أن تسير في ركب الجهاد، وتحمل فكرة المقاومة، لا يهم من أين تبدأ المسير، وإن كانت النهاية إما نصر مؤزر أو شهادة وعلو في الدنيا والآخرة، فهذا دافع للاستمرار بالمسير.
والطريق إلى القدس رغم الصعوبات والمخاطر، تعتبر أسهل الطرق للإثخان بالعدو ونيل إحدى الحسنيين، هذا الهدف الذي دفع الشهيد القائد المهندس علي رمزي الأسود "أبو عبد الرحمن" للالتحاق بركب المجد إلى أن ارتقى مقبلًا غير مدبر.
ميلاد ونشأت قائد
ولد شهيدنا القائد علي رمزي الأسود في عام 1992م في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، لعائلة مجاهدة محتسبة، هُجّرت في نكبة العام 1948م من مدينة حيفا إلى مخيمات اللجوء في سوريا.
ترعرَع القائد علي الأسود في أحضان عائلة تحمل أمل العودة للأرض المحتلة، وترى هذا اليوم قريب ولا بد بأنه نافذ، ليتلقّى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مخيمات اللجوء في سوريا، ويلتحق بالجامعة، ويدرس تخصص الكيمياء.
في صفوف العز والفخار
حلم العودة الذي نشأ وترعرع عليه في صفوف عائلته، كان دافعًا له للبحث عن أقرب الطرق للوصول إلى فلسطين، فكانت الطريق المتاحة أمامه هي الالتحاق بركب المجد، وصفوف المجاهدين، ليلتحق بوقتٍ مبكر في صفوف حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ويُبدع في مختلف الأنشطة والفعاليات التي أقامتها الحركة في الساحة السورية.
النضوج والفكر الواعي لشهيدنا المهندس علي كان دافعًا لقيادة الحركة أن تعطيه الثقة الكبرى، وتمنحه شرف الالتحاق بصفوف سرايا القدس، رغم صغر سنه في آنذاك، حيث التحق بصفوف السرايا عام 2005، وكان وقتها لم يتجاوز عمره الخامسة عشر عامًا.
تدرّج القائد علي الأسود في صفوف السرايا، وتنقّل بين مختلف الوحدات، وتلقّى العديد من الدورات التدريبية رغم صغر سنه، وإصراره على مواصلة طريقه التعليمي، رافعًا شعار المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر.
استمر بالعمل في صفوف السرايا، وبدأ دراسته الجامعية في تخصص الكيمياء، الأمر الذي دفع قيادة سرايا القدس لإعطائه الثقة مجددًا، ويوكل له مهام تطوير القدرات القتالية فيها، ليُسجل إبداعات مختلفة ومتنوعة في هذا المجال.
مجاهد محبوب وكتوم
الشهيد علي رمزي الأسود، منذ أن سار في ركب المقاومة، وقضى وقته في خدمة المجاهدين، وأداء واجبه، وحاملًا نصب عينيه تحرير فلسطين والعودة لأرضه ومدينة حيفا بلدته الأصلية، لم يكن يحب كثرة الكلام، وإنما بقليل منه ينجز كل ما يريد.
الخُلق الحسَن، وحب كل من عرفه، وغيرها من الصفات الحميدة التي حملها الشهيد علي الأسود، لم تمنعه من أن يحافظ على أمنه الشخصي والعمل بسرية وكتمان، في كل الأعمال والمهام التي أوكلت له، فلم يطلع أي من المقربين أو العائلة على أي نشاط يقوم به.
كما أن حسن خُلقه وحب كل من عرفوه له بدى جليًا في أثناء تشييع جثمانه، عندما خرج الآلاف من مختلف المخيمات الفلسطينية في سوريا، بالإضافة إلى أهالي سوريا، لتشييع جثمانه، والمسابقة في أن يُرفع على أكتافهم.
موعد مع الشهادة
كانت الشهادة على طريق القدس مقبلًا غير مُدبر، أغلى أمنية لدى القائد المهندس علي الأسود، ويعلم متيقنًا أن هذا الطريق خاتمته إما النصر أو الشهادة، وكان يهيئ نفسه لهذا اليوم، إلى أن جاء.
وارتقي الشهيد علي الأسود فجر يوم الأحد 27 شعبان 1444هـ، الموافق 19 مارس 2023م، بعد إطلاق وابل من الرصاص تجاهه، على أيدي عملاء العدو الصهيوني في ريف دمشق، أثناء توجهه إلى العمل في ريف دمشق، ليلتقي مقبلًا غير مُدبر.
الشهيد علي الأسود الذي ظهرت بصماته في جولات ومعارك خاضتها المقاومة مع المحتل، هذا القائد الذي كان بمثابة عالم شاب في مقتبل عمره فتح الله عليه من عنده بعلمٍ واسع رفّده لإخوانه المجاهدين، واختصره في ثلاثة أعوام كانت كفيلة بأن تحقق جُهد ثلاثين عاماً لهذا المهندس صاحب العقلية الفذة.
ولا بد أن نشير إلى أن قادم الأيام ستكشف عن بصمات الشهيد علي الأسود في الكثير من مواطن المواجهة مع العدو في كل ساحات الاشتباك والمواجهة، من رفح جنوبًا حتى رأس الناقورة شمالًا.