بقلم: وسام زغبر
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
ومدير تحرير مجلة الحرية/ غزة
سبع وأربعون عاماً مرت على يوم الأرض الخالد الذي يعود للثلاثين من آذار/ مارس عام 1976. ذاك اليوم الذي دافع فيه أبناء شعبنا الفلسطيني داخل أراضي الـ48 موحداً ضد قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلية مصادرة أراضيهم في المثلث والجليل والنقب وعرابة وسخنين بخوض إضراب شامل استشهد فيه ستة مواطنين وجرح واعتقل المئات، وشكل هذا اليوم علامة فارقة في مسيرة الجماهير العربية الفلسطينية المتشبثة بأرضها رغم المحاولات الصهيونية لإقتلاعهم وتهجيرهم قسراً من بيوتهم منذ العام 1948.
«مخطط تهويد الجليل» الذي سمي بـ«مخطط التطوير»، وكشف عنه عشية يوم الأرض عام 1976، تحدث عن مصادرة 200 ألف دونم قيل إن 80 ألفاً منها «أراضي دولة»، و50 ألفًا «أراضي غير يهودية»، أي أن 130 ألف دونم من الأراضي العربية، فيما الـ 70 ألف دونم قد جرت مصادرتها في وقت سابق كـ«أراضي أملاك الغائبين».
مشروع «تطوير الجليل» تحدث حينذاك بصراحة عن تغيير الواقع الديمغرافي للمنطقة بالإشارة إلى أن «القضية الخاصة بالجليل هي قليلة للسكان الصهاينة بالنسبة للفلسطينيين العرب الذين يشكلون 70% من مجمل السكان»، وكشف أنه، «في عام 1973 كان عدد السكان العرب في الجليل 147 ألفاً مقابل 62 ألف صهيوني، وفي أطراف الجليل هناك 40 ألفاً من السكان العرب يقطنون في ضواحي حيفا وعكا وطمرة وشفاعمرو».
إن إحياء الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ذكرى يوم الأرض الخالد كل عام، تعبير عن وحدة الشعب ووحدة حقوقه ومصالحه الوطنية وتمسكه بأرضه، والانتقال من نفسية النكبة والهزيمة إلى نفسية التجذّر والمواجهة والنضال والتي صنعت لهذا اليوم مجده التاريخي، بعد أكثر من ربع قرن على اتفاق أوسلو الفاسد الذي حوّل الأرض الفلسطينية من أراضٍ محتلة إلى أراضٍ متنازع عليها يجري حلها عبر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وارتضى المفاوض الفلسطيني بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق «حل عادل متفق عليه» دون الاستناد لقرار الأمم المتحدة رقم 194، مكتفياً بما جاء في «مبادرة السلام العربية».
الشعب الفلسطيني وُلد بمتلازمة التاريخ والجغرافيا، يورثهما لجيل بعد جيل، يحيي كل مناسبة أياً كان شكلها وذكراها، مدركاً أن تجاهل التاريخ ونسيانه يعني إسقاطه في وحل الجغرافيا، وأن العدو يميّع التاريخ ويلعب بعنصر الزمن الغير محايد للفلسطينيين في ظل استراتيجية همجية تقوم على التطهير العرقي والتمييز العنصري والتهجير الجماعي ونهب وسرقة الأرض وتذويب الهوية الفلسطينية واللجوء إلى القتل والاعتقال والهدم والترحيل والترهيب.
حيث أفاد تقرير إحصائي أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أكثر من 85% من أراضي فلسطين التاريخية، استغل اتفاق أوسلو المدمر وتصنيفه أراضي الضفة الفلسطينية لمناطق (أ، ب، ج) لإحكام سيطرته على الفلسطينيين وأراضيهم خاصة في المناطق المصنفة (ج) والتي تشكل 60% من مساحة الضفة.
ويدرك المراقبون أن المشروع الصهيوني يلاحق الفلسطينيين في كل شيء حتى في تاريخهم وأرضهم التي هي جوهر الصراع ومناهجهم الدراسية، ويشوه تاريخ قضيتهم ونضالهم مع العدو الذي يغتصب الأرض منذ 75 عاماً من عمر النكبة، ونصف قرن ونيف من عمر نكسة حزيران، ويستغل كل شيء لتمييع وتضييع القضية الفلسطينية وإغراقها بمتاهات ودهاليز الحلول الاقتصادية والأمنية بديلاً عن الحل السياسي كما حصل في مسار العقبة -شرم الشيخ مؤخراً، وإلهاء الفلسطينيين بقضايا جانبية عبر تغذية الانقسامات والصراعات الداخلية فيما بينهما على نظام سياسي مهترئ بتحكم الاحتلال بكافة جوانب حياة الفلسطينيين وسلطتهم حتى أصبح حالهم يقول إنهم «سلطة لا تملك زمام السلطة على الأرض، ونظام دولة دون سيادة على أرضها ولا على شعبها، ولا تملك حتى سجل سكانها وأراضيهم».
ويرى المراقبون أن «إسرائيل» الدولة الفاشية القائمة بالاحتلال قد أسست نظام نظام فصل عنصري «أبارتهايد» يهيمن على الشعب الفلسطيني بأكمله، جرى تقسيمه إلى أربع فئات تخضع كل منها لترتيبات قانونية مختلفة، فيما «إسرائيل» تثبت بسياساتها وممارساتها أنها مذنبة بارتكاب جريمة الأبارتهايد كما تعرّفها مواد القانون الدولي، وهذا ما تؤكده تصريحات نتنياهو المتكررة «يوجد شرطان لدولة فلسطينية: الاعتراف من جانبهم بدولة يهودية والتخلي عن فنتازيا القضاء علينا وسيطرة إسرائيلية أمنية غرب النهر»، فالمطروح هو طغيان استعماري للأبارتهايد العنصري على حساب الدماء الفلسطينية الزكية.
أمام تردي الوضع الفلسطيني، حيث الانقسام السياسي يدخل عامه السادس عشر على التوالي ويسل كل طرف من طرفي الانقسام سيفه في الصراع الدائر على سلطة لا تملك زمام سلطتها على أرضها ومواردها الطبيعية، فيما معدلات الفقر والجوع والبطالة وانعدام الأمن الغذائي والوظيفي في تزايد، وتردي الخدمات وهجرة الموت عبر البحار في تعاظم، وإجراءات عقابية وضرائب هنا وهناك تُضيّق الخناق على الشعب وتموّل عبرها سلطاتها الأمنية.
لكن هذا يفتح شهية التساؤل، لماذا القوى السياسية والتحركات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني تفشل في تجييش وتزخيم الشارع الفلسطيني للوقوف في وجه المشاريع التفاوضية الهابطة والفاسدة، والدفع بتحركات جماهيرية ضخمة تجاه الحدود ومناطق التماس مع العدو بأعداد مؤلفة، وعدم اقتصارها على مناسبات كـ«يوم الأرض وذكرى النكبة وغيرها»، حتى لا تفقد تلك المسيرات حيويتها لابتعادها عن مناطق التماس والاحتكاك، لأن الاحتلال باقٍ طالما لم نرفع كلفته بالمقاومة بكافة أشكالها وأدواتها.
أمام تلك الأوضاع المأساوية والخطيرة التي وصلت إليها الحالة الفلسطينية، وأمام تغول النظام الاستعماري الإحلالي الاستيطاني الصهيوني على شعبنا وأرضه وحقوقه، فلا بد من مغادرة كافة المشاريع الهابطة من أوسلو وحتى مسار العقبة –شرم الشيخ والتي تشكل غطاءً سياسياً لجرائم الاحتلال، وحشر القضية الفلسطينية بحلول أمنية ومعيشية، ولا بد من تطبيق قرارات الشرعية الفلسطينية في المجلسين الوطني والمركزي، والزج بأبناء شعبنا في حرب التحرير الشعبية تحت قيادة مركزية موحدة تكفل التأطير والتنظيم وتزويد المقاومة باحتياجاتها الميدانية والبرنامجية وتوفير الحماية السياسية والأمنية لها، ولا بد من انجاز الوحدة الداخلية وإنهاء الانقسام، وتعزيز صمود الشعب في مواجهة الاحتلال والاستيطان والتصدي للجرائم والممارسات الفاشية والعنصرية ورفع كلفة الاحتلال لدفعه للرحيل.
ليكن «يوم الأرض»، يوم العودة إلى الديار والممتلكات التي هُجر منها اللاجئون، يوماً للوحدة الداخلية، يوماً للمقاومة الشعبية، تحت راية البرنامج الوطني المرحلي وراية م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، برنامج المقاومة والانتفاضة وتدويل القضية والحقوق الوطنية في محافل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
هذه هي حقيقة يوم الأرض بتاريخه وجغرافيته، فمن لا يعي التاريخ سيسقط حتماً في وحل الجغرافيا. ففلسطين بماضيها وحاضرها ومستقبلها مرتبط بالجغرافيا الفلسطينية جوهر الصراع، فيما الدولة المصطنعة «إسرائيل» تعيش على استيراد السكان والمال والنفوذ والسلاح وممارسة الإرهاب المُنظم وتشويه التاريخ والنضال والهوية الفلسطينية، لا يمكن أن تعيش ولا بد لها إلا أن تسقط في اللحظة الذي ينقطع فيها الحبل السري الواصل بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية. ■