سلطت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الحادة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمطالبته ان ينزل عن الشجرة وأنه لن يدع لزيارة واشنطن قريبا الضوء مجددا على علاقات الولايات المتحدة مع الكيان الإسرائيلي التي تعد من أوثق العلاقات الدولية والتي وصفها مسؤولو البلدين دائما بانها علاقة تحالف استراتيجي وقائمة على قيم مشتركة، لكن هل ما صدر عن بايدن وردود الفعل الحادة من وزراء وأعضاء كنيست إسرائيليين عليها يعكس بالفعل أزمة حقيقية قي علاقات واشنطن - تل ابيب؟.
في الإجابة على ذلك لا بد من فهم خلفيات تصريح بايدن والأسباب التي جعلته يتحدث بلغة غير دبلوماسية اتجاه الكيان الإسرائيلي وفي السياق يمكن الإشارة الى:
أولا: الغضب الأمريكي من استمرار نتنياهو في تشريع التعديلات القضائية رغم الرسائل والمطالبات العلنية من قبل الولايات المتحدة بوقفها وكما عبر بايدن بان ينزل نتنياهو عن الشجرة التي اعتلاها في هذا التشريع.
ثانيا: الاتهامات التي صدرت عن جهات مقربة من نتنياهو بان الإدارة الامريكية حاولت اسقاط حكومة نتنياهو مرتين وهو ما تم تسريبه خلال زيارة نتنياهو الأخيرة الى لندن ونقلته المراسلة السياسية للقناة ال 13 الإسرائيلية مريام آساف غولدبيرغ.
ثالثا: اقالة نتنياهو لوزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالنت بعد مطالبته بوقف التشريعات لضررها على الامن القومي الإسرائيلي والذي يعتبر في واشنطن قناة تواصل مريحة ومعتدلة في القضايا الأمنية والعسكرية ونقلت القناة 12 الإسرائيلية بان إدارة بايدن بعثت رسالة واضحة لنتنياهو بالتراجع عن الإقالة وهو ما جعله يتردد في ارسال كتاب الإقالة لغالنت ويبحث عن سلم للتراجع عنه وابقائه في منصبه مقابل اعتذار غالنت عن تصريحه اثناء وجود نتنياهو في لندن.
رابعا: الغضب الأمريكي من ترافق اعلان نتنياهو عن تأجيل التشريعات القانونية مع صفقة عقدها مع وزير الامن القومي ايتمار بن غفير لإنشاء الحرس الوطني والذي تعتبره إدارة بايدن شخصية متطرفة تعمل على تفجير الأوضاع بشكل مستمر في الساحة الفلسطينية.
بالمقابل فان نتنياهو يصعد ضد إدارة بايدن بوتيرة منخفضة وبشكل غير مباشر بتوجيه اتهامات لها بالعمل على اسقاطه والتدخل في الشأن الداخلي الإسرائيلي لكن المسألة التي تغضب نتنياهو أكثر من أي شيء آخر عدم دعوته لزيارة واشنطن كما اعتادت الإدارات الامريكية مع دخول اي رئيس وزراء إسرائيلي جديد لمنصبة في غضون شهرين في وقت زار نتنياهو 3 عواصم أوروبية.
في ضوء ذلك يتبدى أن الأزمة في علاقات واشنطن – تل ابيب تنحو الى البعد الشخصي في العلاقة بين بايدن ونتيناهو وعدم الثقة بينهما والشكك الكبير اتجاه نتنياهو من قبل بايدن عندما اعلن بانه ينتظر الى أين تسير مسألة الحوار الداخلي الاسرائيلي حول التعديلات القضائية وإذا ما كان نتنياهو جادا في ذلك بما يعني ان نتنياهو لن يدع لزيارة واشنطن قبل الاتفاق على هذه التعديلات مع المعارضة الإسرائيلية.
يرتبط التراشق الأمريكي الإسرائيلي الاعلامي بشكل اكبر بتطورات المشهد الداخلي الإسرائيلي والإدارة الامريكية تفهم ذلك جيدا وان نتنياهو يمر بأزمة كبيرة وتحاول ان تضغطه وتستلب منه مواقف تريدها الولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية، وذات مرة قال وزير الخارجية الأمريكي اليهودي هنري كيسنجر ان إسرائيل ليس لها سياسية خارجية بل فقط داخلية، في تعبير واضح بان تفاعلات المشهد الداخلي ترسم بشكل كبير العلاقات الخارجية الإسرائيلية مع دول العالم وتتحكم في مسارها فالتعديلات كانت موضوعا رئيسيا في طرح الزعماء الذين التقاهم نتنياهو حتى الآن في العواصم الأوروبية او في تل ابيب.
لا يمكن الجزم ان الموقف الأمريكي من نتنياهو والتعديلات القضائية والتراشق الإعلامي يعكس أزمة حقيقية في علاقات واشنطن – تل ابيب بل تبرز توترا حولها سينتهي بانتهاء أسبابه ولن تنتقل واشنطن الى استخدام أدوات ضغط على إسرائيل وهي كثيرة كما قال رئيس قسم العمليات الأسبق في جيش الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل زئف فـ " إسرائيل تعتمد تقريبا فقط على الولايات المتحدة، فنحن نمثل قاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة فالسلاح الذي بحوزتنا والتقنيات أمريكية ومنظومات الصواريخ حتى القبة الحديدية صنعت بدعم أمريكي.".
لن تصل حالة التوتر بين بايدن ونتيناهو الى حد تجميد المساعدات الامريكية لإسرائيل كما فعل الرئيس لأمريكي الأسبق جورج بوش الأب عندما جمد تحويل 10 مليارات دولار لاستيعاب مليون مهاجر يهودي من دول الاتحاد السوفيتي المتفكك ليفرض على حكومة شامير عام 1991 المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام واغلق جيمس بيكر هاتفه في وجه المسؤولين الإسرائيليين وقال "عندما ترغبون بالمشاركة اتصلوا بي".
هناك جانب آخر في التوتر الحالي بين واشنطن وتل ابيب يتعلق بيهود الولايات المتحدة والذين ينتمون في معظمهم الى التيار اليهودي الإصلاحي والمحافظ ويمثلون أغلبية يهود الولايات المتحدة والذين يرون في التشريعات التي يصادق عليها الكنيست وفق رؤية التيار الأرثوذكسي الحريدي المهيمن في الكيان الإسرائيلي مسا برؤيتهم الفقهية اليهودية المتساهلة في شروط التهويد والصلاة في الكنس واجتماع النساء والرجال في مكان واحد امام حائط البراق وغيرها من المسائل الفقهية وهم يشكلون عامل ضغط على إدارة بايدن اتجاه تل ابيب ويطالبونها بالتدخل لعدم المس باتباعهم في كيان الاحتلال.
يبدو نتنياهو اضعف من أي وقت مضى ولن يغامر الى مواجهة مع إدارة بايدن كما فعل مع إدارة باراك أوباما عام 2015 وتدرك إدارة بايدن ان نتنياهو قابل للضغط والاستجابة للمطالب الامريكية ولذلك كانت تصريحات نتنياهو واضحة في حديث الى مؤتمر في الولايات المتحدة عندما قال" لا شيء يمكن أن يؤثر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتحالف بين الطرفين لا يتزعزع".
تحقيق تفاهمات داخلية بين نتنياهو والمعارضة حول التعديلات القضائية سيتم التوافق عليه في جانب كبير بسبب الضغط الأمريكي، كما تراجع نتنياهو عن اقالة غالنت، فليس هناك أزمة حقيقة بل ضغط كل طرف بأوراق لتحقيق مطالب سيكون لواشنطن اليد العليا فيها، وحديث الاعلام الإسرائيلي عن عناوين صاخبة في علاقات الدولتين ووصفها بانها صدام وجه لوجه او قطيعة مع الولايات المتحدة مبالغ فيه بشكل كبير.