غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

أدى رحلة العمرة

عمر عوادين طفلٌ برتبة شهيد خطفته رصاصات العدو أثناء قيادته دراجة كهربائية

عمر عوادين
شمس نيوز - مطر الزق

تدور عجلة الدراجة الكهربائية التي يقودها الطفل عمر؛ لترسم طريق عودته من توزيع الطلبات صوب شركة الأجهزة الطبية التي يعمل بها والده في مدينة جنين، كانت عقارب الساعة تُشير إلى الرابعة مساءً عندما التقى الطفل عمر بوالده، بصوت يملأه الحب والحنان نادى الأب على طفله متسائلًا: "أين تذهب؟"، فورًا ارتسمت علامات الفرحة على وجه الطفل الذي أجاب والده بكل أدب واحترام وتقدير: "سأعود إلى الشركة أنهي بعض الأشياء ثم سأرجع للمنزل".

اطمأن الأب محمد عوادين على طفله عمر (14 عامًا) الذي كان يساعده بتوزيع بعض الطلبيات إلى الصيدليات العامة في جنين، عيناه لم تفارقا طفله فكان يراقبه بشكل جيد من المرآة المثبتة في أعلى المركبة، لحظات قليلة قبل أن يغوص عمر بدراجته الكهربائية داخل المخيم ووسط السوق الشعبي.

مرت دقائق كأنها نصف ساعة على اللقاء الأخير بين الأب محمد وطفله عمر، كانت مليئة بالحب والحنان رغم قلة الكلمات التي نطق بها لسان الاثنين، فجأة ودون سابق إنذار؛ دوت رصاصات كثيفة داخل مخيم جنين، يقول محمد الذي قذف الخوف إلى قلبه: "يبدو أن الرصاص في منطقة شركة الأجهزة الكهربائية".

توقعات محمد كانت في مكانها الصحيح، فالرصاص انطلق من المنطقة ذاتها التي غاص بداخلها طفله عمر، على الفور رفع محمد هاتفه النقال متصلًا، فمع كل جرس للهاتف كانت دقات قلبه تتصاعد، يداه كانتا ترتجفان خوفًا على طفله، لم يجد محمد ردًا من طفله عمر حاول مرة أخرى وثالثة ورابعة دون جدوى، في تلك اللحظة تذكر شقيقه داخل شركة الأجهزة الكهربائية.

دون تردد كرر محمد اتصاله على شقيقه الذي أجابه من المكالمة الثانية، فكانت أنفاس شقيقه حارة جدًا، وصوت دقات قلبه يكاد يخترق الهاتف، ليبادر محمد بالسؤال: "أين عمر"، أجابه شقيقه على الفور: "عمر أصيب بالرصاص وتم نقله للمستشفى!".

أدرك محمد فورًا صعوبة الموقف، فعمر هو الطفل الوحيد من الذكور للأسرة، وله شقيقة واحدة عمرها 8 سنوات، وقبل عامين توفيت شقيقته الرضيعة، فكان نبأ إصابة عمر بمثابة الصدمة والمفاجأة التي دفعت بنهر من الدموع ليخترق وجنتيه.

أسرع محمد في طريقه إلى المستشفى، فأصوات الإسعافات لا تتوقف من نقل المصابين، صيحات التكبير تعلو والرصاص يزغرد في سماء جنين؛ ليعلن عن ارتقاء ثلة من رجال المقاومة في كمين نصبته قوة إسرائيلية خاصة؛ لتغتال قائد كتيبة جنين نضال أمين خازم، والقائد يوسف صالح شريم والمواطن لؤي خليل الزغير.

وصل محمد إلى باب قسم الاستقبال في مستشفى ابن سينا بصعوبة بالغة كانت عيناه تراقبان الوجوه المليئة بالدموع والغضب الشديد، وفجأة خرج مجموعة من الرجال يحملون على أكتافهم طفلا صغيرا يلتفه علم فلسطين، ويهتفون: "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، في هذه اللحظة وجد محمد نفسه بين أحضان محبيه الذين هبوا للوقوف إلى جانبه في مصابه الجلل.

تمالك محمد نفسه قدر المستطاع، وبدأ يهتف مع الجميع: "بالروح بالدم نفديك يا أقصى"، ليتجه موكب الشهيد إلى مقبرة الشهداء، حيث زفه عشرات الآلاف من سكان مدينة جنين، الذين صدحت حناجرهم بالانتقام من الاحتلال الإسرائيلي.

في صورة مشرقة يفتخر بها محمد يقول لـ"شمس نيوز": "عمر صغير بالسن، لكنه كبير بالأفعال والأعمال فهو ساعدي الأيمن، يساعدني في توزيع الطلبيات على الصيدليات في جنين، فكان خير معيل لي وللأسرة".

لا يمكن تعداد المواقف الطيبة والحسنة والحميدة للشهيد عمر مع والده، إذ يقول: "كان يحب الحياة حنونا على أخته يشتري لها كل شيء، ويساعدنا في البيت والعمل وهو الذكر الوحيد للأسرة".

يعود محمد بذاكرته إلى ما قبل أسبوعين تقريبًا من استشهاد طفله عمر ليروي لنا حكاية طفله الذي تعلق بحب العبادة منذ ميلاده، يقول: "قبل أسبوعين عدتُ أنا وزوجتي وطفلنا عمر من المملكة السعودية بعد أدائنا لرحلة العمرة".

أمام الكعبة المشرفة رفع عمر يديه إلى السماء، هنا كان والده ينصت إلى دعاء طفله الذي كان يتوسل إلى الله تعالى بأن يرزقه الشهادة في سبيله، يُشير محمد إلى أن عمر كان يحب سيرة الشهداء والوطن كثيرًا ويتابع الأحداث الميدانية بدقة عالية.

ويستذكر محمد أثناء العودة من رحلة العمرة، ما أبلغه به الطفل عمر استعدادًا لصيام شهر رمضان إذ يقول الطفل لوالده: "سأشتري بعضًا من الملابس الجميلة، وأصلي التراويح كل يوم في مسجد مختلف، وبعد انتهاء الصلاة سأخرج في رحلة مع أصدقائي داخل أزقة مخيم جنين".

أحلام الطفولة البريئة التي كان يسعى عمر عوادين (14 عامًا) لتحقيقها خطفها رصاص القوات الخاصة الإسرائيلية العشوائي أثناء عملية اغتيال قامت بها ضد مجموعة من المقاومين داخل مخيم جنين يوم الخميس 16 مارس 2023.