مفاعيل تنامي العمل المقاوم في المشهد الإسرائيلي متعددة في اكثر من اتجاه سياسيا وعسكريا واقتصاديا لكن ما يلفت الانتباه تداعياتها على مزاج الإسرائيليين وموقفهم من الحكومة الإسرائيلية والتي تحكم على قاعدة غالبية اكثر من 61 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي لكن المعيطات التي تشير اليها استطلاعات الرأي الإسرائيلية تظهر ارقاما تؤكد ان الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو لو خاضت انتخابات عامة الآن ستفقد الغالبية وتصبح في المعارضة.
استطلاعات الرأي الإسرائيلية ربما تخطأ في دقة نتائجها لكن ترسم اتجاها وميلا لدى الإسرائيليين في ضوء استمرار عمليات المقاومة وحالة التوتر والمواجهة الأمر الذي يؤكد أن المقاومة تضرب حكومة نتنياهو في قاعدتها الانتخابية، وهذا الميل أكده اكثر من استطلاع رأي نشر مؤخرا في الإعلام الإسرائيلي منها القناة 13 الإسرائيلية قبل أسبوع الذي بين ان قاعدة ائتلاف حكومة نتنياهو تتراجع من 64 الى 46 مقعدا أي انه يخسر 18 مقعدا فيما استطلاع صحيفة معاريف أوضح أن هذا الائتلاف يتراجع الى عدد اقل لـ 51 مقعدا وهو في الحالتين يفقد الغالبية، وهنا لا بد من الإشارة الى عدد من النقاط:
أولا: ان المقاومة كانت وما زالت في كل منعطفات العمل المقاوم عاملا أساسيا في تشكيل الخارطة الإسرائيلية فضرباتها تنعكس بشكل مباشر على توجهات الإسرائيلي الذي يفقد الثقة في الحكومة ويتخلى عن التصويت لها.
ثانيا: المقاومة تحقق نجاحا لافتا في فرض فقدان الأمن لدى الإسرائيليين وضرب مرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي في توفير الهدوء والاستقرار للمجتمع الإسرائيلي، وأكد ذلك درجة الإحساس بالأمن لدى الإسرائيليين من عشرة نقاط وهي الأعلى والتي انخفضت إلى اقل من خمسة نقاط وفي غضون شهرين تراجعت من 4.48 الى 3.92 في استطلاع القناة 13 الإسرائيلية.
ثالثا: فقدان الأمن انعكس في عدم الثقة بشكل كبير في قدرة الحكومة ورئيسها نتنياهو على علاج فقدان الإسرائيليين للأمن بوقف عمليات المقاومة، فهناك 60% لا يثقون بالحكومة في هذا السياق مقابل 27%، فيما النسبة ترتفع الى 71% عند السؤال عن أداء نتنياهو وقدرته على توفير الأمن.
رابعا: نسبة كبيرة لمن يفقدون الثقة في الحكومة تأتي من بين مؤيدي حزب الليكود فعند السؤال عن الثقة في علاج الحكومة لعمليات المقاومة فان 41% من مصوتي الليكود لا يثقون بها مقابل 48% يثقون، وعدم ثقة مصوتي الليكود بنتنياهو تصل الى 48% مقابل فقط 38% يثقون به في تأكيد على الخلخلة التي تحدثها عمليات المقاومة بين القاعدة الانتخابية لحزب الليكود.
خامسا: في كل الجولات الانتخابية الخمس خلال الأعوام الأربع الأخيرة كان نتنياهو في استطلاعات الرأي يتقدم على منافسيه بني غانتس ويائير لبيد بفارق كبير فتأييد نتنياهو لرئاسة الوزراء بين الإسرائيليين تراوح بين 40 الى 48% فيما تذبذب غانتس ولبيد بين 8 الى 25%، ولكن يحدث لأول مرة أن يتقدم غانتس ولبيد على نتنياهو بفارق كبير، ففي استطلاع القناة 13 الإسرائيلية حصل غانتس على 51% مقابل 34% لنتنياهو، ولبيد 41% مقابل 37% لنتنياهو في إشارة الى انكسار صورة نتنياهو كما عرف بسيد الأمن لدى الإسرائيليين.
سادسا: كل الأرقام السابقة أكدها توزيع المقاعد في حال جرت الانتخابات العامة للكنيست الآن فالليكود في استطلاع قناة 13 يصبح الحزب الثالث بـ 20 مقعدا ويفقد عددا كبيرا من المقاعد( 12)، بينما يتقدم لأول مرة حزب غانتس ( المعسكر الرسمي) ليصبح الحزب الأول بـ 29 مقعدا وحزب لبيد(يوجد مستقبل) بـ 21 مقعدا، وفي استطلاع صحيفة معاريف كانت النتائج متقاربة فالليكود والمعسكر القومي يحصلان على 26 مقعدا لكل واحد منهما ويوجد مستقبل 19 مقعدا.
سابعا: يظهر استطلاعي القناة 13 وصحيفة معاريف بداية تراجع ملموس للصهيونية الدينية والتي تتراجع إلى 11 مقعدا في استطلاع قناة 13 وإلى 9 مقاعد في استطلاع معاريف ويصل سموتيرتس لـ 5 مقاعد وينخفض حزب ايتمار بن غفير(العظمة اليهودية) إلى 4 مقاعد ويقترب من نسبة عدم تجاوز الحسم، ولا تخفى هنا دلالة ان المقاومة ضربت الفقاعة التي التف حولها كثير من الإسرائيليين واسمها بن غفير والذي بات يستقبل بصحيات استهجان من جمهور اليمين ويتردد في الوصول الى مواقع عمليات المقاومة.
لا تعني هذه النتائج باي حال اعتدالا في ميول الإسرائيليين نحو اليمين واليمين المتطرف والاتجاه نحو الوسط واليسار فالأصوات في معظمها تذهب نحو غانتس الذي يرى فيه الإسرائيليون أكثر قدرة على وقف العمليات والعمل باتزان أكبر بعيدا عن التأثر بقضاياه الشخصية كما نتنياهو والمتعلقة بتهم الفساد الثلاث التي يحاكم عليها.
أيضا لا تشير هذه النتائج إلى تحول او اعتدالا في الموقف من الفلسطينيين بل تعكس عدم الثقة بحكومة نتنياهو نتيجة تصاعد العمليات وعدم قدرتها على الحد منها.
كما لا يخفى انه بين ثنايا هذه النتائج ان مسألة التعديلات القضائية ساهمت بطريق غير مباشر في فقدان الثقة بنتنياهو وحكومته بعد المظاهرات الواسعة التي خرجت ضدها، فهي تعكس تصويت جزء ملموس من جمهور اليمين ضد هذه التعديلات وكذلك بشكل أكبر فقدان الأمن بسبب عمليات المقاومة.