قائمة الموقع

بالصور "حبٌ حربٌ" و"شيرين أبو عاقلة".. فنانٌ غزيَّ يقاوم المحتل بالفن الانطباعي

2023-02-25T20:21:00+02:00
الفنان الفلسطيني باسل المقوسي (7).jfif
شمس نيوز - مطر الزق

تتعدد أوجه المقاومة في فلسطين، فكما أنَّ للمقاومة والثورة صوت مدوٍّ في قلوبنا وآذاننا وعقولنا يتمثل في البنادق وطبول الحروب، فهناك مقاومة لا تقل عنها شراسةً وايلاماً إنها المقاومة بـ"الفن"، وربما يسعفنا شيخ الثورة الزعيم ياسر عرفات في مباشرةِ مقدمتنا بقوله: "الثورة ليست فقط بندقية، إنما هي ريشة فنان، وقصيدة شاعر، وصوت مغني". 

ومن دونِ شكٍ فإن المقاومة مشروع إنساني، مُصافحًا الأدب ومُتشبثًا بالفنِّ الذي اعتبره المسرحي الألماني الكبير "برتولت بريشت" مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة. في السياق نفسه يقول الزعيم الشيوعي الصيني «ماو تسي تونغ» إنه «يجب جعل الأدب والفن جزءًا فعَّالًا من جهازنا الثوري، ليصبحا سلاحًا قويًّا، به نوحِّد ونثقف شعبنا، ونهاجم ونحطِّم العدو، وهو ما يؤكد قوَّة القلم والريشة والكمان والمزمار في شحذ الهمم وكسب الحروب والدفاع عن الأوطان. 

هذه المقدمة تسحبنا للإيغال في لوحاتٍ الفلسطيني باسل صلاح المقوسي (52 عامًا) الذي يصارع الرواية الإسرائيلية من "نقطة صفر" بريشته، والوانه، وحسه المرهف، وثقافته الوطنية الوافرة.

الفنان المقوسي لفت أنظار الفنانين في العالم أجمع على جوانب شتى في القضية الفلسطينية، من خلال رسم الواقع والأحداث الحقيقية التي تشهدها فلسطين، لا سيما الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر البشعة التي يرتكبها جنود الاحتلال بحق أبناء شعبنا الأعزل.

"حب حرب، ثورات الأمم، جدارية شيرين أبو عاقلة، قبة الصخرة"، وغيرها الكثير من المشاريع واللوحات الفنية التي أنتجها الفنان المقوسي؛ ليوثق برسوماته الحقيقة الطبيعية كما تراها العين مجردة من عمليات التخيُل أو "التزويق" التي ينتهجها بعض الفنانين والمصورين.

عودة إلى البداية!

باسل المقوسي هو فنان فلسطيني ولد عام 1971 في قطاع غزة، عشق الفن والرسم منذ ميلاده، فقد أجاد بشكل لافت بتنمية مهاراته الإبداعية في الفن الانطباعي، إذ تلقى منذ ميلاده التشجيع والتأييد من والده الأستاذ الفنان المرحوم صلاح المقوسي أستاذ العلوم الفنية في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في جباليا.

ورغم اتقان باسل الفن الانطباعي؛ إلا أن دراسته الجامعية كانت في مجال مختلف تمامًا عن الفن، إذ درس العلاقات العامة والإعلام، ليعمل في جمعية جباليا للتأهيل وخلالها استعاد نشاطه الابداعي وأصبح معلمًا للفنون والرسم لرواد الجمعية.

يقول الفنان باسل المقوسي لـ"شمس نيوز": "أول من دفعني وعلمني الرسم والفن هو والدي صلاح -رحمه الله-، فكلما اندفع إلى الرسم أو تصحيح كراسات طلاب المدارس كنت أراقبه جيدًا، حاولت تقليده مرات عدة، وفي كل رسمة أجد منه التشجيع، وكلمات الثناء والمحبة والعطاء، فأحببت مجال الرسم والفن".

وزاد عشق باسل للرسم والفن بعد تلقيه كلمات الثناء والإعجاب من المدرسين، إذ يُشير إلى أن "الفن لم يكن ضمن اهتمام المدرسين؛ لكن مشاهدة رسوماتي الفنية كانت تنال اعجابهم وتأييدهم؛ فحصلت على اهتمام كبير جدًا لا سيما من بعض المدرسين الذين طبعوا أسمائهم في قلبي".

انتقل باسل بعد 12 عامًا من مرحلة الدراسة الابتدائية إلى مرحلة جديدة؛ ليصنع شخصيته وذاته، فوجد نفسه أمام القلم والريشة، كان يدرس الإعلام والعلاقات العامة، وعند عودته إلى البيت كان شيء ما بداخله يدفعه ليقف أمام لوحة بيضاء يرسم ما تقع عليه عيناه، فأعجب برسوماته وبدأ يطور نفسه ذاتيًا من خلال الدورات، واللقاءات الفنية، وعبر التلفاز، والانترنت.

توقف باسل من سرد تفاصيل حياته وعاد به الزمن إلى عام 1994م، يستذكر في تلك الفترة إعلان جمعية الشبان المسيحية عن دبلوم "الفن والرسم"، هنا تحقق حلمه وبدأ يسعى للتسجيل بهذه الدورة المميزة والتي حصل عليها بل نال شهادة التميز.

لم يتوقف باسل عند شهادة الدبلوم، فقد بذل مجهودًا كبيرًا؛ لتطوير ذاته وأداءه المميز، تحديدًا عام 2000 بدأت رحلة باسل تتشكل، عندما انطلقت شرارة الانتفاضة واشتدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق الفلسطينيين العزل.

"محمد الدرة"، "فارس عودة"، "مجزرة تلو مجزرة"، كلها أحداث وانتهاكات إسرائيلية ما زالت مستمرة دفعت الفنان باسل، لرسم اللوحات الفنية الانطباعية، إذ تلقت رسوماته الفنية إعجاب الكثير من وسائل الإعلام المحلية والعربية ما وضعه أمام مسؤولية كبيرة.

مرت سنوات عدة بعد انتفاضة الأقصى ورسومات باسل التي وجدت صدى واسع عبر وسائل الإعلام؛ ليجد نفسه أمام واقع صعب جدًا، حصارٌ إسرائيلي وانقسام فلسطيني، في هذه المرحلة تعرض باسل كغيره من الفنانين لصعوبات عدة.

رغم الواقع الصعب؛ إلا أن باسل تمكن بجهود ذاتية برفقة أصدقائه الفنانين من تمثيل فلسطين بمعارض إقليمية ودولية في "الأردن وأمريكا والجزائر وإسبانيا وإيطاليا"، إضافة إلى الكثير من دول العالم، ومع ذلك واجه صعوبة كبيرة في عرض لوحاته الفنية، قائلًا: "لا نستطيع عرض رسوماتنا ولوحاتنا الفنية في المعارض الدولية؛ لأن شحن اللوحات مكلف جدًا".

ويُشير باسل إلى أنه يستطيع شحن 3 لوحات فقط، وهذا الكمية لا تكفي للمعارض الدولية، مرجعًا السبب إلى التأمين والجمارك وغيرها من الرسوم المرتفعة في المعابر، إذ أكد أن الفترة الماضية بدأ يستخدم الطباعة الرقمية لتخطي العوائق التي تقف أمامهم.

يعود باسل إلى الوراء قليلًا حينما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مدينة جنين بالضفة المحتلة، قائلًا: "جميع اللوحات التي أرسمها تعجبني كثيرًا؛ لكن اللوحة الفنية لمراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، من أكثر اللوحات التي تعجبني فهي قريبة مني؛ لأنها توثق حشد الجماهير الكبير الذي شيعت جثمانها الطاهر".

ويستذكر باسل رسوماته بعد حرب 2008-2009 وبعد "ثورات الربيع العربي" حينما أنتج مشروع بعنوان "حب حرب" كانت نتيجته 60 لوحة فنية من مختلف مناطق الصراع، يقول: "كلما شاهدت رسوماتي في مسيرات شعبية بدول العالم كنت أشعر بالفخر والعزة والمسؤولية تجاه قضيتي فلسطين ليزيد إصراري على مواصلة مشروعي وحلمي لتمثيل بلادي في جميع المحافل الدولية".

"الفن يحمل رسالة سامية وهو سلاح فعال من أسلحة المقاومة، يستخدمه باسل لنقل الواقع المر الذي تعيشه فلسطين، فكل يوم هناك شهداء، ومجازر، وأزمات متجددة، ويهدف باسل من خلال ذلك دفع العالم ونشطاء السلام والأحرار في كل مكان للدفاع عن فلسطين وشعبها ضد المحتل الإسرائيلي.

وخلال نقل الواقع الفلسطيني اصطدم باسل كغيره من أصدقائه الفنانين بواقع الانقسام، إلا أنه يؤكد استمراره بنقل رسالة شعبه بأقل الإمكانيات المتاحة؛ مشيرًا إلى أن الانقسام أثر بشكل كبير على أداء الفنانين، فلا يوجد معارض مشتركة ولا ورش عمل للمثقفين، ولا حتى دعوات لإدخال مواد مخصصة لرسم اللوحات الفنية، ولا يوجد اهتمام عبر وسائل الاعلام أو من قبل وزارتي الثقافة في غزة والضفة.

ويأمل باسل كغيره من الفلسطينيين بمختلف المهن والمواهب إنهاء حالة الانقسام ورفع الحصار ليتسنى للفلسطينيين العيش بحياة كريمة معززة كغيرهم من أبناء العالم أجمع، وتنظيم معارض لعرض لوحات فنية فلسطينية وعربية ودولية، وأن تصبح فلسطين مقرًا لاستقبال الزائرين من كل أنحاء العالم.




































 

اخبار ذات صلة