غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

لتلاشي ما حدث في حوارة

ما هي الطريقة الأنسب للحماية من اعتداءات المستوطنين؟.... جيل الانتفاضة الأولى يجيب

مجزرة حوارة.jpeg
شمس نيوز - وكالات

 حالة من الرعب عاشتها قرية حوارة، شمالي الضفة الغربية، بعد هجوم مئات المستوطنين على منازل وممتلكات السكان بالحرق والتخريب، مما أعاد إلى الأذهان مشاهد حرق المستوطنين منزلَ عائلة دوابشة بقرية دوما في نابلس قبل 8 سنوات.

الحاج محمد حسين الضميدي (65 عاما) يسكن مع زوجته في منزلهما المقام على أعلى منطقة في القرية والأقرب لمستوطنة يتسهار، التي يخرج منها أشد المستوطنين عداوة للفلسطينيين، فكان من أوائل المنازل التي تعرضت للاعتداء.

حاول المستوطنون إحراق الطابق الأول من منزل الضميدي، لكن وجود الشباك الحديدية حول الأبواب والنوافذ حال دون ذلك، يقول الابن هادي: بحكم تعرض منزلنا لاعتداءات المستوطنين أكثر من مرة، أحكمنا إغلاق النوافذ بشباك من حديد وكذلك الأبواب وكأننا في سجن".

بالنسبة للضميدي، فإن حرق عائلة دوابشة شكّل نقطة تحوّل في تعامل العائلة مع اعتداءات المستوطنين، وباتوا أكثر حذرا من قبل.

في ذلك الحين، أي بعد حرق عائلة دوابشة عام 2015، كانت الحماية مطلبا لعائلة الضميدي وغيرها من المواطنين من الجهات الرسمية الفلسطينية، وهو مطلب الآن أيضا ليس لسكان حوارة فقط الذي يبلغ عددهم 7 آلاف فلسطيني، بل لكل المواطنين في مناطق الاحتكاك مع المستوطنين الممتدة من شمال الضفة حتى أقصى الجنوب.

والإجابة التي كانت وتكررت بعد هذه السنوات أن الحماية المتاحة هي "لجان الحراسة الشعبية"، وخلال زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني إلى حوارة أمس الأربعاء قال إن "تشكيل لجان الحماية الشعبية في القرى والمخيمات والمدن هو الرد الحقيقي على كل ما يقوم به المستوطنون من عربدة".

هذا الأمر ليس خيارا للقيادة السياسية فقط، بل للأحزاب والفصائل والفعاليات الشعبية أيضا، وهو ما يطرح التساؤل عن سبب عدم فعالية هذه اللجان التي شكلت للتصدي لاعتداءات المستوطنين على امتداد وجودهم بالضفة الغربية.


170 لجنة مشكلة


عصام بكر منسق القوى الوطنية والإسلامية في رام الله يقول إنه على الرغم من تشكيل اللجان بعد حرق عائلة دوابشة، فإنها لم تكن فاعلة، مما دفعهم -أي القوى والفصائل- إلى إعادة تشكيلها عام 2018.

إعادة التشكيل هذه المرة كانت على أسس ودراسة وزيارات ميدانية لمناطق الاحتكاك، وفيما بعد تم تشكيل 170 لجنة حراسة شعبية بمشاركة من الفصائل في القرى والبلدات، وبتعاون من المؤسسات من أندية وجمعيات، بالإضافة إلى دور للمؤسسات الرسمية.

وعن سبب عدم فاعلية هذه اللجان على كثرتها وتبنيها من قبل الحكومة الفلسطينية، قال بكر -في تصريح للجزيرة نت- إن المشكلة تتمثل في عدم الاستمرار، وعدم وجود إستراتيجية واضحة لعملها، ونقص الإمكانيات المالية والبشرية.

ضعف الإمكانيات المادية، الذي تحدث عنه بكر، كان له التأثير الأكبر على استمرار بعض هذه اللجان، ورغم أنها لجان شعبية من أهالي البلدة المتطوعين، فإنها تحتاج للحد الأدنى من الدعم، وفقما يقول غسان النجار الناشط في مقاومة الاستيطان في بلدة بورين، في تصريح للجزيرة نت.

بلدة بورين مجاورة لحوارة، وهي بؤرة لاعتداءات المستوطنين لقربها من مستوطنة يتسهار، وسجلت في سنوات سابقة أنجح نماذج لجان الحراسة الشعبية حتى العام 2018.

وبحسب النجار، فإن الاستمرار عمل اللجنة بشكل فاعل كان بحاجة لدعم حكومي ومؤسساتي أكبر، مضيفا "كنا نعمل بالحد الأدنى من المقومات، 5 سنوات حاولنا دعم المبادرة بما نستطيع، لكن ضعف الإمكانيات حال دون الاستمرار".

وانتقد النجار الدعم المقدم من الجهات الرسمية، وقال إنها لا توزعه بشكل عادل على كل اللجان، بل توزع وفقا لاعتبارات فئوية وحزبية، موضحا أن فعالية هذه اللجان أسهمت في إحباط العشرات من الاعتداءات والهجمات على قريته وحماية سكانها.


نموذج الانتفاضة الأولى

ورغم الظروف التي تحدث عنها النجار وأدت إلى عدم استمرار عمل لجنة الحراسة في قريته، فإن تجربة الأهالي في قرية المغير الواقعة شمال شرق رام الله (وسط الضفة) توضح أهمية هذه اللجان.

في المغير لا يوجد مستوطنات مقامة على أراضيها، وإنما بؤر استيطانية جديدة أقيمت في مكان معسكر للجيش البريطاني والذي يسيطر عليه جيش الاحتلال الإسرائيلي حاليا، ولكن سبب اعتداءات المستوطنين الدائمة على المناطق الزراعية والمنازل القريبة منها هو شارع "أيالون الاستيطاني"، الذي أقامته إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي على امتداد الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها، وقسّم القرية إلى قسمين.

وزادت اعتداءات المستوطنين على القرية خلال السنوات الأخيرة، مما جعل الأهالي يشكّلون لجنة حراسة بإمكانيات ذاتية منذ الاعتداء على عائلة دوابشة سنة 2015.

يقول كاظم الحاج محمد، أحد نشطاء هذه اللجنة، للجزيرة نت إن عملها في حراسة القرية 24 ساعة في اليوم لم يتوقف يوما منذ تشكيلها.

يقسم النشطاء الحراسة على مناوبتين، يعتمدون فيها على مجموعات على مواقع التواصل الإجتماعي، تبلّغ القرية بأي اعتداء للمستوطنين، وخلال دقائق يكون أهاليها بالكامل في المكان، مما منع عشرات الهجمات، وإن لم يوقفها بالكامل.

وبحسب الحاج محمد، فإن كل الخطابات الإعلامية التي يتغنى فيها المسؤولين بلجان الحماية الشعبية هي للاستهلاك الإعلامي، وعلى الأرض لا يوجد أي دعم ولا متابعة.

الآلية التي تعمل بها لجنة الحماية في قرية المغير تشابه إلى حد كبير ما كانت عليه خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، التي تعتبر من المحطات التي صقلت هذه التجربة الممتدة من الانتداب البريطاني، مع فارق تطوير الوسائل والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي.

ففي الانتفاضة الأولى كان الاعتماد على توزيع الشبان على مناطق متعددة، ويتم التبليغ عن أي هجوم للاحتلال ومستوطنيه من نقطة إلى أخرى وصولا إلى أقرب مسجد للقرية والنداء عبر مكبراته للتجمع.

هذه اللجان كانت ذات فعالية كبيرة ونقطة قوة للفلسطينيين، وكان للأحزاب الدور الكبير في تلك الفترة، إضافة إلى انخراط كل فئات المجتمع في العمل الشعبي المقاوم، كما يقول منسق اللجنة الشعبية الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل العنصري جمال جمعة.


بحاجة لتطوير شكلها وعملها


جمعة واكب هذه اللجان خلال الانتفاضة الأولى، ويعتقد أنه من أجل نجاح التجربة الآن فإنها بحاجة لتطوير في شكلها وعملها، وتنسيق مع قوى القرى والفاعلين، وألا يكون العمل بمعزل عن القاعدة الشعبية.

وتابع جمعة، في حديث للجزيرة نت، "الأصل أن مسؤولية حماية المواطنين الآن تقع على عاتق السلطة وأجهزتها الأمنية، ولكن مع عدم توفيرها هذه الحماية، فإن لجان الحراسة هي البديل".

بيد أن العمل في هذه اللجان بالطريقة التقليدية لن يكون كافيا، بحسب جمعة، فهذه اللجان بحاجة إلى تدريب مجموعات جاهزة للرد على نمط القيادة الموحدة للانتفاضة الأولى.

وفي تقييمه للجان الحراسة السابقة، قال "كانت تجربة يمكن أن تثمر ولكن للأسف أُحبط المشروع بسبب عدم أخذها على محمل الجد، والعمل العشوائي دون إستراتيجية"، مشيرا إلى أن النماذج الناجحة كانت النماذج التي لم يكن للمؤسسات الرسمية والمدنية تدخل في عملها وتشكيلها.

مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، يوضح إشكاليات الدعم من قبل هيئة الجدار والمؤسسات الحكومية، قائلا إن هذه اللجان شكّلها في الأساس أهالي المنطقة ذاتها، وما يتم تقديمه لها هو للإسناد والتشجيع.

وتابع أبو رحمة للجزيرة نت "نوفر كل الاحتياجات التي نستطيع توفيرها وفق إمكانياتنا المالية البسيطة، لكن من الصعب تقديم رواتب لهذه اللجان، لأن ذلك من شأنه إفشال عمل وروح هذه اللجان التطوعية"، معتبرا أن استمرار هذه اللجان في عملها يحتاج إلى جرأة ونفس طويل من قبل المجتمعات المحلية.