تأتي المناورات الرابعة لحزام الأمن البحري، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، في وقت تراوح فيه ضربات السفن بين إيران و"إسرائيل"، بين مد وجزر.
اجتثاث الإرهاب البحري، عبر مواجهة القوى الغريبة في المنطقة؛ هو الهدف الأساس للمناورات المشتركة الرابعة بين روسيا وإيران والصين، وتحقيق ذلك يتطلّب خطوتين عمليتين، أولهما وقوف دول المنطقة إلى جانب بعضها البعض، بما يؤدي لتوفير الأمن في المنطقة وحماية البحّارين كافة، لأنّ دول المنطقة تملك العلم والقوة والمعدات اللازمة لذلك. والخطوة الثانية، بحسب الناطق باسم المناورات؛ الأدميرال مصطفى تاج الدين، هي بناء التحالف بين الدول التي تشعر بالاحترام المتبادل وتحترم مصالح بعضها البعض.
وكانت المرحلة الأولى من هذه المناورات أجريت عام 2019، بهدف إرساء أمن البحّارين في بحر عُمان، شمال المحيط الهندي، عبر مسافة تمتد حتى 17000 كم، لتصل هذه المناورات في مرحلتها الرابعة نحو السعي لاجتثاث القوى الغريبة، وهو سعي مشروع في ظل التطورات العالمية في حرب أوكرانيا بين روسيا والغرب، والتمادي الأميركي ضد الصين في تايوان، والتصعيد الإسرائيلي-الأميركي ضد إيران.
ويمثّل الجانب الروسي عدد من سفن الأسطول الشمالي، منها الفرقاطة "أميرال جورشكوف" وناقلة البحر المتوسط "كاما"، مع السرب البحري الصيني "نانينغ"، والوحدات العائمة التابعة للجيش والحرس الإيراني، بما في ذلك المدمّرات "سهند" و"بايندر" و"جماران"، والبوارج "بهركان" و"نايبند" و"الشهيد محمودي"، و"سيرجان" و"دلوار" المدرّعتان القاذفتان للصواريخ، وكذلك القطعة البحرية "الشهيد ناظري".
وكانت القوات المشاركة ابتدأت المناورات بالمرحلة التكتيكية، ثم عملية التنسيق بين هذه القوى، لتنتهي بإطلاق النار، وقد جرت عبر لغة مشتركة، تحاكي عمليات عسكرية حقيقية، تريد منها الدول الثلاث تأكيد مستوى التنسيق بينها، وأكثر من ذلك أنها في كامل جاهزيتها للرد على أيّ تحرّك يستهدف استقرار المنطقة، لذا تمّ فيها استعمال الذخيرة الحية باتجاه أهداف بحرية وجوية، وتم التمرين على عمليات تتناسب مع التهديدات الموجودة في المنطقة، إضافة إلى إجراء عمليات تحرير القطع البحرية المختطفة، وإنقاذ أخرى تواجه مشاكل داخل البحار.
هل بوسع مناورات الحزام البحري الرابعة مواجهة القوى الغريبة في شمال المحيط الهندي بالفعل؟ وهل تأتي هذه النقلة تعبيراً عن تصاعد مستوى الثقة بالنفس بعد الاحتواء الروسي للحرب الاقتصادية الغربية، وتطوّرات المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط، وخاصة النجاح الصيني في المصالحة بين إيران والسعودية؟
قبل عدة شهور شاركت هذه الدول الشرقية الثلاث، في مناورات بحرية مع فنزويلا في البحر الكاريبي، في عمق الفناء الخلفي لواشنطن، عبر مسافة لا تزيد عن 1500 كم، بما اعتبره محلل الأمن القومي في موقع "The Washington Freebacon" جوزيف هومر، أن روسيا وحليفتيها إيران والصين على وشك إظهار قوة عظمى من خلال المشاركة في هذه التدريبات، من خلال تطبيع التحرّكات العسكرية لمن وصفهم بأعداء الولايات المتحدة في هذه المنطقة، متوقّعاً أن يشكّل ذلك خطراً عليها في أميركا اللاتينية.
شكّلت المناورات الشرقية في الكاريبي عبر فنزويلا، رسالة عابرة للقارات ولمياه الأطلسي في وجه النفوذ الأميركي، بعد النجاح الإيراني اللافت في خرق الحصار الأميركي على فنزويلا، بتزويدها بالنفط تحت حراسة السفن الحربية الإيرانية، التي قطعت مياه المحيطات الدولية، ولم تجرؤ البوارج الأميركية على اعتراضها.
تأتي المناورات الرابعة لحزام الأمن البحري، في ظل المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، في وقت تراوح فيه ضربات السفن بين إيران و"إسرائيل"، بين مد وجزر، كان آخرها قبل شهر من الزمن، عبر الهجوم الذي نُسب للحرس الثوري الإيراني، بطائرة مسيّرة، واستهدف سفينة يملكها رجل أعمال إسرائيلي، واعتبرته المصادر العبرية رداً على الهجوم الإسرائيلي الفاشل على قاعدة أصفهان للصواريخ فرط الصوتية، وهو الهجوم الذي تردّد أن إيران ردّت عليه باغتيال ضابطة الاتصالات في قاعدة تل نوف الجوية جنوب تل أبيب.
ماهية القوى الغريبة، التي قصدها الناطق باسم المناورات، لا تخفى على متابع، وقد التقطتها واشنطن مباشرة، ولعل ذلك ما جعل مدير معهد السياسات الدولية، باولو فون شيراك، يصرّح باعتبار المناورات أساساً لتحالف يتجاوز مجرد الصداقة أو التنسيق، بما يشكّل تحديّاً لواشنطن، وهو ما جعل البيت الأبيض يعلن عن قلقه العميق من هذا التطور، بما دفع واشنطن وعبر وزارة الخزانة إلى فرض عقوبات على شركات صينية، بذريعة دعمها إيران في تصنيع المسيّرات، وبيعها إلى روسيا لاستخدامها خلال العملية العسكرية في أوكرانيا.
اعتبار المناورات بداية لتحالف عسكري، ونظراً لطبيعة المناورات وجدّيتها، في ظل سخونة الميدان مع الأميركي وحلفائه، فإن ذلك بمجمله ربما يشكّل رادعاً لما اعتبره الناطق باسم المناورات "قوى غريبة"، لتكفّ عن العبث في الفناء الإيراني الروسي الصيني البحري، أو يدفعها على الأقل لتعد خطواتها وتحسب لها حسابات لم تكن سابقاً تلتفت لها، خاصة إذا تحوّلت المصالحة بين السعودية وإيران إلى علاقة طبيعية، تحول دون الاندفاع المألوف للسعودية وحلفائها الخليجيين في تسهيل عبث هذه القوى الغريبة، وعلى رأسها واشنطن وتل أبيب ولندن.
نجاح مناورات الحزام البحري، شجّع قائد القوة البحرية الإيرانية، الأدميرال علي رضا تنكسيري، ليعلن في ختامها عن حق دول المنطقة في الدفاع عن أمنها، والسبب بحسب الأدميرال؛ أن العالم خرج من الأحادية، فهذا النشاط البحري المشترك لثلاث من القوى العالمية، دليل على بداية أفول التفرّد الأميركي في العالم.