تتواصل التحركات الاحتجاجية من قبل المعارضة الإسرائيلية للأسبوع التاسع على التوالي، في مشهد تاريخي غير مسبوق، إذ يعيش رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أزمة حادة، لم يواجهها أبداً طوال حياته السياسية الطويلة.
أزمة نتنياهو والاحتجاجات ضده وحلفاءه من اليمين الفاشي جاءت رفضًا لما أسمته المعارضة الانقلاب على القضاء، ولم يقتصر الأمر على إسرائيليين معارضين وإنما وصلت المعارضة إلى الأجهزة العسكرية للاحتلال، إضافة لقطاعات مختلفة من تشكيلات الجيش وسلاحه الجوي والقضاة والمحامين ورجال الصناعات وأحزاب المعارضة المختلفة.
ووفق ما يرى مراقبون ومحللون فإن خطورة هذه المظاهرات تكمن في التحاق المنظومة العسكرية فيها، وما تبع هذا الأمر من توقف عدد كبير من العاملين في مختلف وحدات الجيش عن الخدمة، وحضور التدريبات، كما حصل مع الطيارين والأطباء العسكريين وغيرهم.
يشير الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي جهاد ملكة إلى أن هذا الأمر دفع رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي للتدخل، وتحدث مباشرة مع وزير الحرب يؤاف جالانت، ونتنياهو وحذرهما من استمرار ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، الأمر الذي دفع جالانت بمطالبته المعارضة والائتلاف بضرورة البدء بحوار سياسي بناء لحل الازمة وذلك خوفاً على مستقبل "الدولة".
يقول ملكة "ما كان لرئيس الأركان أن يتحدث علناً في أمور سياسية، خاصة وأنه يحظر على الجيش التدخل في السياسة أو التحدث فيها، لولا أن الموقف خطير جداً وأصبح يمثل تهديدًا على دولة الاحتلال".
ووفق ما يرى فإن ما تقدم يعني أن تحالف نتنياهو أصبح يمثل خطرًا على المشاريع الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي دفعها للحضور إلى "إسرائيل"، والتحدث مع كل الأطراف من معارضة وائتلاف لضرورة تهدئة الموقف، ولو بثمنِ تفكيك الحكومةِ والذهاب لانتخابات جديدة.
موقف اليهود في العالم
من ناحيته المختص بالشأن الإسرائيلي جمعة التايه يعتقد أن الأمور في تصاعد والمعارض الإسرائيلية لم تقتصر على قبة الكنيست، وإنما نزلت إلى الشارع، في حشود جماهيرية كبيرة، والمظاهرات في تصاعد.
ولفت تايه إلى أن المعارضة وصلت لليهود في بريطانيا والدول الأخرى، الذين يعتبرون ما يقوم به نتنياهو وحلفه حشر للقيم القضائية في زاوية حزبية، مبينًا أن ما يجري مؤشر خطير وفق ما يعتقده السياسيون والمؤرخون والاستراتيجيون في الكيان الإسرائيلي.
حديث تايه أكمله ملكة الذي أشار إلى أن انتقال الجدل السياسي الحاد إلى خارج كيان الاحتلال، ووصوله لليهود في جميع انحاء العالم وخاصة "يهود بريطانيا وأمريكا"، ورفضهم لما يقوم به نتنياهو من انقلاب على ما يسمونه "الدولة الديمقراطية" لصالح "دولة الهلاخاة" أي دولة الشريعة، سيؤثر سلباً على الدعم السياسي والاقتصادي الكبير الذي يقدمه اليهود حول العالم لهذه الدولة.
تمزق اجتماعي وانقسام
المختصان ملكة وتايه يريان أن ما يجري هو انقلاب على القضاء لم يقتصر على التمزق السياسي فحسب، وإنما امتد ليصل إلى التمزق الاجتماعي والانقسام.
يقول تايه "الكثير من قادة العدو حذروا من الذهاب إلى حرب أهلية إذا لم يتم حل هذا الموضوع، والتفاهم مع المعارضة، والوصول إلى حل وسط"، مشيرًا إلى أن نتنياهو يعمل على ذلك من خلال محاولة جمع المعارضة والائتلاف الحكومي للوصول إلى حل وسط، لكن الأزمة أعمق من هذه الخلافات السياسية.
وذكر أن المسألة ليست خلافًا سياسيًا بقدر ما وصلت إلى عمق وجذور الفكر الصهيوني وقيم الدولة القيمية الدينية التي نادى بها بن غفير وسموتريش وغيرهما.
يضيف تايه "المراقب يستغرب الحشود في الشارع، لأن نتنياهو عندما شكل الحكومة بأغلبية ظن الجميع أن المعارضة أصبحت ضعيفة، ولكن بهذه الحشود أصبحت قوية، ولم تقتصر على المعارضة السياسية في الكنيست، وإنما لها تأثير كبير على الفئات الاجتماعية لدى الإسرائيليين حتى وصلت إلى الجيش".
حل للحكومة أم إطفاء للمعارضة
وبالعودة إلى ملكة فإنه يرى أن الأيام المقادمة مهمة جدًا، إما أن تنهار حكومة الائتلاف الفاشي، أو يرفض نتنياهو كل الوساطات ويستمر في مشروعه لإنقاذ رقبته من السجن وهذا هو المتوقع.
يكمل "هنا سيذهب المشهد لمزيد من التعقيد، وقد نشهد حدثا غير اعتياديًا يمكن في إجبار هذه الحكومة الفاشية على الاستقالة من قبل المؤسسة الأمنية، وهو ما سوف يعتبر انقلاباً لم يشهده الاحتلال من قبل".
أما الكاتب تايه فذكر أن نتنياهو له القدرة التاريخية على كسر الهوة بين الأحزاب، ويريد من الانقلاب على القضاء حماية نفسه، من الملاحقة القضائية.
ووفق اعتقاده فإننا أمام سيناريوهين، الأول يكمن في حل الحكومة إذا استمرت المعارضة بهذا الزخم، وتسقط نتيجة هذا الضغط والذهاب لانتخابات مبكرة، أما الثاني فهو ضعف المعارضة من خلال العمل على التفرقة بين أحزاب المعارضة وإعطائه بعض الصلاحيات أو إدخاله في لجنة القضاء، التي تشكل من 9 أعضاء.