قائمة الموقع

معركة الأقصى بين تطويع الوعي وفرض الوقائع التدريجية للتهويد

2023-04-05T10:04:00+03:00
مواجهات في الأقصى
بقلم/ ياسر عرفات الخواجا

تكثف جماعات الهيكل المرفوض والمزعوم نشاطاتها الأوسع فى هذه الأيام احتفالاً بما يسمى بعيد الفصح، وبخطىً متسارعة تنشط مساعيها تجاه تنفيذ أكبر عملية اقتحام للمسجد الاقصى المبارك، وفرض الطقوس المستوحاة من أساطيرهم التلمودية المتنوعة؛ ليتم من خلال ذلك فرض واقعٍ جديدٍ هو الأخطر. وربما يتوج تلك الخطوات التهويدية  بالتلويح بما يسمى ذبح القرابين، هذه الخطوة – حسب اعتقادهم- هي الخطوة التي تسبق هدم المسجد، بعد سلسلة الخطوات والمراحل التي سبقت ذلك كالنفخ فى البوق، والسجود الملحمي، والرقصات التلمودية، والصلوات التي يرددونها بصوت مرتفع، وإتمام عمليات الزواج، والدخول داخل باحات المسجد الأقصى بشكل متبرج، والتقاط الصور فى إشارة لإهانة قدسية المسجد، وفرض تصور جديد من خلال إثبات سلوك التقسيم الزماني والمكاني الحاصل أصلاً، ومحاولات إظهار الأمر وكأن المسجد الأقصى مقسم بين المسلمين واليهود  يتعبدون فيه فى أوقات مختلفة.

بهذا السلوك هم يحاولون تجسيد أحقية اليهود بالتعبد فى المسجد، والأمر الأشد خطورة في هذه الخطوات يتمثل في أنه يأتي ضمن عملية خطيرة ومدروسة لتطويع العقل العربي الفلسطيني المسلم، من خلال فرض الوقائع التدريجية المخطط لها، حتى بتنا اليوم ومن خلال جعلهم إيانا نركز على أخر خطواتهم الماكرة والخبيثة تجاه تهويد المسجد الأقصى واعتبارها بمثابة الخط الأحمر -وهي التهديد بذبح القرابين- ننسى الخطوات الأخطر السابقة التي قادت إلى محاولات التهديد بذبح القرابين. وللأسف يقع الكثير فى هذا الفخ من التضليل والتلاعب بالذاكرة وتوجيهها إلى المسار الذي يريدوننا أن نركز عليه، كقول البعض: "إن أي تغير بالوضع القائم فى المسجد الأقصى سيؤدى إلى  زلزال وانفجار فى المنطقة"، وكأن الوضع الراهن الذى وصلنا إليه هو خالٍ من المتغيرات والتطورات التهويدية الخطيرة للمسجد الاقصى. لقد استطاعت هذه الجماعات الصهيونية الخبيثة، وبمساعدة ومساندة القرارات التي تصدر عن المحكمة العليا والحكومة والجيش والشرطة أن تذلل العقبات نحو تنفيذ مخططاتها التهويدية.

وللأسف، فإن خطوة التهديد بذبح القرابين هي التي تشغل العواطف ويتم تسليط الضوء عليها ويتركز الحديث عنها من خلال الانفعالات العاطفية  والشجب والاستنكار والتهديد، متناسين كل الخطوات والمراحل السلوكية السابقة التي كرست حقيقة مفهوم التقسيم الزماني والمكاني، والتي سبقنا الاحتلال بخطواته العملية في تكريسها، وبقينا نحن ندور فى دائرة التهديد المفرغ، إلى أن وصلنا إلى مرحلة فرض الأمر الواقع بإدخال الأضاحي  والقرابين. إن هذا التقسيم الزماني والمكاني الحاصل للأسف يعطى حقيقة جديدة فى طريقها للتبلور، وهي أن هنالك فريقان يحق لهم حرية التعبد، وهم أتباع المسجد وأتباع الهيكل، فالمسلمون يتعبدون ويؤدون صلواتهم، واليهود يؤدون طقوسهم وأساطيرهم وخرافتهم فى نفس المكان.

إن حالة التطويع العقلي والتكيُّف النفسي التي نصل إليها مع كل خطوة يحققها المستوطنون تجاه عملية التهويد فى المسجد الاقصى يجعلنا نقر بأن العدو يتقدم فى خطواته التي عجزنا نحن عن صدها. حيث تضع منظمات الهيكل المزعوم قضية تقديم ذبح القرابين داخل المسجد الأقصى نصب أعينها، وفى وأولويات اهتماماتها منذ سنوات طويلة، ليس فقط تحقيقا واحياءً وانتصارًا لعيد الفصح، وإنما أيضاً تحقيقاً لها كخطوة أخيرة تسبق ما يسمى بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على انقاضه، ففي  كل عام، ومنذ عام (2016م) تدعو جماعات الهيكل لما يسمى بالتحضير  تقديم القربان فى محيط المسجد الأقصى، وفى كل عام تقترب المحاولات من تنفيذها أكثر فأكثر، تمهيداً لتحقيق ذلك داخل المسجد الأقصى.

لقد تحدث عن ذلك سابقاً "الحاخام كروز" وهو يلقى كلمة أثناء اقتحامه للمسجد الأقصى قال: "كل شيء جاهز لتقديم ذبيحة الفصح فى جبل المعبد وفي الوقت والمكان المحدد للذبح"؛ مشيراً إلى قبة السلسلة، و"هناك خراف بلا عيوب، وكهنة جاهزون، وملابسهم جاهزة، ينقصنا فقط تغيب الوعى وأن نخطى الخطوة الأولى".

لقد شكلت نتائج معركة سيف القدس التي رافقت مسيرة  الإعلام فى وقتها تحقيق معادلة ردع تجاه عملية التهويد فى القدس، ووضعت حدّاً لكل التجاوزات التي مارسها المستوطنون من اليمين الديني بدعم وإقرار من قبل حكومة الاحتلال. هذه المعادلة كان من الممكن البناء عليها فى التقدم  أكثر نحو لجم سلوك الاحتلال العدواني تجاه المسجد الاقصى الذى تنامى بشكل متسارع نحو عملية تهويد المسجد الأقصى من بعد مسيرة الأعلام فى العام الذى تلى معركة سيف القدس إلى وقتنا هذا، مسجلين جملة من التجاوزات فى تثبيت معادلة التقسيم الزماني والمكاني.

وتجدر الإشارة إلى أن خطوة الاتفاق الأردني الإسرائيلي حول تقليص فترات الاعتكاف فى المسجد الاقصى هي خطوة متساوقة مع ما يخطط له الاحتلال، وهى خطوة خطيرة تضاف إلى خطوات الاقتحام والتهويد المستمرة للمسجد الأقصى، حيث تم تحديد وتقليص أوقات الاعتكاف؛ في محاولة لإضعاف دور المرابطين ودورهم فى حماية المسجد؛ الأمر الذي من شأنه أن يجعل الاحتلال يحقق قدرة جديدة على التحكم فى الأداء والنشاط التعبدي للمسلمين والحدّ منه، وفى مقابل ذلك إطلاق العنان للمستوطنين لأداء طقوسهم وأعيادهم بحرية مطلقة تتيح لهم فرصة التهويد للمقدسات أكثر فأكثر. لذلك فإن قرار الاتفاق بتقليل أيام وليالي الاعتكاف هو تدخل خطير يأتي فى سياق العبث فى شعيرة من شعائر المسلمين، وهذا تجاوز ليس له سابقة من قبل، الأمر الذى يشير وبكل صراحة ووضوح بأن الإحتلال ماضٍ فى خطواته تجاه المسجد الأقصى ولن يتوقف.

اخبار ذات صلة