتها، وتستطيع أن تُميز بين الأعسال الجيدة والأخرى المصنوعة والأنواع المختلطة.

"تكمل أم قيس حديثها :" لا تستطيع أي فتاة بيع أنواع مختلفة من الأعسال صدفة، بل عليها الاطلاع جيدًا على فيديوهات مختلفة للتعرف على بداية تشكيل النحل، والخلايا، وأماكن التربية الصحيحة، وطريقة التغذية، ودراسة موقع الخلية من الجبال، أو الكهوف، أو الأشجار والبساتين".

صعوبات تخطتها بذكاء

واجهت أم قيس في بداية مشوارها لبيع الأعسال بعض الصعوبات أولها الوضع الاقتصادي الصعب وثقافة المجتمع ونظرتهم؛ لسيدة تبيع العسل وتخاطب الناس، وتثقفهم بأهمية وجود العسل في المنزل.

لكنها تغلبت على تلك الصعوبات كما تقول: "بالإصرار والعزيمة والإرادة ومساعدة زوجها وأهلها الذين تقبلوا الفكرة وساعدوها حتى وصلت إلى مرحلة متطورة من تجارة العسل وتثقيف الناس".

أما الصعوبة الثانية وفقًا لأم قيس هي عدم ثقة الناس ببائع العسل، لكنها تغلبت على ذلك بمواجهة الناس بالثقافة العالية التي تملكها عن تربية النحل وبيع العسل وتثقيف الناس وتوعيتهم بأهمية العسل في البيت، والتأكيد لهم بأن الأعسال التي تستوردها تحمل علامة تجارية عالمية مراقبة أشد المراقبة.

وعن تأثير عملها كبائعة عسل على رعاية بيتها وأسرتها قالت: "أخصص ساعات محددة لعمل البيت وساعات أخرى محددة للعمل كبائعة عسل، فلا أجد صعوبة في تحقيق ذلك بالتعاون والاشتراك مع الزوج والعائلة الكريمة".

أنواع عالمية

وفيما يتعلق بالأنواع الموجودة في متجرها تقول: "أبيع العسل البلدي والمستورد؛ فالعسل البلدي –من غزة- يكون النحل قد تغذى على الحمضيات وأشجار الكينية"، وتشتري أم قيس العسل البلدي من تُجار ثقة وتتأكد من صحته بشكل دقيق.

وأشارت إلى أن هناك فجوة بين أبناء قطاع غزة وبعض تجار العسل، لاتباعهم أساليب تقلل بشكل كبير من الفوائد المرجودة من عسل النحل، لذلك تشتري العسل البلدي من تجار تعرفهم جيدًا وتعرف أمانتهم وأخلاقهم إضافة إلى ما تُنتجه خلايا النحل الخاصة بها.

أما الأعسال التي تستوردها "أم قيس" فهي أنواع مختلفة منها الأعسال اليمنية والأعسال السعودية والليبية وتتميز تلك الأنواع بجودة عالية جدًا، مؤكدة أن تستورد من شركات عالمية مراقبة بشكل كبير لا يمكن أن تستخدم الحيلة أو الغش في جودة العسل.

فالأعسال المستوردة كما توضح أم قيس، ينتجها نحل يتغذى على الأشجار في أعالي الجبال كـ "السدر اليمني"، والغابات كثيفة الأشجار ونباتات الشوكيات، إضافة إلى النباتات المزروعة خصيصًا؛ لتُعطي نكهة معينة كـ "عسل الحنون وعسل حبة البركة".

أما عن الأسعار أكدت أم قيس أن أسعار الأعسال التي تبيعها سواء كانت البلدي أو المستوردة فهي في متناول اليد، إذ تبيع حسب الجرام، فهناك عسل بحجم 100 جرام يُباع بـ 10 شيكل وأخر 150 جرام بنفس السعر، وهناك أعسال تُباع بـ 100جرام بـ 30 شيكل حسب النوع.