كنا قد تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال الهواجس الإسرائيلية والمخاوف من إمكانية تعرّض الكيان الإسرائيلي لهجوم متعدّد الجبهات، تُستهدف فيه جميع الأماكن الإسرائيلية الحيوية والحسّاسة في طول فلسطين وعرضها بآلاف الصواريخ الطويلة والقصيرة المدى والمئات من الطائرات المسيّرة، بحيث تُصاب المؤسسات والدوائر الحكومية والخدماتية بحال من الشلل والعجز، وتدخل الجبهة الداخلية في حال من الصدمة قد تدفع آلاف الصهاينة إلى الفرار إلى أماكن أكثر أمناً.
وقد أشرنا كذلك إلى المحاولات الصهيونية الحثيثة للاستعداد لذلك اليوم، من خلال القيام بمناورات عسكرية واسعة تستهدف الوصول إلى حال من الجاهزية يمكن من خلالها التعامل بإيجابية مع ذلك الهجوم المنتظر.
في هذا الجزء، سنشير إلى القدرات الصاروخية التي يملكها محور المقاومة بجبهاته الستّ التي من المتوقع أن تشارك في هذا الهجوم، مع التأكيد مرة أخرى أننا سنعتمد فقط على المعلومات المعلنة من الأطراف ذات الصلة أو على المؤسسات والمراكز المعنية بالشؤون العسكرية.
1- القدرات الصاروخية الإيرانية
تعد إيران من الدول الرائدة في مجال صناعة الصواريخ على مستوى العالم. وعلى الرغم من المحاولات الصهيونية والأميركية لمحاصرة البرنامج الصاروخي الإيراني، فإنَّ هذا المشروع استطاع أن يحقق قفزات هائلة تجاوز فيها معظم دول الإقليم، كما تجاوز الكيان الصهيوني.
وبحسب مصادر إسرائيلية وأخرى أميركية، فإن إيران استخدمت مشروعها النووي لتطوير تكنولوجيا حديثة يمكن أن تُستخدم في إنتاج صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية بمدى يصل إلى 4 آلاف كلم.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الصواريخ التي طوّرتها إيران لإطلاق أقمارها الاصطناعية، مثل صاروخ "زولجانا" وصاروخ "قائم 100"، يمكن أن تُستخدم لاحقاً لتنفيذ احتياجات عملياتية، لا سيما أنها تملك قدرات متطورة على مستوى المحركات التي تعمل بالوقود الصلب.
وبحسب مصادر إيرانية، فإن صاروخ "قائم 100" يعدّ من الصواريخ العابرة للقارات، إذ يبلغ مداه نحو 12 ألف كلم، كما يُعد من الصواريخ التكتيكية التي يمكن أن تصل إلى القارة الأوروبية وإلى القواعد الأميركية في المحيط الهندي، وهو يشبه إلى حدٍ بعيد الصاروخ الأميركي "إم جي إم- 134" الذي يبلغ مداه 11 ألف كلم.
إضافةً إلى الصاروخين المذكورين، فإن لدى إيران صواريخ أخرى يمكنها إصابة أهداف داخل الكيان الصهيوني، ويأتي في مقدمتها صاروخ "سجّيل"، الذي يتجاوز مداه 2000 كم، وصاروخ "شهاب 3"، بمدى يتجاوز 1500 كم.
2 - القدرات الصاروخية "اليمنية"
كان لافتاً في بدايات معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021، إعلان السيد عبد الملك الحوثي، قائد "أنصار الله" في اليمن، جاهزية حركته للمشاركة في المعركة إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة في حال تجاوز الاحتلال "الخطوط الحمر".
وقد أكّد السيد الحوثي آنذاك أن "أنصار الله" جزء من معادلة "الردع الإقليمية" التي أعلنها في ذلك الوقت الأمين العام لحزب الله السيد حسن الله.
هذا الموقف اللافت في مضمونه وتوقيته كان عبارة عن إعلان رسمي بأنّ لدى اليمنيين في صنعاء ما يستطيعون من خلاله استهداف المصالح الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، وهذا ما أكّدته "عملية توازن الردع السابعة" في أيلول/سبتمبر 2021، التي استهدفت فيها القوة الصاروخية اليمنية منشآت شركة "أرامكو" في رأسِ تنورة في منطقة الدمام شرقي السعودية، على بعد يتجاوز 1600 كلم.
هذا الأمر جعل العدو الإسرائيلي يعيد حساباته بشأن القدرات الصاروخية التي يملكها اليمن، والتي، بحسب المديات التي وصلت إليها، تستطيع الوصول في حدها الأدنى إلى مدينة إيلات الإستراتيجية في أقصى جنوب فلسطين المحتلّة، مع ملاحظة أنَّ الصّواريخ اليمنية حلّقت فوق منظومات الدفاع الجوي الأميركية من طراز "باتريوت" التي فشلت في إسقاطها، ما يضع منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية أمام معضلة حقيقية في حال إطلاق مثل هذه الصواريخ باتجاه "إسرائيل".
3- القدرات الصاروخية "العراقية"
المقصود هنا هو قدرات فصائل المقاومة في العراق التي أعلنت غير مرة وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني واستعدادها للمشاركة في القتال إلى جانبه إذا تطلّب الأمر ذلك.
وللعراق تجربة عملية في هذا الإطار، إذ تم استهداف المستوطنات الإسرائيلية بنحو 43 صاروخاً من طراز "سكود" إبان حرب الخليج الثانية عام 1991، أدت في حينه إلى مقتل 14 إسرائيلياً وإصابة نحو 300 آخرين، بحسب وزارة الحرب الصهيونية، لكن بالرجوع إلى موقع النصب التذكاري لضحايا ما تسمى "الأعمال العدائية"، فإن الرقم أعلى من ذلك بكثير.
في السنوات الأخيرة، عكفت فصائل المقاومة العراقية على تحديث ترسانتها من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وقد أكَّدت مصادر استخباراتية أميركية وإسرائيلية حصول هذه الفصائل على صواريخ من نوع "ذو الفقار" الإيرانية الصنع، التي يتجاوز مداها 700 كلم، ما يمكنها من إصابة أي نقطة في الكيان الصهيوني، مع الإشارة إلى أنّ هذه الصواريخ، لو أطلقت من غرب العراق، فإنها لا تحتاج إلا إلى 400 كلم لتصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
4- القدرات الصاروخية السورية
وفق التقديرات الإسرائيلية، كان لدى سوريا إمكانية لقصف الكيان الصهيوني بأكثر من 1000 صاروخ يومياً في الفترة التي سبقت "الحرب الكونية" التي شُنت عليها، ولكن رغم ضراوة تلك الحرب وما شكلته من ضغط هائل على كل نواحي الحياة في سوريا، وانعكاس ذلك على قدرات الجيش العربي السوري، فإنَّ القدرات السورية في هذا الإطار لم تتضرر كثيراً.
يقول موقع "غلوبال فاير باور" المختص في الشؤون العسكرية إن سوريا تحتلّ المرتبة التاسعة عالمياً على مستوى امتلاكها راجمات الصواريخ، إذ تملك أكثر من 629 راجمة صواريخ من أنواع ومديات متعددة. وقد تمكنت من الحفاظ على ترسانتها الصاروخية التي تضم صواريخ يصل مداها إلى مئات الكيلومترات.
ومن أهمّ تلك الصواريخ التي يمتلكها الجيش السوري صاروخ "توشكا" الذي يعدّ من الأسلحة النوعية للغاية من حيث الدقة والقدرة التدميرية، ومن الصواريخ البالستية التي تعمل بنظام توجيه داخلي، والتي يتراوح مداها بين 70 و180 كلم، ويمكن تجهيزها وإطلاقها خلال 15 دقيقة، وهناك أيضاً صاروخ "سكود بي"، وهو صاروخ بالستي تكتيكي صُنع في الاتحاد السوفياتي، ويبلغ مداه نحو 300 كم.
إضافةً إلى ذلك، هناك صاروخ "سكود سي"، وهو نسخة مطورة تم الحصول عليه خلال ثمانينيات القرن الماضي من كوريا الشمالية، وتمتلك سوريا المئات منه، ويصل مداه إلى 550 كم، وهناك صاروخ "سكود دي" الذي يعدّ من أكثر أجيال صواريخ "سكود" تطوراً ودقةً، إذ يبلغ مداه نحو 700 كم.
وقد أشارت تقارير إسرائيلية سابقة إلى أن سوريا تصنع 30 صاروخ "سكود" من هذا النوع كل عام، إضافة إلى زيادة قدراته على التصدي لموجات التشويش، وامتلاكه تقنية انفصال الرأس الحربي خلال مسار التحليق، ما يمكنه من تجاوز المنظومات الاعتراضية.
يُضاف إلى كل ذلك صواريخ "جولان 1" البالستية المتوسطة المدى التي تحلق لمسافة 600 كلم، وصواريخ "جولان 2" بمدى يصل إلى 800 كلم، إلى جانب صواريخ "ميسلون" و"تشرين"، التي تستطيع التحليق لمسافة 300 كلم، وصواريخ "M-302" المعروفة باسم "فجر" و"خيبر"، والتي يتراوح مداها بين 100 و180 كم.
5 – قدرات حزب الله الصاروخية
يُنظر إلى حزب الله على أنه القوة الأكثر تسليحاً في العالم على صعيد القوى والجماعات التي لا تُصنّف ضمن الجيوش النظامية، وهو الفاعل غير الحكومي الأكثر تأثيراً في ميادين القتال، وتصفه الكثير من مراكز الدراسات، ولا سيما العسكرية منها، بأنه قوة عسكرية مدرّبة مثل الجيش ومجهزة مثل الدولة.
يقول موقع "ميسيل تريت" (Missile Threat)، المتخصص بمتابعة القدرات الصاروخية للدول والمنظمات، في دراسة عن القدرات الصاروخية لحزب الله: "على الرغم من أن الكثير من صواريخ الحزب يفتقر إلى الدقة، فإنَّ عددها الهائل يجعلها أسلحة رعب فعّالة".
ووفقاً لمصادر إسرائيلية، امتلك حزب الله نحو 15000 صاروخ عشية عدوان تموز عام 2006، أطلق منها نحو 4000 صاروخ على المستوطنات والمواقع الصهيونية خلال المعركة التي استمرت 33 يوماً.
ولكنّه منذ انتهاء المواجهة، وسّع ترسانته الصاروخية التي باتت تُقدر اليوم بنحو 200 ألف صاروخ تشمل صواريخ قصيرة المدى وأخرى متوسطة وطويلة المدى، تستطيع، بحسب إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، إصابة أي منطقة في فلسطين المحتلة، إضافة إلى امتلاك الحزب صواريخ دقيقة بهامش خطأ لا يتجاوز عدة أمتار، وهو الأمر الذي تنظر إليه "إسرائيل" بقلق شديد.
وبحسب مصادر استخبارية أميركية وأخرى إسرائيلية، فإن حزب الله يملك قائمة طويلة من الصواريخ، منها صواريخ "كاتيوشا" و"غراد" من عياري 107 و122 ملم، التي يتم إطلاقها من راجمات متعددة الفوهات، بمدى يتجاوز قليلاً 40 كلم، وصواريخ "فجر 3" بمدى يتجاوز 45 كلم، و"فجر 5" بمدى يتجاوز 75 كلم، إضافة إلى صواريخ "رعد 2" و"رعد 3"، التي يبلغ مداها نحو 70كلم، وصواريخ "خيبر 1" التي يتجاوز مداها 100كلم.
ويملك حزب الله أيضاً صواريخ من طراز "زلزال 1" و"زلزال 2"، وهو البديل المصنّع إيرانياً لصواريخ "FROG 7" الروسية، إذ يبلغ مدى صاروخ "زلزال 1" نحو 160 كلم، فيما يبلغ مدى "زلزال 2" نحو 210 كلم. هذا الصاروخ تحديداً يقول المسؤولون الإسرائيليون إنه يشكل تهديداً خطراً للمستوطنات الصهيونية بسبب حمولته الكبيرة من المتفجرات.
إلى جانب صواريخ الزلزال، هناك صاروخ "فاتح 110"، وهو صارخ بالستي يتراوح مداه ما بين 250 و300 كلم، ويحمل رأساً حربياً يزن 500 كغم، ويتم التحكم فيه من خلال نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
أما الصواريخ الأكثر إثارة للقلق في أوساط القادة الصهاينة، فهي صواريخ "سكود" التي يتجاوز مدى أحدث نسخة منها 700 كلم. وتشير تقارير إسرائيلية إلى أنَّ الحزب يملك كميات كبيرة من هذه الصواريخ بأنواعها الثلاثة: "سي" و"بي" و"دي".
6 - القدرات الصاروخية لفصائل المقاومة الفلسطينية
حتى عام 2008 تقريباً، لم تكن فصائل المقاومة الفلسطينية تملك سوى بضعة صواريخ قصيرة المدى لا تكاد تصل إلى مستوطنات غلاف غزة على بعد نحو 8 كلم في أفضل الأحوال.
هذه الحال تغيّرت بشكل هائل بعد انتهاء العدوان عام 2009، إذ بدأت قدرات المقاومة تتضاعف كمّاً ونوعاً بفعل الدعم الواضح والكبير من الجمهورية الإسلامية في إيران، التي مدّت فصائل المقاومة، وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بصواريخ "غراد" و"فجر" وغيرها من الأنواع الأخرى.
والأهم من ذلك الخبرة التي حصلت عليها المقاومة في مجال تصنيع الصواريخ، والتي نجحت بشكل كبير في تغطية العجز الناتج من إغلاق الحدود مع مصر، والتي كانت بمنزلة طريق الإمداد الرئيسي للمقاومة في قطاع غزة.
وبحسب تقارير فلسطينية، وأخرى إسرائيلية، واستناداً إلى بيانات رسمية لفصائل المقاومة الفلسطينية، يمكن لنا أن نلحظ أنواعاً متعدّدة من الصواريخ لدى تلك الفصائل، والتي استخدم الكثير منها في المعارك السابقة، وخصوصاً في أعوام 2012 و2014 و2021، وأخيراً وليس آخراً، في معركة "وحدة الساحات" في آب/أغسطس 2022:
1- صاروخ غراد "المحلي الصنع" بمدى يتجاوز 20 كلم، وهو يحاكي الصاروخ الروسي الشهير "غراد-122 ملم".
2 - صاروخ غراد "المحلي الصنع " بمدى يتجاوز 40 كلم. تملك الفصائل أعداداً كبيرة منه.
3 - صاروخ "بدر 3" "المحلي الصنع" بمدى 20-40 كلم، وهو يحمل رأساً حربياً يصل إلى نصف طن، وقدرته التدميرية عالية جداً.
4 - صاروخ "فجر 5" الإيراني الصنع بمدى يصل إلى 75 كلم. استخدم للمرة الأولى في عدوان 2012، وتم إطلاقه باتجاه "تل أبيب"، واستخدم مرة أخرى في عدوان 2014 ضدها أيضاً.
5 - صاروخ "براق 70"، وهو نسخة محلية تحاكي صواريخ "فجر5" الإيرانية. تم استخدامه بشكل مكثف ضد تل أبيب وديمونا، في المعارك السابقة.
6 - صاروخ "M75"، وهو قريب جداً إلى صاروخ "براق 70"، ويحاكي أيضاً صواريخ "فجر5" إيرانية الصنع. يصل مداه إلى نحو 75 كلم.
7 - صاروخ "J80"، يصل مداه إلى نحو 80 كلم، ويمتاز بقدرته على تضليل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية.
8 - صاروخ "براق 100"، وهو نسخة مطورة من صاروخ "براق 70". استخدم في عدوان 2014 ضد مدينة نتانيا، وفي معركة وحدة الساحات في العام الماضي ضد مستوطنة "هرتسيليا" شمال "تل أبيب".
9 - صاروخ "R160". يبلغ مداه نحو 160 كلم. وقد استهدفت به المقاومة مدينة حيفا المحتلة في عدوان 2014.
10 - صاروخ "عياش 250"، وهو أحدث الصواريخ الفلسطينية المعلن عنها وأبعدها مدى، إذ تم إطلاقه في معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021 باتجاه مطار رامون في أقصى جنوب فلسطين المحتلة، ويبلغ مداه نحو 250 كلم.
خاتمة
بعد هذا الاستعراض المفصّل للقدرات الصاروخية لمحور المقاومة، التي اعتمدنا فيها على المعلومات المعلنة من الجهات صاحبة الاختصاص فقط، يتبيَّن لنا أن كل المستوطنات الصهيونية ستكون مكشوفة أمام سيل من الصواريخ لم تشهد له مثيلاً من قبل، وأن أنظمة الدفاع الجوي لدى العدو الصهيوني لن تكون قادرة على التصدي لتلك الموجات المتتالية من الصواريخ، ما سيشكل ضغطاً هائلاً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
هذا الضغط سينسحب بالتالي على مؤسسات اتخاذ القرار في "إسرائيل"، التي يمكن أن تدخل في حالة من فقدان السيطرة على الأرض والجغرافيا، وهو ما قد يُفسح المجال لقوات النخبة التابعة لمحور المقاومة للتوغل البري في عدد من المدن المحتلة والسيطرة عليها واتخاذها نقطة انطلاق باتجاه مناطق أكثر عمقاً.
هذا السيناريو المحتمل سنتحدث عنه في الجزء الثالث والأخير من هذا المقال بإذن الله تعالى، مع التعريج بشكل مختصر على قدرات "محور المقاومة" على صعيد سلاح "الطائرات المسيّرة" الذي شهد نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة.