وصف أستاذ علوم اللغة العربية فى جامعة الأزهر بغزة، وعضـو مجمع اللغـة العربـيـة المراسـل/ القاهـرة، الأستاذ الدكتور صادق عبد الله أبو سليمان أدبُ السُّجونِ بكونه مُفْعَماً بحيويةِ الانفعالِ، وصِدْقِ التجاربِ؛ وذلك لأنه ينْهَلُ من مصدرِ المعاناةِ النّابعِ منْ ثُوّارٍ هانت عليهم أنفسُهُمْ فَهَبّوا يحملونها على أَكُفِّهِم ليقدِّموها أضاحيَ في سبيلِ تحذير كرامةِ الوطنِ وأهله.
وينبغي أنْ يكونَ واضحاً أنَّ المقصودَ بـ" أدبِ السجون"- في هذا المقام- هو ما يَصوغُهُ الكاتبُ وهو يحيا في مكانٍ بئيسٍ لا يُوفِّرُ لساكِنِهِ إلا أبسطَ المتطلَّباتِ التي تحفظُ له حياته، فكيف إذا ما كانَ هذا الساكنُ أديباً موهوباً لا يجدُ الوسيلةَ الماديةَ المناسبةَ التي تُعينُهُ على إخراجِ ما يَجيشُ في صدره؛ فلا أريكةَ يَتَّكِئُ عليها، ولا طاولةَ يضعُ عليها ورقاً أبيضَ مصقولاً، ولا مروحةَ أو مدفَأَةَ، ولا ماءَ ثلاجةٍ يبللُ عروقاً تكابدُ حرارةَ الصحراء، ولا خُضْرَةَ، ولا ذاتَ وجهٍ حَسَنٍ يسكنُ إليها فتؤنِسُهُ وتُخفِّفُ عنه. ولا... ولا... ولا...، وما إلى ذلكَ من لاءاتٍ متعاطفةٍ يمكنك- عزيزي القارئ- أنْ تَذْكرَها من جوانبِ حياةِ الآدميينَ الذينَ خلقهم الله I لِيتنعموا بنعمِهِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى.
وهَبْ- عزيزي الإنسان- توفرَ النِّعَمِ المادِّيةِ فهل يُمكِنِ لأيِّ بَشَرٍ أَنْ يَنعمَ بها في ظلِّ انحباسِ الأنفاسِ، وانغلاقِ الأبوابِ، وعُلُوِّ ارتفاعِ الأسوارِ التي يعلوها سياجٌ يعلوهُ سياجٌ متلُوٌّ بِأَسْيِجَةٍ متنوعةٍ غيرهِ. وتَسَلُّطِ جَلادٍ يَأْسِرُ امتدادَ الخيال؟! وإذا كان للخيالِ أنْ يدفعَ بصاحبهِ المبدِعِ إلى تقييدِهِ سطوراً بليغةً فإنَّ للجلادِ الرَّقيبِ إِنْ َتَمَكَّنَ في غَفلةٍ من اللحاقِ بهِ انقضَّ عليهِ ممزِّقاً ومُعَذِّباً لِمصدرهِ!.
وإذا كانَ الحالُ على هذا النحوِ من المخالَفاتِ التي تعاندُ من يبغونَ حياةَ الحياةِ، بل حريةَ الحياةِ كما أرادها خالقها الواحدُ الأحدُ فإنَّ هناكَ رجالاً أَشِدّاءَ استطاعوا بصدقِ عقيدتهم وقوةِ إيمانهم بنصرِ اللهِ لعبادهِ المخلصين قهرَ عذابِ السَّجّان، وجَعْلِ ظلمةِ ليلِ السجنِ البهيمِ نوراً انطلقوا به لينيروا طريق الفجرِ إلى حياةِ الحياة.
ولك- عزيزي القارئ- أن تغمضَ جفونك لتبصرَ أنَّ من هؤلاءِ الأفذاذِ مَن امتشقَ قلماً ليس كقلمِ مَنْ هم يَحْيَونَ الحياةَ طلقاءَ أحرارا، وتصيَّدَ بصيصاً من ضياءٍ نهارٍ أو مصباحٍ يمتدُّ شعاعُهُ المُقّيَّدُ خَجِلاً لِيلتمسَ منهُ نوراً يحتاجُهُ ليصلَ بِهِِ إليه؛ لِيَنقُشَ بهِ إبداعاً يهزمُ القيدَ وأهلَه!.
ولكَ أيضاً- عزيزي القارئ- أنْ تنظرَ إلى هذا الإبداعِ وهو يخرج من بين خَلجاتِ صدرٍ أَنَّ منْ تكيُّفهِ وحالاتِ جلوسِ صاحبِه، واحتضانهِ لأوراقٍ عثرَ عليها بشقِّ الأنفُس: فهو متربِّعٌ، أو َمُقَرْفِصٌ، أو جالسٌ عليهما بل على ركبتيهِ- كما نقول-، أو مادٌّ رجليهِ، أو هو يضعُ الورقةَ على أرضٍ غيرِ مستويةٍ لينحنيَ عليها حانياً حُنُوَّ الأمِّ على ولدها، ونافخاً فيها من ذاتِهِ قصةَ صناعةِ الحياةِ بإرادةِ المنتصِرِ على أعداءِ الحياةِ!. وإذا كان هذا هو حالُ إبداعِ السّجون يخرجُ من مَحْبسين: محبس السجن، ومحبس معاناة الأديب وهو يَنْسِجُ التَّجْربةَ الأدبيةَ كلماتٍ وجُمَلاً وصوراً بديعةً، فهلْ يَجوزُ لنا أنْ نعْدِلَ عن تسميتهِ بـ" أدبِ السُّجون"، ونَسِمَهُ بمصطلحِ" أدبِ الحرية": إنه أدبُ" فكِّ القيود"، و" أدبُ العشقِ" بكلِّ معانيهِ السّامِيَة، و" أدبُ المقاومة"، و" أدب الوطن"، وما إلى ذلكَ منْ تسمياتٍ نريدُ لها أنْ تُعبِّرَ عن انتصارِ" الضَّحِيَّةِ" على" الجَلاد"، بل انتصارِ" عاشقِ الحريةِ" و" قاهرِ الظَّلامِ" على" خفافيشِ الظلامِ" و" أعداءِ إرادةِ اللهِ" سبحانهُ وتعالى في تعميرِ الكونِ، وَعَيْشِ أهلِهِ أخوةً متحابينَ بسلامٍ وأمان.
عزيزي القارئ، لعلكَ عشتَ شيئاً من قصةِ صناعةِ" أدبِ الحريةِ"، ولعلكَ سَتَعيْ دونَ إشارةٍ أو تنبيهٍ كيفَ خرجتْ" رُباعِيَّةُ العِشْقِ" التي حاكَها مَجْدَلِيٌّ عاشِقٌ في غياهبِ السجن إبداعاً فكَّ القيود، وكيفَ تَمَكَّنَ سِرّاً بعيداً عن صَلَفِ عيونِ السَّجّانِ من إِتْمامِ فصولِها، وكيف استطاعَ تأمينَها لِتصلَ إلينا بعدَ أن اقتحمت أسيجةً وأسواراً بِيدٍ حُرَّةٍ تُلْقِفُها إلى أَيْدٍ مِثلِها؟!.
أقول: لك عزيزي القارئَ أنْ تتخيَّلَ كيف فكَّت الكلماتُ قيودَ سجنِ راويتنا رأفت حمدونة، وكيف انبرى- بكلِّ كيانهِ متحرراً من قبضة الجلاد- ينقشُ ما يجودُ بهِ لسانُهُ التي أرادَ أنْ يُثبتَ من خلالِ أحداثِها وشخوصِها استحالةَ تكميمِ الأفواهِ الحُرَّة، وأنَّهُ لا يُمْكنُ للطّاغية- أيّاً كان جبروتُهُ- أنْ يمنعَ أنفاسَ الكلمةِ بزفيرِها الحارِّ من الانطلاقِ لتحكيَ روايةً عَجِزَ الظالمُ المستبدُّ عن إفشالِها. ولِيبرهنَ بما لا يَدَعُ مجالاً للشكّ أنَّ قيدَ السَّجّانِ وبطشَهُ- لا محالة- آفِل، وأنَّ النورَ سيبددُ الظلام، وأنَّ الظلمَ لا يَدوم؛ فإرادةُ الشعوبِ التي تنشدُ الحريةَ لابدَّ أنْ تُتَوَّجَ بتأييدِِ اللهِ I ونصرِهِ، شاءَ مَنْ شاءَ وَأَبى مَنْ أَبى.
وإنَّ لكَ- عزيزي القارئ- أَنْ تتغنى بـ" رُباعِيَّةِ العِشْقِ وأجملها رواية الشتات"؛ لأنها سَتُذَكِّرُكَ- بلا رَيْبٍ- بأدبِ الأدباءِ الثوارِ الذين خاضوا تجاربَ الثورةِ والنضالِ والمُعاناةِ والحِرْمانِ والتَّعذيبِ فكتبوا الأغنيةَ الوطنيةَ نشيداً وقصيدةً وملحمةً وزجلاً وقصةً وروايةً وخاطرةً وسيرةً ذاتيةً وغيرَ ذلك. فأنتَ إذا ما هَمَمْتَ بقراءتِها واحدةً بعد الأخرى سترى نفسكَ تعيشُ قصةَ الشَّعبِ الفلسطينيِّ في العصرِ الحديثِ وقد تكالبتْ عليهِ قوى الشرِّ والاستعباد، حيث جَسَّدَ فيها ما حلَّ بشعبِهِ من مآسٍ ونكباتٍ متتالية، لا ينهض من واحدةٍ حتى يقع فيما هو أصعبُ منه، وأجادَ التعبيرَ عن بطولاتِ أبناءِ فلسطينَ وتضحياتِهِم، وإقدامهم على كلِّ ما من شأنهِ أنْ يُسهمَ في خدمةِ قضيتِهم، وحققَ لهم تطلعاتِهم في الحريةِ والنصر.
وبالجملةِ فإنَّ الكاتبَ استطاعَ- بِحَقٍّ- التَّعبيرَ عن همومِ شعبِهِ المتنوعةِ، ومحطاتِ نضالهِ المتسلسلةِ من خلالِ عنايةٍ واضحةٍ بتسلسلِ الأجيال، ورواية " الشَّتات" تُشكِّلُ عنواناً للتَّشردِ الفلسطيني، حيثُ تدورُ أحداثُها في فلسطينَ والأردن-: هذا البلد العربيّ الشَّقيق الذي تقاسمَ وكثيراً من العائلاتِ الفلسطينيةِ لقمةَ عيشِهِ- وذلك من خلالِ عائلةٍ فلسطينيةٍ- اتّخذَ منها كاتبنا عنواناً لمأساةِ الترحالِ القهريِّ للفلسطينيين؛ فهذه العائلةُ يهاجرُ والدها من مدينةِ المجدلِ إلى القدسِ-: هذه البلدةُ المقدسةُ التي عانى أَهلُها الأمَرَّينِ فتعرَّضوا للتنكيلِ والقهرِ لِيضطروا للرَّحيلِ عنْها-، وينجبُ ولداً يسمّيهِ" نَصْراً". وعندما يكبُرُ يهاجرُ هذا الفارسُ إلى الأردن، ولكنه - رغبةً في النضالِ- يعود إلى القدسِ التي يتزوج فيها بأخرى- بعد أنْ انقطع خبرُ الوصْلِ بينه وبين زوجتهِ التي رفضتْ العودةَ معه- يُنجبُ" نصرٌ" في القدسِ منها ابنه" رفيقاً"- الذي سيغدو مناضلاً كوالِدِهِ فيشاركُ في المقاومة، ويصابُ في إحدى المعارك لينتقلَ إلى المستشفى الذي يلتقي فيهِ أختَهُ الطبيبةَ" انتصار" التي تَتَعرَّ فُ عليهِ من خلالِ ملَفِّهِ الطِّبّي.
وأشاد أ د صادق أبو سليمان من جامعة الأزهر بالرواية ، وبالتنقل فى الأحداثَ والوقائعَ وتلمس الاشارات والوقائع التاريخية والتنقل من حَدَثٍ إلى آخَرَ، ومن ثورةٍ إلى أخرى، ومن جيلٍ إلى جيل، كلُّ ذلك بأسلوبِ الرِّوائيِّ المُفْتَنِّ الذي يَشُدُّ قارئَهُ بتسلسلِ حكايتهِ وترابطِ سَرْدِها في لغةٍ سَلِسَةٍ مأنوسةٍ ، وأشار إلى براعةَ الكاتبِ في اختيارِ أسماءِ شخوصِ رواياتِهِ .
وأشاد الكاتب العربى المغربى الباحث فى السرد وتحليل د . محمد ايت أحمد بالرواية من منظور سردى جمالى فى بحث محكم خصص للرواية، أن الكاتب د. رأفت حمدونة اعتمد فى روايته هوية السرد على تمازج الواقع والتخييل ، ومن خلال هذا الابدال ينكشف صوت المقاومة والصمود الذى عاشه أبناء الشهداء مع قسوة الحياة ومع التضييق الإمبريالي، وعلى لسان السارد " رفيق " ابن الشهيد " نصر " كانت تجربته ولحظات اضطهاده وتعذيبه فى رحلة اعتقال وسجن ، يتعرف خلالها على تسعة عشر من زملاءه ، ومع كل زميل له تتصدع حكاية المأساة ويتعرى العنف الكولونيالى .
واللافت للنظر فى هذه السردية هو قالب الايجاز، الذى يدفع برحلة المعنى والنص الأكبر دون تعطيل عند التفاصيل أو بتر للأحداث أو تعليق للمروى، ان بلاغة الايجاز فى هذا النص كقيمة جمالية تستأثر الاهتمام لأنها تكسب رهان الاقتصاد اللغوى دون الاخلال بقوى الدلالات الكبرى أو النشاز فى مسار المرويات .
وغير بعيد عن الايجاز يقود الامعان فى الرواية أيضاً إلى استنتاج بنية الانتقال السلسة فى السرد ، انتقال من صوت سردى إلى آخر ، من دلالة إلى أخرى ، باستراتيجية فنية قوامها قدرة الربط والتنسيق .
وأثنى رئيس القصر الثقافي الكاتب والأديب أ.د.عبد الخالق العف على الرواية كونها تحمل رسالة وطنية أصيلة عنوانها الثوابت ، ووسيلتها المقاومة والتضحية ، وقال أخذ كاتبنا عنواناً لمأساةِ الترحالِ القهريِّ للفلسطينيين، واعتبر اختيار الأزمنة والأمكنة من جانب الكاتب موفق ودقيق ، وهناك منحى رومانسي شفاف عذب في المواضع .
وقال د. أحمد البسيوني خلال بحث خصصه عن الرواية لاحدى المؤتمرات العلمية فى مجال جمالية البناء الزمني في رواية "الشتات" للكاتب رأفت حمدونة ، يعتبر أدب السجون جزءا من التراث الفلسطيني الذي يعج بالكتابات الروائية والقصصية والشعرية, عبر الكتاب عن أهم المراحل التي يمر بها الفلسطيني في مرحلة نضاله وسعيه لنيل حريته, ودونوا في كتاباتهم فضائح وجرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الأسرى الفلسطينيين, وإثباتهم الحق الفلسطيني في أرضه والحفاظ على هويته الوطنية الفلسطينية.
وتناول البحث رواية "الشتات.. الحب, المقاومة, السجن والحرية" للكاتب رأفت حمدونة باعتبارها رواية واقعية تسجيلية, تؤرخ واقع الشعب الفلسطيني المأساوي, حيث جسدت التضحية والكفاح الفلسطيني, كما وثقت حياة الأسرى ومعاناتهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي من تعذيب وضغوطات نفسية, يركز البحث الموسومة ب "تقنية الزمن الروائي في رواية " الشتات" على بنية المفارقة الزمنية والإيقاع الروائي: (الاسترجاع والاستباق, التلخيص والوقفة والمشهد) في محاولة لكشف المكونات الفنية لتقنية الزمن الروائي في رواية "الشتات" للكاتب رأفت حمدونة, متخذا من النص ومساءلته مساراً لتحديد بنيتها لكونها وسائل رئيسية للسرد الروائي, إذ تسهم في رسم الشخصيات, وتكشف عن مستواها الثقافي, والاجتماعي, والفكري, وتربطها بالأحداث, وذلك لإضاءة بعضها من خلال التلاعب بتقنية الزمن أو لتقديم ما انغلق منها, بهدف دفع عجلة الأحداث إلى الأمام, ولإضفاء الحيوية والتجدد على النص, وتشويق القارئ وحثه على الاستمرار في القراءة.
وقد وظف الباحث هذه التقنيات لتنويع أسلوب السرد, والإحاطة بتفاصيل الأحداث وربطها بالحدث الرئيسي من خلال التلاعب بالنظام الزمني، واستطاع الكاتب تجسيد معاناة الأسرى وآلامهم والصعوبات التي يمرون بها في سجون الاحتلال الإسرائيلي بغية تحطيم معنوياتهم وعدم العودة إلى متابعة النضال والدفاع عن حقوقهم وعن أرضهم ووطنهم, قص لنا الكاتب من خلال الرواية أخبارا للأسرى وتضحياتهم وآلامهم وبعدهم عن أهاليهم, وانقضاء العمر في عزلتهم في السحن, كشف الكاتب في رواية عن الأساليب الوحشية القذرة التي يتبعها الاحتلال في التحقيق مع الأسرى وبرزت دنيوية هذا المحتل الذي لا يعرف الإنسانية, فيما وفق في استخدامهم لتقنيات الزمن فاستفاد من الاسترجاع والاستباق والتلخيص والوقفة والمشهد في تصوير حال الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الناقدة الأستاذة آسيا الكيلاني خلال بحث خصصه عن الرواية فى مؤتمر علمى محكم فى مجال سيمياء أسماء الشخصيات في رواية الشتات للكاتب والأسير رأفت حمدونة ، يعد أدب السجون إحدى النتاجات الأدبية التي يعبر من خلالها الكاتب عن معاناته خلف عتمة الأقبية وظلام الزنازين، حيث يعد صورة حية وواقعية للمعاناة التي مروا بها وعايشوها، ورواية الشتات هي إحدى إبداعات الكاتب والأسير الفلسطيني رأفت حمدونة، التي تناول فيها واقع الشعب الفلسطيني المرير، وعرض لجانب الضغط النفسي والجسدي الذي يحياه الأسير خلف قضبان الاحتلال بعيدًا عن أهله وأرضه، وهذه الدراسة تهدف إلى الوقوف على أسماء الشخصيات، كون الشخصية أحد عناصر الرواية الرئيسة، ولما يشكله اسم الشخصية من وسيلة مهمة يعمد إليه الكاتب في تعميق الفكرة من خلال الرمز والايحاء اللذين يحملهما المدلول اللفظي للاسم، فالكاتب العالم ببواطن شخصيته، هو الذي يجعل اللقاء بين الشخصية والفكرة أمرًا حتميًا تقوم به الدلالات والإشارات الخاصة بالأسماء، وبذلك كان اسم العلم علامة لغوية، وإشارة سيميائية دالة تميّز الشخصية عن غيرها.
وبعد الوقوف على سيمياء أسماء الشخصيات في رواية الشتات إلى أن الكاتب رأفت حمدونة أبدع واجتهد في اختيار أسماء شخصياته، حيث اختارها بدقة وعناية خدمت دور الشخصية والغرض الذي وظفت من أجله في المتن الروائي، فأسمائه لم تكن عشوائية بل إن الاسم طابق معناه مُشَّكِلاً بذلك علامة وإشارة سيميائية ساعدت المتلقي منذ الوهلة الأولى في بناء انطباعه عن طبيعة الشخصية وصفاتها انطلاقًا من دلالات الاسم ومعناه والتي لم تشهد انزياحًا عنها.
وفى قراءة للكاتب الحيفاوى الأستاذ حسن عبادي قال رواية "الشتات" للأسير المحرّر د. رأفت خليل حمدونة تدورُ أحداثُ الرواية في القدس والأردن، وأهاليها المهجّرين في الشتات يحلمون بعودة قادمة لا محالة، اللجوء والعودة والنضال هو في سبيل استرداد حقّ مسلوب، أرض الآباء والأجداد في المجدل ومقدّساتنا في القدس، والاعتقال هو ضريبة إلزاميّة دفعها غالبيّة أبناء شعبنا الأحرار من أجل الحريّة والوطن السليب، والأسير هو أصدق من يحكي الحكاية...فلنسمع لما يقوله! وليس صدفة أنّ العنوان "الفرعي" للرواية - الحب، المقاومة، السجن والحريّة.
جاء الكاتب موفّقًا باختيارِه لأسماءِ شخوصِهِ؛ رفيق، نصر، خالد، لطيفة، انتصار، نعمة، ابراهيم، محبوبة، محمد، منال، الشيخ حسن، أبو يوسف وغيرها، فلكلّ اسم دلالاته ودوره في الرواية ويحكي حكاية صاحبه، بلغة سلسة وبسيطة بعيدة عن التعقيد ومحاولة شدّ العضلات المقيت.
أثناء لقائي بأسرى يكتبون وجدتهم يشعرون بالحرية رغم الاعتقال وظلمة الزنازين، يحلّقون نحو الحريّة ليعانقوا شمسها بنقاوة وصفاء، فأوسلو وموبقاتها لم تلوّثهم، يشعرون بالفخر والاعتزاز حاملين تفاؤلهم على أكتافهم...فغدًا ستهتزّ أبواب زنازينهم لتبتلّ أرجلهم في مياه بحر حيفا .
يحملون الهمّ الفلسطيني، لكلٍّ حكايته وقصّته، والكتابة متنفّسهم، فما كتبه رأفت جاء صافيًا صادقًا دون رتوش، وهنا تكمن أهميّته، يحلم بغدٍ جميل وأفضل لأنّه لا يريد لتضحيته أن تذهب سدىً، كتابة الأسير ونشرها تحدّي للمحتل ومقاومة للسجّان وقيوده.
رواية (الشتات بالعربية والانجليزية) للكاتب والأديب الدكتور رأفت حمدونة * والذى أمضى فى السجون والمعتقلات الاسرائيلية 15 عاما متواصلة
الرابط باللغة العربية: اضغط هنا
الرابط باللغة الانجليزية: اضغط هنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعمال الكاتب د. رأفت خليل حمدونة
كتاب " الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين صادر عن وزارة الاعلام الفلسطيني/ رام الله – الإدارة والتنظيم للحركة الأسيرة صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين / رام الله – الجيش الاسرائيلى مركبات القوة والانحطاط الصادر عن مركز أطلس للدراسات – غزة –نجوم فوق الجبين - صرخة من أعماق الذاكرة - ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة " ، وأربع روايات أدبية مطبوعة " عاشق من جنين – قلبي والمخيم – لن يموت الحلم – والشتات " طبعة أولى 2005 وطبعة ثانية 2015 وتم ترجمتها للانجليزية فى 2015" .