اتسم خطاب "نتنياهو" بنوع من الأكاذيب والتضليل والتهويل، واتهام ولوم للمعارضة تارة واستعطافها تارة أخرى، لكن الملفت للنظر أن بعض عباراته نطقت بالصدق، وسأتناول في هذا المقال عبارة هي الأصدق في خطابه، وهي محور المقال.
بلادنا تتعرض لاعتداء إرهابي، وردع إسرائيل تضرر ويقصد "نتنياهو" بهذه العبارة الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له "إسرائيل" من الحدود اللبنانية. ولعل أخطر ما في هذا الهجوم بنظر "نتنياهو" وقيادة العدو يكمن في أمرين، الأمر الأول هو أن محور المقاومة قد حسم أمره وأخذ قراراً بالرد، بمعنى أن الخطورة لا تكمن في إطلاق الصواريخ فحسب، بل الخطورة تكمن في جرأة محور المقاومة على اتخاذ قرار كهذا. أما الأمر الثاني الذي لا يقل خطورة عن سابقه هو أن محور المقاومة من يقف خلف قرار الإطلاق، وأنه بات مستعدًا للمواجهة، بعكس كيان الاحتلال الذى لم يكن جاهزًا، أو بعبارة أخرى بات غير قادر على مواجهة مفتوحة مع حزب الله. فتهديد نصر الله لم يكن ثقة مفرطة للنفس بقدر ما هو ثقة واقعية وإدراك حقيقي للمشهد الصهيوني برمته؛ لذلك جاء اعتراف "نتنياهو" في خطابه أمس واضحًا وصريحًا حول تآكل وتضرر قوة ردع كيانه، وهذه سابقة خطيرة لم يعترف بها أي رئيس وزراء سابق.
وتجدر الإشارة أن هذا التآكل قد ازدادت وتيرته من خلال تثبيت المعادلة الجديدة التي يسعى الحزب لتكريسها، والمتمثلة بتهديد نصر الله المتكرر بأن أي اعتداء عسكري أو أمني على لبنان سيترتب عليه رد فوري وقوي جداً، وكأن نصر الله يقول لهم بأن ساحة لبنان أصبحت مفتوحة للرد على الكيان وبأيدٍ فلسطينية وبحماية من حزب الله في حال تطاول الاحتلال على المقدسات وغيرها، فإسرائيل لم تجرؤ على الرد على ساحة لبنان التي أطلقت منها الصواريخ، بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث طلبت إسرائيل تدخلات ووساطات خارجية تطلب فيها أن يتفهم حزب الله طبيعة الرد الإسرائيل على مواقع وبنى تحتية تابعة لحماس داخل المخيمات الفلسطينية.. لكن رد حزب الله كان رداً رافضًا وحازماً وقوياً،وهذا ربما ما دفع نتنياهو للذهاب لمواجهة مع غزة ولو بشكل محدود ،مع المحافظة على قواعد الاشتباك ،لإرضاء الرأى العام الداخلى،وإئتلافه من اليمين الدينى، وقطع الطريق على المعارضة من أى محاولة لانتقاذه.
فالكيان الصهيوني يدرك تماماً أكثر من غيره أن المواجهة مع حزب الله اليوم أصبحت خاسرة جداً في ظل الإمكانيات والقدرات العسكرية التي يمتلكها الأخير، وخصوصاً القدرة الصاروخية الدقيقة والتي يصل تعدادها إلى (150) ألف صاروخ، وربما يصل مداها إلى أكثر من ذلك، هذا بالإضافة إلى تعداد جيشه ومقاتليه الذين يصلون إلى (100) ألف مقاتل يمتلكون قدرات وتدريبات قتالية خاصة تحاكي قدرات مقاتلي أقوى الجيوش، هذا بالإضافة للترسانة العسكرية الأخرى المتمثلة بالصواريخ المضادة للطيران والسفن الحربية والدبابات المصفحة، وكذلك ما يمتلكه الحزب من الأسلحة النوعية والخطيرة كالمسَيَّرات التجسسية والانتحارية، بالإضافة إلى قدرة حزب الله على تهديد المصالح البحرية الممثلة بمنصات الغاز وعلى رأسها منصة "كاريش" الموجودة على طول المنطقة البحرية لساحة فلسطين المحتلة، بالإضافة لقدرة حزب الله أيضًا على تهديد حرية الملاحة البحرية لإسرائيل بشكل عام. فكل هذه الترسانة العسكرية وكل هؤلاء المقاتلين يشكلون عامل ردع لدولة الاحتلال، وبالتالي فلن يجرؤ أبداً على بدء أي مواجهة مفتوحة مع حزب الله في الفترة الحالية.
ولم تقف مسألة تآكل الردع على جبهة لبنان فقط، بل تعدى ذلك إلى إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية نحو الجولان المحتل، وهذا بحد ذاته أمر بالغ الخطورة في نطر القيادة الصهيونية، فقد كانت "إسرائيل" تضرب الأهداف السورية والإيرانية دون رد، لكن الجديد في الأمر اليوم أن أي اعتداء على الأراضي السورية أو استهداف للمصالح الإيرانية سيقابل برد من الأراضي السورية بإطلاق المزيد من هذه الصواريخ.