غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

لماذا تبنّت حماس عمليّتيّ حوارة وتل أبيب بشكل رسمي؟

محمد جرادات

كتب: محمد جرادات

أطلق المحتل الإسرائيلي مسمّى "الذئاب المنفردة" على جميع منفّذي العمليات الفدائية، منذ تصاعد المواجهة في الضفة الغربية، عقب "نفق الحرية" وانطلاق "كتيبة جنين" ثم "عرين الأسود" في نابلس، في ظل عدم توفر معطيات أمنية تربط بين المنفّذ وأيّ من الفصائل الفلسطينية، رغم إقرار هذا المحتل أن حالة المواجهة في جنين ثم نابلس، ظلت تشكّل الحافز الرئيسي لجميع منفّذي العمليات.

فاجأت حركة "حماس" الجميع، هذا الأسبوع، وعبر جناحها العسكري؛ "كتائب عز الدين القسام"، بتبنّيها الرسمي لعمليتَي حوارة و"تل أبيب"، اللتيْن وقعتا خلال الأسبوعين الماضييْن، وهو تبنٍّ تجاوز نعي الشهيد المنفّذ في حوارة ثم في "تل أبيب"، باعتباره عضواً في "حماس" أو جناحها العسكريّ، إلى تبنٍّ للعمليتين، بما يخالف ما انتهجته جميع الفصائل الفلسطينية في الآونة الأخيرة.

خسر المحتل الإسرائيلي عام 2022 ثلاثين قتيلاً بين عسكري ومستوطن في عمليات فدائية، ومنذ بداية العام 2023، اعترف المحتل بمقتل خمسة عشر إسرائيلياً، فيما قُتل أربعون آخرون، زعم المحتل أنهم سقطوا في حوادث مختلفة، جاء تسلسل هذه العمليات الفدائية بدءاً بعملية حومش، ثم موجة عمليات بئر السبع والخضيرة و"بني براك" و"ديزنجوف" و"إلعاد"، ثم لاحقاً؛ "أرئيل" مرتين، ثم تفجير القدس المزدوج، وحاجز شعفاط مرتين، ثم عمليات القدس الثلاث، حتى هجومَي حوارة وأريحا، وهجوم "تل أبيب" الأخير.

تكتم المحتل على خسائر قواته العسكرية، في غالبية مواجهات جنين ونابلس وأريحا، لكنه اعترف بمقتل ضابط وحدة اليمام؛ نعوم راز في جنين، على يد "كتيبة جنين"، إضافة إلى اعترافه بمقتل الجندي عيدان باروخ قرب دير شرف في عملية لـ"عرين الأسود".

في نهاية الأمر، كان الانتماء التنظيمي يتكشف لكثير من منفّذي هذه العمليات، فعملية "حومش"، كما عملية "إلعاد"، مثلاً؛ وقُتل فيهما خمسة مستوطنين، على يد شبان من جنين تم أسرهم لاحقاً، ينتمون جميعهم إلى "الجهاد الإسلامي"، أما منفّذا عملية "أرئيل" الأولى، التي قُتل فيها حارس أمن إسرائيلي، فينتميان إلى "حماس"، ولكن ذلك لم يدفع أيّاً من "الجهاد" أو "حماس" إلى تبنّي هذه العمليات بشكل رسميّ، فما الذي استجد حتى جاهرت "حماس" بتبنّي الهجومين الأخيرين بشكل رسميّ؟

هل يأتي هذا الإعلان الرسمي لـ"حماس" في سياق الرد على المجازر الإسرائيلية، ومؤشراً على انخراطها الكامل والصريح في المواجهة، خاصة أن "حماس" نأت بجسمها الرئيس عن الانخراط في مواجهات الضفة، وقد تصدرتها حركة "الجهاد الإسلامي" مع بعض تشكيلات حركة "فتح"، أم أن الأمر مرتبط بتقلبات الميدان؟ أو لعلّه استحقاق داخلي تنظيمي؟

اعتادت حركة "حماس" على سياسة التريّث في مواجهة التغيرات الاستراتيجية في الساحة الفلسطينية، وهو ما ظهر بوضوح عند انطلاقتها، عقب تصاعد الأحداث في غزة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1987 مع الهروب الكبير من سجن غزة المركزي، حيث تدحرجت صخرة الانتفاضة الأولى، كما رأينا هذا التريث عقب اندلاع انتفاضة الأقصى، وهو ما تكرر منذ تصاعدت المواجهة في الضفة.

شكّل دخول "حماس" كل مواجهة، انعطافة كبيرة فيها، نظراً إلى حجمها في الساحة الفلسطينية على مستوى المؤسسات والجامعات والمساجد، واتساع فضائها المحيط على المستوى الإقليمي، فإذا كان تصدرها الراهن لمشهد العمليات النوعية تعبيراً عن استراتيجية ميدانية، فإن ذلك قد يأخذ المنطقة برمتها نحو خيارات أوسع للمواجهة، نظراً إلى احتمال هروب المحتل إلى مربع المواجهة مع غزة، من باب تهديد "حماس" في بيتها الذي تحكمه، وهو حكم له استحقاقاته التي تقيّد ذراع "حماس" كحركة مقاومة.

أثمرت معركة "سيف القدس" التي خاضتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مخرجات ميدانية، تجاوزت غزة والقدس والضفة والداخل المحتل، لما هو الفضاء العربي، ولكن انكفاء المقاومة لاحقاً، عقب التغييرات المكانية والزمانية التي أحدثها المحتل في المسجد الأقصى لمصلحة المستوطنين، ثم مجازره المتلاحقة في الضفة، ونأي "حماس" عن القتال في معركة "وحدة الساحات"، أجهز على جميع مخرجات "سيف القدس"، ونقل غزة، ولو مؤقتاً وإلى حين، إلى الحياد النسبي في ميدان المواجهة، وقد أخذ جمهور المقاومة يركز على إعذار غزة بسبب الحصار والبطالة والمجازر.

بروز "حماس" الراهن عبر نافذة الضفة، ومن خلال عمليتين نوعيتين؛ الأولى نفّذها كادر في "حماس"، والثانية نجل قيادي في "حماس"، والحديث هنا ليس عن مجرد مؤيديْن لـ"حماس" أو منتسبيْن إلى صفوفها، إنما عن مركز الثقل فيها، بما يعكس واحداً من ثلاثة أمور، ما دام أن التبنّي الرسمي قد صدر، وليس الحديث هنا قطعاً عن عمل فرديّ لأعضاء في "حماس"، إنما عن عمل منظم لكتائب القسام.

الأمر الأول؛ أن "حماس" تجاوزت عقدة الضغط باستهداف مركز ثقلها في غزة، لأن تطورات الضفة تأخذ الأمور نحو خيارات تتجاوز الهمّ الحزبي أو المناطقي، لما هو احتمال ضم الضفة، ومستقبل الصراع برمته، نظراً إلى طبيعة الائتلاف الحاكم في "تل أبيب"، بما يعني أن "حماس" ترمي بكامل ثقلها في ميدان الضفة، مع التناغم النسبي المحدود لغزة.

والأمر الثاني؛ أن التزامات "حماس" الإقليمية بالتهدئة الضمنية، حتى لو كان مبعثها مرحلياً كاستراحة محارب، فإن الحديث الذي يتم تداوله الآن في المصادر العبرية عن تهدئة في رمضان، يعني في حال صحّت أخباره، أنَّ تصدّر "حماس" الراهن لمشهد العمل النوعي، بمنزلة شهادة شرعية نحو التهدئة الشاملة من مربع قوة في الميدان، بما يسمح لها أن تفرض معطياتها على الداخل والخارج.

والأمر الأخير؛ أن هذا التصدّر للعمل النوعي استجابة داخلية، تطلبها جمهور "حماس" العريض، في ظل الإلحاح الداخلي، نظراً إلى تغيّرات الميدان وحالة المزاج الشعبي ليس فقط في جنين وكتيبتها، إنما أيضاً في نابلس حيث الثقل الجماهيري القديم لـ"حماس"، وكان اختيار العمل النوعي، خاصة في حوارة، ثأراً لمجزرة نابلس، خطوة ذكية بما يكفل الحفاظ على توازن الحالة الجماهيرية التي تتنفس "حماس" عبر رئتيها في نابلس والخليل.

ولأن "حماس" حركة مقاومة بخلفية اجتماعية دينية، فإن قدرتها على المزج بين الأمور الثلاثة متوفرة، بما يمكنها من مراعاة حاجاتها الداخلية، مع مواصلة التواصل الإقليمي، في ضوء المصلحة الفلسطينية، وإنْ بالمنظار السياسي بطبيعة الحال، وهو منظار يتطلب تجاوز الفخاخ السياسية التي تحفر عميقاً في فصل ساحات الوطن، بما يديم كل عوامل التجزئة، حيث يتربع الإسرائيلي على أطلالنا.