"إنّ مركزيّة القضية الفلسطينية شكّلت بوصلةَ الحركة وسراياها في توجّهها الجهادي باتجاه فلسطين، ولم تنحرف عن هذا الاتجاه، ولا خيار أمامنا لاسترجاع حقوقنا من هذا المحتل، سوى خيار المقاومة المسلّحة، الذي يجب أن يستمرّ ويتصدّر كل الخيارات، وإنّ المقاومة بمفاعيلها ستُشكّل الباعث والطاقة المتدفّقة في التمسّك والحفاظ على استمرار القضية المركزية في عقول وقلوب أبناء الأمة". كان هذا كلام القائد أكرم العجوري، خلال حديثه للميادين ضمن وثائقي "بتوقيت التاسعة".
أكرم العجوري "أبو محمد"، المولود في قطاع غزة في خمسينيّات القرن الماضي، والذي انتمى لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ انطلاقة عملها المقاوم في ثمانينيّات القرن الماضي، تسلّم مهام مختلفة على المستويات السياسية والعسكرية في الحركة، أبعده الاحتلال عن فلسطين قسراً، نتيجةً لنشاطه المقاوم ضد الاحتلال، ليستقرّ به الحال في العاصمة السورية دمشق، ويصبح في عام 2018 عضواً في مكتب حركة الجهاد السياسي، نتيجةً للانتخابات الداخلية الأولى التي أجرتها الحركة، إضافةً لمسؤوليته الرئيسة في قيادة الدائرة العسكرية للحركة.
حاول الاحتلال اغتيال القائد العجّوري في أكثر من مرة، كان آخرها استهداف منزله في دمشق بعدة صواريخ، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، مما أدى لاستشهادِ نجله معاذ ومرافقه الشخصي. وجاء هذا الاستهداف بالتزامن مع اغتيال مسؤول المنطقة الشمالية في سرايا القدس بقطاع غزة، الشهيد القائد بهاء أبو العطا، مما أدى لبداية أيام من الرد العسكري الذي قادته سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد.
وأفادت مصادر للميادين نت بحصول القائد أبو محمد العجّوري على أعلى نسبة أصوات عن دائرة الخارج، في ثاني انتخابات للمكتب السياسي لحركة الجهاد، والتي جرت أمس السبت، وأفرزت أعضاءً لدورة جديدة للمكتب السياسي للحركة لمدة أربع سنوات مقبلة.
قيادةٌ جريئة.. بمستوى التحدي والخطر
لا يمكن فصل الحديث عن قيادة أبو محمد العجّوري للدائرة العسكرية في الجهاد الإسلامي، وما أفرزته هذه القيادة من حالة التطوّر التي وصلت إليها سرايا القدس، عن سياق وجذور العمل العسكري في حركة الجهاد. فالقيادة العسكريّة التي تشكّلت من أعضاء المجلس العسكري للسرايا خاضت تجربةً جهادية لعددٍ من العقود، وهم الذين شكلّوا برفقةِ الشهيد المؤسس "محمود الخواجة" بدايات العمل العسكري النوعي في الأراضي المحتلة، ونفّذوا عشرات العمليات ضد أهداف مختلفة للاحتلال.
لتأتي الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتفتح المجال أمام توسيع العمل العسكري المقاوم، والذي شكّلت الجهاد الإسلامي والسرايا فيه فاعلاً مركزياً، وصولاً إلى المعارك التي خاضتها سرايا القدس في عدّة فتراتٍ مختلفة. فقد شهدت سرايا القدس نقلةً نوعيةً في عهد القائد العجّوري، على الصعد والمستويات كافة (براً وبحراً وجواً)، وفيما يتعلق بتكوين الوحدات الميدانية وإدارة العمليات كذلك.
استطاع أبو محمد العجّوري رغم الصعوبات الأمنية والحصار "الإسرائيلي" الشديد على قطاع غزة والضفة الغربية، أن يثبت إبداعاً عسكريّاً بقيادةٍ جريئة، ويعمل على تثبيت تقدّم "سرايا القدس" في مُختلف المستويات والملفات العسكرية، وأن يحافظ على قدرة كبيرة في صناعة توازنِ رعبٍ يثبّت المعادلات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
ويُعتبر العجّوري الشخصية الأقرب إلى الأمين العام للجهاد زياد النخّالة، وإلى مقاتلي سرايا القدس، كما توصف علاقته بأركان سرايا القدس وقادة المحاور والفصائل في مختلف تشكيلات السرايا العسكرية بالقوية جداً، وتترجمها حالة الالتزام العالية بقرارته.
يُضاء أيضاً في أوساط المقاومة على العلاقات المميّزة للعجّوري مع قادة مُختلف قوى محور المقاومة، خصوصاً قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران، وعلاقته المميّزة مع الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ويُشار إلى أنّ هذه العلاقات المتينة التي يحظى بها، تُشكّل أزمةً لدى المؤسسات الأمنية "الإسرائيلية".
القائد العجّوري في مركز دائرة الاستهداف "الإسرائيلي"
قال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال "أمان"، تامير هايمان: "إنَّ قيادة الخارج في الجهاد الإسلامي مؤثّرة جداً، وفعّالة بشكل مستمر، أكرم العجّوري وزياد النخّالة هما من يقومان بتوجيه الأمور نحو التصعيد، ويتحكّمان بها". وجاء حديثه ضمن مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال خلال الساعات الأخيرة من معركة "وحدة الساحات"، والتي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي رداً على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف قطاع غزة، في آب/أغسطس الماضي.
وأفادت صحيفة "هآرتس" العبرية، في مقابلة أجرتها قبل قرابة عامين، مع وزير الدفاع "الإسرائيلي" آنذاك، نفتالي بينيت، أنّه أكّد مسؤوليته عن محاولة اغتيال القائد العجّوري في دمشق، ونقلت الصحيفة على لسان "بينيت"، أنّه حينما تولّى حقيبة وزارة الدفاع في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، قام باغتيال بهاء أبو العطا، وأيضاً قام بعملية عسكرية مهمّة أخرى في دمشق.
يتهمه الإعلام "الإسرائيلي" المقرّب من المؤسسات الأمنية، بأنّه القائد الذي يشعل الضفة الغربية والداخل، ويدفع نحو تشكيل كتائب مقاتلة وتجنيد أفراد للقيام بـ "هجمات نوعية"، كما تصفه أبرز المواقع "الإسرائيلية" بأنّه أحد الذين "يديرون حملة الهجمات الأخيرة من وراء الكواليس، ويقرّرون متى يطلقون الصواريخ".
وأوضح المحلل السياسي الفلسطيني، ذو الفقار سويرجو، للميادين نت، أنّ الدوائر الأمنية في دولة الاحتلال تعيش حالة استنفار دائم بسبب التحوّلات النوعية التي تحدث مؤخراً، وارتفاع كلفة الاحتلال إلى مستويات عليا، من حيث تجييش أكثر من نصف جيش المشاة للخدمة في الضفة الغربية، واستخدام أساليب جديدة في مواجهة المقاومة كفكرة وبنية وممارسة.
وأضاف سويرجو أنّنا عندما نتحدّث عن الاشتباك في جنين مثلاً، فإنّنا نتحدّث عن الدور المركزي لحركة الجهاد الإسلامي، وخاصةً الأخ المناضل أكرم العجّوري الذي أبدع في إحداث تلك التغيرات المؤلمة للاحتلال من خلال منهجية مدروسة وناجحة، بتسخير كل أشكال الدعم الخارجي والداخلي لخدمة استمرار جذوة المقاومة، وإبقاء المشاغلة مستمرة، والاستنزاف في توقيت تعاني فيه دولة الاحتلال من أخطار وجودية مختلفة. وأكّد سويرجو للميادين نت أنّ هذا يضع العجّوري في خانة أمنية صعبة، كونه المتهم الأول في هذا المجال.
وأجرت الميادين نت مقابلة مع المحلل السياسي والاستراتيجي، الدكتور محمد العجرمي، أكّد فيها أن القائد أكرم العجّوري يشكّل خطراً جدياً على مؤسسات الاحتلال الأمنيّة والعسكرية، خاصةً أنّه يرد كثيراً في تحقيقاتها وتعليقات قيادتها، ومحاولاتها لرصد وجوده، إلى جانب كل المحاولات الفاشلة لاغتياله. كما يؤكد العدو مراراً أنّه المسؤول عن النشاط المميّز وغير المسبوق في شمالي الضفة الغربية المحتلة، وما يرتبط معه من تشكيل وتسليح لعدّة كتائب عسكرية مُقاتلة بهدف توسيع دائرة الاشتباك.
وأضاف العجرمي أنّه يُعرف عن العجّوري إدارته لعلاقات مميّزة مع كل أطراف محور المقاومة، في داخل فلسطين، وفي إيران ولبنان وسوريا. فعلاقته كانت مميّزة مع الشهيد قاسم سليماني، وتربطه علاقة متينة مع الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، وعلاقة مميّزة مع القائد العام لكتائب القسّام محمد الضيف.
ولفتَ العجرمي أنّ مؤسسات الاحتلال تطرح اسم القائد العجّوري عند الحديث عن القدرات الصاروخية للمقاومة في غزة، وتحمّله مسؤولية القرارات بإنزال تجمّعات المستوطنين إلى الملاجئ، وإغراق المدن بالصواريخ في جولات التصعيد مع القطاع، ممّا يجعله في دائرة الاستهداف الأوليّ لها.
غالباً ما يُعرف القادة انطلاقاً من نظرة أعدائهم إليهم، وضمن هذا المسار، يُمثّل أبو محمد العجّوري الشخصيّة القيادية الجريئة التي تتحرّك بإصرارٍ لضرب العدو، بما تتطلّبه حساسية المرحلة اليوم، وبشجاعةٍ تُلبي طموح بيئة المقاومة، وبجدارة بأمانة العمل لفلسطين.