غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

مسيرة البطل المقدام وأسد الأغوار أيمن دراغمة

أيمن دراغمة
شمس نيوز - إعلام الضفة

في الفاتحِ من مارسْ عام 2002م، كان قلبُ الفارسْ يَخطو سَريعاً نَحوَ أَشْرِعَةِ الشمسْ، وَجَسَدُهُ الطاهرْ يَفِيضُ شَوقاً للقاء. كانوا يَبْحَثونَ عنهُ أياماً وليالي.. كانَ تَحتَ الشمسْ مُخَضَّبَاً بدمه، إلى جِانبِ شَجَرَةِ زَيتون، يَحتضنُ شَقِيقَهُ الشهيد عبد القادر، وَيَسْتَعدُ لاستقبال شقيقه مُعمَّر الذي سَيَلْحَقُ به بعد أشهرٍ قليلة.

كانتْ طُوباس تَسْتَقْبِلُ دِرْغَامَهَا في العشرينَ من نِيسان عَامَ 1975م، في بيتٍ مُشَيَّدٍ بالرجالِ المؤمنين. دَرسَ المرحلةَ الابتدائيةَ، وقبل أنْ يَجْتَازَهَا، كان يَجْتَازُ الحواجزَ والحدودْ مع صديقِ طُفُولتهِ الشهيد أشرف الحمزة، لمواجهة قواتِ الاحتلال. فقد كانَ استشهادُ شَقِيقًهِ عبد القادر في انتفاضةِ الحجارةِ، قد تَركَ أثراً بالغاً في نفسه. 

كانَ السجنُ مَوْعِدَهُ للمرةِ الأولى عامَ 1988م، بِرفقةِ شقيقهِ مُعَمَّر، وصديقهِ أشرف الحمزة. فكانَ السجنُ مدرسةً، تُعَوَّضَهُ عمَّا فات من أيامِ دراسته، فَأخَذَ يُعلَّمُ نَفْسَهُ، فحفظ القراَن الكريم كاملاً، واَلاف الأحاديث النبوية، وقرأ الكتب والمجلدات والتفاسير، حتى صار مُعلَّمَاً فذَّاً يشار له بالبنان. 

لم تَتْرُكُهُ السجونُ، ولمْ يتراجعْ عن دَرْبِهِ، وحينَ يَخْرُجْ كانتْ شوارعُ طوباس والأغوار، ترى فِعْلَهُ المشهود، بِضَرْبِ الحجارةِ والقنابل، والجبالُ تَحْتَضِنَهُ وتُخَبّئَهُ من عيونِ الليل، يُلَمْلِمُ الرصاصَ ويرصدُ الجنودَ، ويَسْتَعِدُ للمواجهة.

دَاهَمَتْ قواتُ الاحتلال مَنْزِلَهُ، واعتَقَلتْهُ بتهمةِ التخطيطِ لاغتيالِ الوزير الصهيوني "ديفيد ليفي" في منطقةِ الأغوار، وحُكِمَ عليهِ بِالسجنِ أربعَ سَنَوَات، وخَرجَ بَعْدَ سَنَتَيْن، عَقْبَ اتفاقية أوسلو.

في السجنِ، تعرَّفَ إلى الشهيد القائد نُعمان طحاينة والكاتب محمد فارس جرادات، ومضى على الدربِ المستحيلِ، جَوادَاً بَرّيَاً لمْ يُسْرَجْ بغيرِ الريح، مؤمناً بأن "زوال إسرائيل حتمية قراَنية".

لم تَمْحُ صَلابةَ أيمن، رُوحُ المرحِ في شخصيته، فقد كانَ يهوى المِزاحَ في محضرِ إخوانهِ الذين وجدوا فيه أخاً حبيباً، يُضفِي على المكانِ روحهَ الوثَّابة. 

تَرَّقَبَّ كثيراً الوصولَ إلى المسجدِ الأقصى والصلاةِ فيه، لكنهُ اعتقلَ أثناءَ ذهابِه، بتهمةِ تزويرِ الهويةِ، حيث كان قوات الاحتلال تضع صورته على قائمة أخطر المطلوبين لديها.

أُعتقلَ عَقْبَ زَواجهِ، وبَقِيَ رَهنَ التحقيقِ تُسعونَ يوماً، وأمضى ثَلاثةَ عَشْرَ فترةَ حُكْمٍ مُتَتَاليةٍ، كأطولِ فترةِ اعتقالٍ إداري، تَرَاكَمَتْ لسَبْعِ سنواتٍ ونصفٍ في سجن مجدو، وكان له دورُ الصَدَارةِ في هبَّاتِ الأسرى ضد الاعتقال الاداري، وفي واحدةٍ منها سَقَطَ الجميعُ أرضاً من شدةِ الغاز والقنابلِ الصوتية، ولكنَّهُ ظلَّ يُهاجمُ الأبراجَ بالحجارة، رغم مناشداتِ الأخوةِ له بالتوقفِ من هَولِ الموقف.

مع انطلاقةِ انتفاضةِ الأقصى، خَططَّ "أبو حذيفة"، للعديد من العملياتِ البطوليةِ، كانَ أبرَزُهَا عمليةُ غور الأردن التي أوقعتْ في جنود الاحتلال القتلى والجرحى.

وكان لهُ دورُ الإشرافِ والتوصيلِ المباشرِ للاستشهادي المجاهد أحمد عبد المنعم دراغمة، في السابعِ من أكتوبر لعام 2001م، حيث فَجَّر شهيدنا أحمد نَفْسَهُ في ضابطِ أمنِ مستوطنةٍ صهيونيةٍ قربَ مدينةِ "بيسان" شمال فلسطين المحتلة. 

تعرَّف إلى الشهيدِ القائدِ المؤسس عصام براهمة في سجن جنين، وتأثر بهِ، وعندما تعرَّض "أبو حذيفة"، للمطاردةِ، كان قد عَلِمَ أنَّ الشهيدَ عصام كان يَتَنَقَّلُ مشياً على الأقدام من رام الله حتى الخليل، فكان يتأسى بهِ في التنقلِ مشياً بين جنين وطوباس.

وعندما قرَّرّ الشهيدُ القائد المفكر نعمان طحاينة، نقلَ عملِ الشهيد المهندس خالد زكارنة من نابلس إلى جنين، أوكلَ تلك المهمةَ بكاملها للشهيد أيمن دراغمة، والذي أتمَّها خلال فترة قياسيةِ لا تتجاوز بضعَ ساعاتٍ في ظروفِ الحصار على جنين في ذلك الوقت.

كان بمثابةِ الموجّهِ والمرشدِ للشهيد القائد محمود طوالبة، وقد جَمَعَهُم الاعتقالُ في جهاز الأمن الوقائي عام 2002م، فقد رَوَى الشهيدُ محمود طوالبة لبعضِ إخوانه أنه قد وُلِدَ من جديد بما تَعَلّمَهُ واستفادهُ من تجربةِ القائد أيمن دراغمة، قائلاً قبل ملحمة جنين: "إنه أخذ رَوحاً جديدةً من دروسِ أيمن، ولن يَضيَّع دقيقةً في الفراغ". 

في الثالثِ من مارس 2002م، كانت نهايةُ الرحلة، فقد استشهد القائدُ أيمن دراغمة ورفيق دربه المجاهد فؤاد بشارات، أثناءَ قيامِهِما بزرعِ عبوةٍ ناسفةٍ على تخوم إحدى المستوطنات الصهيونية قرب منطقة المْطِلَة.

في طوباسِ، والأغوارِ، وجنين، في كل الأمكنةِ التي مرَّتْ بها خطواتُ أيمن على امتداد الأرضِ المقاتلة، كان زئيرهُ من الحدود إلى الحدود، حتى صار بعد الاغتيال أشدُّ حضورًا، كأن الروحَ التي فاضتْ من جسده قد انتشرتْ في جسد البلاد، وكَبُرَتْ حتى صارتْ جيشًا من الشهداء.