شكلت ملحمة جنين بكل تضحياتها وما قدمه المجاهدون من سرايا القدس مفصلاً من تاريخ المقاومة الفلسطينية فسطرت بدماء الشهداء مرحلة من الصراع بين قوى الخير والشر في المنطقة قوى الخير الباحثة عن النصر والتحرير، وشكلت نموذجاً يتباهى به الفلسطينيون في الوحدة الميدانية بين فصائل المقاومة والقيادة المشتركة لمواجهة باسلة.
يُصادف اليوم الثالث من أبريل من كل عام ذكرى ملحمة جنين البطولية التي قادها جنرال سرايا القدس الشهيد القائد محمود طوالبة برفقة إخوانه المجاهدين من فصائل المقاومة الفلسطينية، أبطال عاهدوا الله على أن ينالوا إحدى الحُسنَيَيْن، إما النصر أو الشهادة، ليعبِّدوا لنا بأكفهم الطاهرة، ودمائهم الزكية وأشلاء أجسادهم طريق النصر والكرامة، ويرسخُّوا معادلة مفادها أن زمن الهزائم قد ولَّى.
ففي الساعة الواحدة من فجر الثالث من نيسان/ أبريل لعام 2002م، اقتحم جيش الاحتلال الصهيوني مدججاً بالآليات العسكرية تسانده الطائرات الحربية مخيم جنين، وشنَّ هجوماً شرساً وواسعاً على المخيم من كافة الجهات وقصفه قصفا جوياً عنيفاً، بذريعة القضاء على "البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية"، كما جاء على لسان وزير الحرب آنذاك، شاؤول موفاز الذي كان يشرف على العمليات بنفسه، وذلك في إطار الحملة التي أطلق عليها رئيس وزراء العدو في حينه، المجرم أرئيل شارون، حملة "السور الواقي".
وأطلقت قوات الاحتلال على مخيم جنين مصطلح "عش دبابير" سرايا القدس و عاصمة "الجهاد الإسلامي"، وحاولت اجتياحه قبل ما تسمى عملية "السور الواقي"، أكثر من مرة وفي كل مرة كان جيش الاحتلال يجد أهل المخيم له في المرصاد يتصدون لجنوده بكل شراسة وثبات.
صمود وتحدي
وفي انصهار وطني مقاوم عز نظيره، شهد المخيم صموداً وانسجاماً بين المقاومين من سرايا القدس وكتائب القسام وكتائب شهداء الاقصى، إضافة لضباط وعناصر من الأمن الوطني بقيادة الشهيد يوسف ريحان "أبو جندل"، ومتطوعين من البلدات والقرى المجاورة وعدة مناطق.
أبدعت المقاومة الفلسطينية في تنفيذ سلسلة عمليات بطولية جريئة وبوضع خطط عسكرية أربكت العدو الصهيوني وكبدته خسائر فادحة، حيث اعترف العدو بمقتل 23 جندياً وإصابة العشرات خلال معركة المخيم، لا سيما الكمين النوعي لسرايا القدس الذي قتل فيه 13 جندياً صهيونياً وأصيب 15 آخرين.
ولمواجهة هذا التوحد الذي أنتج قوة لا مثيل لها في حينه، لم يجد الاحتلال وسيلة إلا باستخدام كل ما يملك من قوة، حيث شارك سلاح الطيران الحربي وقصف المخيم والبيوت على من فيها بعشرات الصواريخ والقذائف المحرمة دولياً.
شهد المخيم مجزرة "منازل" لم يسبق لها مثيل، حيث سويت المئات منها بالأرض. وحسب الإحصائيات المتوفرة فقد أسفر الاجتياح الصهيوني للمخيم عن هدم 455 منزلاً بشكل كامل وتشريد سكانها، كما دمرت 800 منزل بشكل جزئي.
وانتهت معركة مخيم جنين، بمجزرة صهيونية أدت لاستشهاد 58 مواطناً، معظهم من النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، بعضهم نزف حتى استشهد بسبب منع نقلهم للمستشفى، وآخرون عثر عليهم تحت الانقاض بعد انتهاء المجزرة.
ومن بين الشهداء أكثر من 20 مقاوماً من مختلف التشكيلات العسكرية لفصائل المقاومة، ونحو 100 معتقل لا يزال غالبيتهم أسرى خلف القضبان، حيث صدر بحقهم أحكاماً جائرة بالسجن لسنوات طويلة، من أبرزهم الأسير القائد ثابت مرداوي والأسير القائد الحاج علي السعدي (الصفوري) وهما من قادة سرايا القدس.
شهداء سرايا القدس
خلال معركة جنين البطولية قدمت سرايا القدس كوكبة من شهدائها الأبطال، فاستشهد نحو 10 من قادتها ومجاهديها وهم: نضال سويطات ومنير وشاحي وطه الزبيدي ومحمد تركمان وعبد الرحيم فرج وشادي اغبارية (نوباني) ونايف عبد الجابر، ومن أبرز القادة: الشهيد القائد الكبير محمود طوالبة قائد معركة جنين، والشهيد الشيخ رياض بدير.
كما قدمت سرايا القدس خلال المعركة الاستشهادي المجاهد راغب جرادات الذي خرج من وسط معركة جنين وتحدى كل الإجراءات الصهيونية، وخرق أسوار العدو الواقية وكل احتياطاته العسكرية ونفذ عمليته النوعية في قلب العمق الصهيوني وفجر جسده الطاهر في حافلة صهيونية مكتظة بالجنود الصهاينة على مفترق ياجور في مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة وأدت العملية لمقتل 8 جنود صهاينة وإصابة أكثر من 20 آخرين.