يتجه البنك المركزي المصري إلى اتخاذ قرار بخفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار خلال شهر آذار/مارس الجاري، وذلك للمرة الرابعة خلال عام واحد، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تضرب البلاد، وتجدد أزمة نقص العملة الصعبة، دفعت عددا من البنوك الحكومية والخاصة إلى التوقف عن فتح اعتمادات مستندية جديدة أو مستندات تحصيل للمستوردين.
وتعاني مصر من فجوة تمويل كبيرة تقدر بنحو 17 مليار دولار وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي الذي وافق في 16 كانون الأول/ديسمبر الماضي، على تقديم قرض للحكومة المصرية بقيمة 3 مليارات دولار، وفق برنامج إصلاح مالي يمتد إلى نحو 4 سنوات، ويتوقع - بحسب البرنامج- الحصول على قروض بقيمة 14 مليار دولار من خلال شركاء دوليين وإقليميين لسد هذه الفجوة.
ويترقب السوق المصري صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي البالغ 3 مليارات دولار، والمقرر إرسالها إلى مصر منتصف آذار/مارس الجاري وتقدر بنحو 347 مليون دولار. بعد الشريحة الأولى التي تم استلامها أيلول/سبتمبر الماضي بنفس القيمة. ليتبقى بذلك 7 شرائح من قيمة القرض والمقرر استلامها في آذار/مارس وأيلول/سبتمبر من كل عام على مدار 4 سنوات بموجب الاتفاق مع الصندوق. (مع العلم بأن كل شريحة من الشرائح التسع تقدر بنحو 347 مليون دولار).
"شروط الصندوق"
ويأتي "تعويم الجنيه" على رأس شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على القرض، إلى جانب اشتراط تخارج الحكومة من المشاريع الاقتصادية، وفتح مساحة أكبر لـ"الخصخصة"، وتوقف عمليات الدعم المنفذة من قبل البنك المركزي المصري لدعم خطط الإقراض واعتماد الضبط المالي، وكذلك إدارة الديون من أجل الالتزام بمسار تنازلي للدين العام بالنسبة للناتج الإجمالي المحلي، والعمل على احتواء الاحتياجات التمويلية الإجمالية لسداد فجوة التمويل، وفقا لتصريحات رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي، إيفانا فلادكوفا هولار، خلال مؤتمر صحفي في مقر الصندوق بالعاصمة الأمريكية واشنطن، كانون الثاني/يناير الماضي.
وفي السياق، توقعت 4 بنوك عالمية، هي كريدي سويس السويسري، وبنك أوف أمريكا، وسوسيتيه جنرال الفرنسي، في تقارير منفصلة، هبوطا قياسيا جديدا للجنيه المصري مقابل الدولار خلال الشهر الجاري. وسجل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، اليوم الأربعاء، وفقا لبيانات المركزي المصري 30.6 جنيها للشراء، و30.7 جنيها للبيع.
وقال تقرير صادر عن بنك كريدي سويس إن الجنيه المصري سيشهد تراجعات جديدة مقابل الدولار الأمريكي، متوقعا أن تنخفض قيمته إلى 35 جنيها للدولار الواحد خلال شهر آذار/مارس الجاري، وذلك لعدة أسباب أبرزها عدم وضوح برنامج طروحات الشركات الحكومية.
وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت مصر عن برنامج لطرح 32 شركة حكومية بالبورصة المصرية بينها شركات تابعة للقوات المسلحة، مع التخارج من قطاعات بعينها بنسب تصل إلى 30 بالمئة وأخرى بنحو 65 بالمئة. وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة المصرية عن برنامج لطرح شركات تابعة لها وللجيش في البورصة، فقد سبق وأن أعلنت عن برنامج مشابه تلبية بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، لكن لم تنفذ معظمه.
وتوقع بنك أوف أمريكا أن يشهد الجنيه المصري سلسلة تراجعات مقابل الدولار الأمريكي، دون أن يضع حدودا لمستويات التراجع، فيما توقع بنك "إتش إس بي سي" البريطاني أن يصل سعر الدولار في سوق الصرف المصري خلال فترة قصيرة إلى 35 جنيها.
وقبل يومين توقع بنك سوسيتييه جنرال الفرنسي، أن تفقد العملة المصرية نحو 10 بالمئة من قيمتها خلال شهر آذار/مارس الجاري لتصل إلى 34 جنيها للدولار الواحد. قائلا إن "تزايد الديون أدى إلى حاجة الدولة إلى عملة أرخص، مع اتساع عجز الحساب الجاري والنقص الحاد في الدولار".
وأضاف البنك الفرنسي: "على الرغم من فقدان الجنيه 50 بالمئة من قيمته خلال عام، بعد خفض قيمته ثلاث مرات، فإن العملة لم تصل بعد إلى سعر صرف متوازن قصير الأجل".
هبوط مفاجئ
وخلال الساعات الماضية، شهد السعر الرسمي للجنيه المصري مقابل العقود الآجلة غير القابلة للتسليم (أجل 12 شهرا)، هبوطا مفاجئا إلى مستويات الـ 37 جنيها للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى له في التاريخ، وفقا لوكالة "بلومبيرغ" الأمريكية. وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية بنحو 55 نقطة إلى 1047 نقطة، وهو الأعلى خلال 2023. كما سجلت السندات المصرية الدولية، أسوأ أداء بين سندات الأسواق الناشئة، خلال تعاملات أمس الثلاثاء، بعدما تراجعت بين 2 إلى 3 بالمئة.
يشار إلى أن، اليوم الأربعاء، هو بداية التداول على الصكوك الإسلامية السيادية التي طرحتها الحكومة المصرية الأسبوع الماضي في بورصة لندن، بقيمة مليار ونصف المليار دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بعائد 11 بالمئة وهو الأعلى عالميا.