حين أعود بذاكرتي الى سنين الانقسام العجاف، واذكر شعارات غزة السنغافورية، وأنظر الى زهور شبابنا وطاقاتنا التي تغرق في بحر إيجه، أعود متحسراً إلى قراءة تاريخ الصراع في رواندا ومآلاته، تبدأ الحكاية في رواندا سنة 1884 حين احتلتها ألمانيا ومن بعدها بلجيكا سنة 1916.
شرعت الدولتان الاستعماريتان من أجل ان يحكموا السيطرة على رواندا وخبراتها بزرع قنابل الاختلافات والنزاعات العرقية والقبلية الداخلية.. حيث كانت رواندا مقسمة لقبيلتين.. واحدة اسمها "الهوت" والتي تمثل 80% من الشعب وقبيلة "التوتسي" واللي تمثل 20% من الشعب بتعداد 10 مليون مواطن فقط كمجموع كلي للقبيلتين.. وعمل الاحتلال على استعباد الهوتو كمزارعين وأعطى قبيلة التوتسي مهنة الرعي .. ووصف قبيلة التوتسي بـ " العرق الأنقى ".
في 1931 فرض الاحتلال إدخال اسم قبيلة الشخص في بطاقة التعريف الوطنية .. وبناءاً عليه أعطى قبيلة التوتسي مميزات حرم منها قبيلة الهوتو ..
وفي سنة 1962 أخيراً استقلت رواندا من الاستعمار، وتركت وراها عداوة بين القبيلتين ، وبعد خروج الاستعمار من رواندا وجدت قبيلة الهوت الفرصة في ان تنتقم من قبيلة التونسي ..واعتبروهم مواطنين غير روانديين في أصولهم وانهم عملاء خونة للاحتلال .. ودارت بينهم صراعات دموية وصلت ذروتها سنة 1991 .. وقتها قبيلة أصولهم وانهم رواندا حتى وصلت للعاصمة "كيجالي "وهنا تدخلت الأمم المتحدة وعملت اتفاقية سلام عرفتـ " اتفاقية أوشاب " لكن رئيس الهوت رفض الاتفاقية وسلح قبيلته.. وبسبب رفضه للاتفاقية تم اسقاط طيارته سنة 1994 .. وتلك الحادثة كانت بمثابة عود ثقاب الحرب الأهلية الدامية بعد اسقاط طيارة رئيس الهوت وانتشر مسلحي قبيلة اله وتوفي الشوارع، وشرعوا بقــتــل كل من يتحرك أمامهم من قبيلة التونسي .. وعلى مدار 100 يوم قتل أكتر من مليون مواطن رواندي أغلبهم من قبيلة التونسي ..
بمعني أن 10% من الشعب ماتوا وتم اغتـصـاب نص مليون امرأة رواندية، مما دفع رئيس البلاد" باستور بيزي ونجو " للاستقالة سنة 2000.. بعد ذلك تمكنت قبيلة التوت سيمن السيطرة على العاصمة "كيجالي "وتولى رئيس قبيلة التونسي" وبولاك جامي " حكم البلاد.. وهنا بدأت عصر النهضة الرواندية العظيمة.. أدرك الرئيس الجديد ان التفرقة بين قبيلة التونسي وقبيلة الهوت وهي السبب في الدمار.. فألغى التصنيف بين المواطنين، وجعل كل شخص في البلد اسمه مواطن رواندي فقط ..
أسس هيئة اسمها "هيئة الوحدة والمصالحة "وضمت أكتر 1200 محكمة لمحاكمة المواطنين لكن ليس لعقابهم ؛ بل ليعترفوا بالذنب وتفكيرهم عن ذنوبهم بخدمة المجتمع، وفرض برامج تأهيل للمتسببين في الحرب الأهلية لإعادة تأهيلهم ليرجعوا إلى حضن الشعب، وأعاد تقسيم المحافظات ليلغي فكرة القبيلة، وعمل قوانين صارمة تعتبر كل من يتكلم بالخطاب العنـصري مجـرم، وفرض مقررات دراسية في المدارس تشرح أسباب قيام الحرب الأهلية لتعريف الأجيال القادمة بان الحرب سبب دمار بلادهم.
أرسل خبراء اقتصاديين من بلاده للبلاد التي حققت نهضة اقتصادية لينقلوا خبراتهم لرواندا، أهتم بالتعليم جداً؛ وحول نظام تقييم المدرس لمعيار نسبة النجاح .. يعني المدرس الذي طلابه مبدعين يكون له الأفضلية، ورفع ميزانية التعليم ..وتحسين الميزانية ودخل الأفراد، وتطورت رواندا تعليمي الدرجة انها اطلقت قمر صناعي خاص بالاتصالات لتوفير خدمات الانترنت لمدارس رواندا ..
في الزراعة //أستغل الشعب الرواندي الزراعة وفر فرص عمل للناجين من الحرب الأهلية، ونجح جداً فيها خصوصاً في زراعة البن والشاي ..- شكلوا أساس الاقتصاد الرواندي ..- ارتفع انتاج البنن 35 ألف طن ل 15 مليون طن ..
في المجال الطبي//أصبحت رواندا تستخدم الطيارات بدون طيار لنقل الدم لإنقاذ المصاب ينفي المناطق النائية لرواندا ..في مجال// السياحة تعاقدوا مع أرسنال، وباريس وكتبوا على قمصانهم "Visit Rwanda" ..وطوروا السياحة الطبيعية بشكل كبير . حتى وصل عدد السياح لمليون سائح سنويا أصبحت تأني أكبر مصدر للدخل في البلد ..
والأجمل من كل ذلك حددت الحكومة يوم السبت في الاسبوع للناس من كل الطبقات تنزل معا لتنظف الشوارع حتى أصبحت العاصمة " كيجالي" أنظف عاصمة أفريقية، ورسم خطة لجعل بلادهم أعلى معدلات الدخل حتى سنة 2050، وعدل قوانين الاستثمار حتى أصبحت رواندا من الدول الجاذبة للمستثمرين ..
تأسيسا لما سبق /نقول للمتشائمين والمستفيدين والمتنصرين وأرباب فلسفة الانقسام هذه قصة نهضة روان دامن دولة مات 10%من سكانها في انقسام وحرب أهلي لدولة تلقب اليوم بـ " سنغافورة أفريقيا " ..