قائمة الموقع

فهد سليمان: القضية الفلسطينية في إطار التطورات الإقليمية تقف على عتبة مرحلة جديدة

2023-04-17T17:49:00+03:00
فهد سليمان
شمس نيوز - بيروت

قال فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن تطورات الأوضاع الناهضة في فلسطين، مترافقة مع التطورات والإنفراجات الإقليمية والعربية، تضع القضية الفلسطينية على عتبة مرحلة جديدة، من شأنها أن تعزز القدرة النضالية والكفاحية لشعبنا، وتقربه من تحقيق أهدافه الوطنية.

وفي حوار مطول مع قناة «المنار» اللبنانية في «اليوم العالمي للقدس»، قال فهد سليمان: إن يوم القدس العالمي، جعل من قضية القدس قضية إنسانية عالمية، إلى جانب كونها قضية وطنية فلسطينية من الطراز الأول، والتي بدونها يبقى الحديث عن تحرير أرضنا الفلسطينية أمراً لا معنى له.

وأكد نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية عمق أصالة شعبنا الفلسطيني ووحدته الوطنية وخبرته النضالية، وقدرته على تفويت الفرصة على المشاريع الهابطة، والخطط المعادية، كمخطط الجنرال مايك ڤنزل، لإحداث فتنة في الصف الفلسطيني، مؤكداً في السياق ثقته أن من تطمح مشاريع ڤنزل ليكونوا أداة في محاصرة المقاومة الشعبية في الضفة الفلسطينية، سينضمون في اللحظة الحاسمة إلى صفوف المقاومة الشعبية والمسلحة، يدفعهم إلى ذلك عمق انتمائهم إلى شعبهم وأرضهم وقضيتهم:

وفي رد حول دور الوعي في المعركة الوطنية ضد المشروع الصهيوني قال فهد سليمان:

هنالك صراع تاريخي بين الرواية الوطنية الفلسطينية والرواية الصهيونية التلمودية، وصراع موضوعه «الأرض» واقعها، مصيرها، مستقبلها فضلاً عن هوية شعب هذه الأرض، أفضت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة إلى مجيء طغمة سياسية أيديولوجية، تحمل راية الحلول التصفوية للقضية الوطنية وشعبنا الفلسطيني، أي استكمال المخطط الذي بدأ عام 1948، واستؤنف عام 1967، المفترض من منظور هذه الطغمة أن يدخل بفصله الأخير الآن، نحن أمام حكومة ترمي إلى اتخاذ إجراءات للضم القانوني لأراضي الضفة الفلسطينية بعد أن أقدمت على ذلك في القدس، كما في الجولان، من خلال سريان مفعول المنظومة القانونية لدولة إسرائيل على هذه الأراضي.

وعن موقع القدس في المعركة مع المشروع الصهيوني قال نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية فهد سليمان:

القدس هي المحور، وهي القلب، وهي ترمز إلى الموضوع الفلسطيني كله، الرواية الصهيونية ترمي إلى تحويل القدس إلى جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني، من بوابة المسجد الأقصى المبارك، لذلك ما هو مطروح الآن هو الانتقال من التقسيم الزماني إلى التقسيم المكاني، بمعنى بعد أن سمحت السلطات الإسرائيلية لبعض التجمعات اليهودية لتقيم طقوسها في باحات الأقصى، فهي بصدد الانتقال إلى مصادرة أجزاء من هذه الباحة لكي تقام عليها بشكل ثابت طقوسهم، أي أن للصراع الدائر في القدس الآن عدة أبعاد، بعد ديني، وبعد حضاري ثقافي ذو صلة بالوعي العام، من جهتهم كما من جهتنا، كما له علاقة أيضاً بمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فالعلاقة بين القدس والضفة الغربية تبادلية كما الضفة درع للقدس، القدس درع للضفة، علاقة الحماية هي علاقة متبادلة بين الجانبين، الأمور لا تقاس هنا بمساحتها بل برمزيتها وبكثافتها، وبما يمكن أن تمهد له في المستقبل، بهذا المعنى، يمكن أن تقدم إسرائيل على خطوات غير محسوبة في الفترة القادمة، لم تجرؤ عليها أي حكومة سبقتها منذ الاحتلال عام 1967، بما في ذلك، الإقدام على إجراءات تندرج تحت مظلة القانون الإسرائيلي تؤدي إلى مصادرة أجزاء من المسجد الأقصى.

وفي رؤيته حول موقع القضية الفلسطينية من عيون شعوب المنطقة والعالم قال فهد سليمان:

القضية الفلسطينية بالجوهر هي قضية إنسانية، وعندما نتكلم عن القضايا الإنسانية، هذا يعني في المقدمة، الحرية، حرية الإنسان والمجتمع، نتكلم عن الحرية بمعنى حقوق الإنسان، والمساواة بين جميع أعضاء المجتمع وبين الشعوب الخ، إن أهمية يوم القدس العالمي تكمن في النظرة الاستشرافية التي حكمت إطلاقها من قبل الإمام في وقت مبكر، والثورة الإيرانية لما توطد مرتكزاتها بعد، اعتبارها من البديهيات العمل الوطني أو من العمل السياسي أو القومي أو الديني، فالثورة الإيرانية انتصرت في شهر شباط 1979، وبعدها بستة أشهر في آب 1979، تم الإعلان عن يوم القدس العالمي، في تلك الفترة كانت الثورة الإسلامية في بداياتها، وتتعرض لضغوطات ولهجمات، وكانت معنية أن تدافع عن نفسها، في هذه اللحظة بالذات أتت النظرة المستقبلية، التي أًطلِقت في حينها، لكي تضع الجمهورية الإسلامية من جهة بإطار السياسة الكونية المسكونة بالفطرة الإنسانية.

وبنفس الوقت وضعت إطاراً للقضية الفلسطينية بحد ذاتها بحيث تتجاوز إطارها القطري أو الإقليمي أو المحلي البحت، هذه العلاقة التفاعلية بين ثورة وضعت نصب الأعين الأفق العالمي، وبين قضية تحررت من مسارها المحلي، هذا التلاقي ما بين العاملين، هو الذي يعطي هذه المناسبة قيمتها من جهة، ويلزم الطرف الذي أطلقها بواجبات معينة منذ أن تم إطلاق هذا النداء، بمعنى آخر، نلاحظ أن الجمهورية الإسلامية ما زالت ملتزمة بشكل مبدئي وعملي بكل ما يترتب على مساندة قضايا النضال التحرري الفلسطيني في جميع المراحل التي تجتازها رغم الصعوبات التي واجهتها في العديد من المحطات، بما في ذلك الحرب التي خاضتها وهي حرب دفاعية مشروعة بين عامي 1980 -1988.

وعن معاني دوام الاحتفال بـ«اليوم العالمي للقدس»، رغم المنعطفات والتطورات العاصفة محلياً ودولياً أجاب فهد سليمان بالقول:

الانتصار له بعدان: أخلاقي وعملي، يتحقق الانتصار العملي عندما يرتفع علم فلسطين في القدس وأسوارها، هذا الانتصار العملي هو انتصار سياسي، وطني وقومي، أما الانتصار الأخلاقي فهو أننا عندما أطلقنا نداء «يوم القدس العالمي»، ثبتنا معلماً عميقاً رئيسياً في معركة الوعي بالبعد الأخلاقي لهذه المعركة، التواصل والاستمرار بإحياء هذه المناسبة يعزز الجانب الأخلاقي، بكل ما يترتب عليه من جوانب عملية، لذلك أنا أعتقد أن هذه المناسبة «يوم القدس العالمي» التي يتم إحياؤها سنوياً، وخاصة عندما نلاحظ التعبئة الجماهيرية الشاملة التي تجري في عديد البلدان في العالم، تؤكد مرة أخرى أن البعد الأخلاقي يتحول تدريجياً بشكل تراكمي شيئاً فشيئاً إلى بعد مادي حقيقي يلعب دوراً رئيسياً في معادلات الصراع مع التحالف الأمريكي – الصهيوني، وبحيث يدرك أنه لا يواجه شعباً فلسطينياً لوحده فحسب، بل هو شعب يتمتع بعمق دولي، أممي، إسلامي، ديني، أخلاقي، كل هذا يحسب حسابه في ميزان القوى في المواجهة القائمة، لذلك نعتقد أن الجانب الأخلاقي بهذا المعنى له علاقة أولاً بتكريس المناسبة ومعناها وموقعيتها من جهة ، من جهة أخرى يكرس التزام من أطلق هذه المناسبة وكل من يتعاطف معها ويعمل بها ويندرج في إطارها، وبالتالي يعطي الشعب الفلسطيني تلك الخلفية الإسنادية المباشرة التي هو بأمس الحاجة لها، لأنه لا يخوض الصراع ضد الآلة والجبروت الصهيوني، وإنما أيضاً ضد أمريكا التي تتحالف وراءه.

وتناول فهد سليمان المعنى الوارد في شعار «يوم القدس» لهذا العام، «الضفة درع القدس» من جوانبه المختلفة، أهميته، دور الضفة وقدرتها على الصمود فقال:

أولاً لا شك أن الضفة هي درع القدس تستمد قوتها من الدعم المباشر والميدان لأبناء شعبنا في الـ 1948، وعلينا أن لا ننسى دور جماهير الـ48، بالانخراط المباشر في معركة الدفاع عن القدس، في معارك أيار 2021، في معركة «القدس» التي توجت بمواجهة «سيف القدس»، أدوا فيها دوراً مهماً ومؤثراً.

وبطبيعة الحال، يقف الشعب الفلسطيني بأسره وراء القدس، أما الإشارة إلى الوظيفة المتميزة للضفة الغربية، فلها علاقة باعتبارات موضوعية (كما ذكرت من جهة)، فالضفة الغربية تخوض عملياً منذ العام 2015، معركة المواجهة المباشرة بكل الأساليب والوسائل المتاحة مع الكيان الصهيوني، لماذا 2015، لأنها تذكرنا بما سمي بـ«انتفاضة الشباب» أواخر أيلول وأوائل تشرين، تلاها عدد من الانتفاضات منها «انتفاضة بوابات الأقصى الإلكترونية»، «انتفاضة مصلى الرحمن» و«انتفاضة السكاكين» وغيرها .... نحن الآن انتفاضة مستمرة مع وقفات تعبوية منذ العام 2015، أي منذ 8 سنوات، لكنها وصلت الآن إلى درجة معينة من النضج والاكتمال، بحيث بات بإمكاننا أن نقول، أن ضمن هذه المسلسل الانتفاضي المتوالي فصولاً منذ العام 2015، نحن الآن دخلنا إلى فصل أكثر تقدماً من الهبّات والانتفاضات التي سبقتها أو التي مهدت لها.

نحن نعيش الآن انتفاضة متواصلة، بينما الانتفاضات منذ عام 2015 كانت محدودة زمنياً، تستغرق أسابيع قليلة ثم تتوقف لكي تنطلق مرة أخرى، أما الانتفاضة التي نعيش يومياتها الآن فهي فعلاً انتفاضة تقوم على مواجهات يومية، واشتباكات وصدامات حال من التوتر والتصعيد، وهذه من سمات الحركة الشعبية، في الضفة لسنا أمام جيش نظامي يخوض معركة في مواجهة جيش نظامي آخر، نحن شعب ينتظم في تشكيلات مجتمعية متكاملة بكل ما تضمه من فئات وشرائح وطبقات ... الخ. وبالتالي عندما نرصد الوضع تلاحظ أن هذه الانتفاضة هي ثورة متواصلة على امتداد أيام الأسبوع والشهر، وفيها يقدم شعبنا تضحيات بالغة. منذ بداية هذا العام 1/1/2023 سقط مئة واثنان من الشهداء حتى هذه اللحظة، وهؤلاء الشهداء همم شهداء المواجهات المشتعلة، في كل محاور المواجهة الشاملة، من الخليل إلى القدس حتى جنين، ومن أريحا وحتى نابلس ورام الله وبيت لحم وغيرها من المدن والمخيمات والبلدات ... الخ، نحن أمام ظاهرة شاملة تغطي كامل المساحة بكل أشكال النضال في مقاومة شعبية ومسلحة، بمبادرات فردية وجماعية وفصائلية.

واستطرد نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية في تحليله لدور الضفة ومقدرتها على الصمود في مواجهة الفاشية الإسرائيلية بأن للصمود علاقة بالمدد، والشعب هو المدد، ويمكن هنا بالمناسبة انتقد بعض المصطلحات التي تستخدم من قبل العدو الصهيوني، حين يتكلمون عن «الذئاب المنفردة» في وصفه للمقاومين في فلسطين لا وجود لما يسمى بهذه الظاهرة، نحن أمام مجتمع بلغ درجة من التطور والمراكمة في العملية النضالية، بحيث باتت أمام مئات وآلاف الفدائيين المقاتلين المستعدين للعمل بشكل منفرد بمعزل عن أية توجيهات تنظيمية بالمعنى التقني للمصطلح، تأتي من هذه الجهة أو تلك، ما يسمى بالذئاب المنفردة، إنما هو تعبير عن ظاهرة مجتمعية متكاملة لمجتمع بأسره وليس لشرائح معينة أو أفراد معينين من هذا الشعب، الذي يخوض معركة التحرر الوطني في مواجهة العدو الغاصب، هذه قضية ليست جديدة لكنها لم تكن قائمة بهذا المستوى، وبهذه الدرجة من التقدم والزخم – كما هو حالنا الآن – لذلك نقول إن موضوع المدد في السياق المجتمعي الذي نحن بصدده، هو مدد الشعب والمجتمع، ما يسمح لنا بالقول بأن هذه العملية الإنتفاضية تملك مقومات التواصل والاستمرار.

ثم توقف فهد سليمان أمام ما يتردد من أنباء حول تداعيات مسار العقبة - شرم الشيخ والمشاريع الأميركية بما يسمى إنهاء العنف وما تسرب من معلومات مؤكدة حول مشروع الجنرال مايك ڤنزل المشرف الأميركي على التنسيق والتعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال.

فأكد ثقته العالية بوحدة الشعب الفلسطيني الميدانية، قدرته على التأثير في المجريات والمخططات السياسية المعادية وقال إشارة إلى ما يسمى مشروع فنزل بأن الوسائل الأمنية التي تعتمد على أجهزة متخصصة مدربة على عمليات قمع الحركة الشعبية وحركة المقاومة، بينت التجربة أنها ليست فاعلة، لماذا؟ لأن العنصر البشري الذي تعتمد عليه، هو جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومن نسيجه المجتمعي الفلسطيني. فالمجتمع الفلسطيني مجتمع وطني بالأصالة، تتوفر لديه كل الشروط الاجتماعية والتربوية والفكرية وغيرها ... لا يمكن له سوى أن ينتج حالات ملتزمة بقضية فلسطين وفي القلب منها القدس، حتى لو عبئ أفراد الأجهزة الأمنية التي يجري الحديث عنها في مشروع ڤنزل، فإنهم لن ينجحوا في مواجهة المدد الشعبي، وبالتالي عندما يتم تدريبهم فهذا التدريب هو بأمد مؤجل لعناصر مقاومة سوف تطفو على السطح بفترة قادمة، فمن بين الذين قاموا بعمليات ناجحة جداً ألحقت خسائر كبيرة بالعدو الصهيوني، هم عناصر وكوادر من التشكيلات الأمنية الرسمية الفلسطينية أو أفراد عائلات تقلد كبارها وظائف أمنية معينة على امتداد الفترة الماضية بالسلطة الفلسطينية، نحن لا نستطيع أن نفصل ما بين الشباب المناضلين والتشكيلات الأمنية المتخصصة التي لا يمكن أن تفصل عن الشعب، أو تغترب عنه وعن خياراته الوطنية، والتي تشارك بعمليات المقاومة، وحتى لو كانت تأخذ الآن موقف الانتظار والترقب ... فإنها سرعان ما تنحاز إلى صف المقاومة في أول فرصة ممكنة، كل هذا يصب في مجرى المقاومة مهما حاولت أميركا وإسرائيل، ومن الدلائل على صحة ما أقول أن آخر عملية استشهد فيها سعود الطيطي، وهو ضابط في الأمن الفلسطيني، قضى 17 سنة في السجون الإسرائيلية وشقيقه محمود الطيطي، المعروف بالقائد العام، ومحمد أبو دراع قضى 7 سنوات في السجون الإسرائيلية.

ومن هنا نحن نقول لهم دربوا الشباب كما تريدون، فهؤلاء سوف ينخرطون في المقاومة ولو بعد حين.

وتطرق نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية إلى ما يجري في إسرائيل من انقسامات سياسية وانعكاساتها على مجمل الحالة الفلسطينية، وكيف يمكن الاستفادة من خدمة النضال الوطني الفلسطيني.

في قراءتنا للوضع داخل الكيان علينا أن نميز بين الظاهر والباطن، الظاهر هو خلافات بين الإسرائيلي والإسرائيلي، تحت عنوانين رئيسيين العنوان الرئيس هو النظام القضائي في البلد. العنوان الثاني المتمم له هو اختراق الدولة العميقة في إسرائيل بالذات، أي الجيش والأجهزة الأمنية وإعادة صياغتها مرة أخرى، هذا الظاهر يمكن أن يصنف ضمن خانة ما يسمى علمانية الدولة، لنقل الدولة القائمة على الفصل الصارم بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، الدولة بمؤسساتها، هذا الظاهر، وهذا حقيقي، ليس ظاهراً مزيفاً أو مصطنعاً.

هناك خلافات بين الإسرائيليين حول الدولة ومضمون الدولة، ولكن هناك شيء آخر، أعتقد أنه بالنسبة لنا هو أكثر أهمية وأكثر تلمساً للعمق، وهو الصراع الذي يدور بين الأطراف الإسرائيلية حول الأساليب الأهم والأكثر جدوى في استكمال المشروع الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى على كامل مساحة فلسطين التاريخية بما في ذلك الجولان، فالجولان وجنوب لبنان كانا في الأصل جزءاً من المشروع الصهيوني، والذي لم ينجح في تحقيقه بفعل التنافس ما بين الاستعمارين (الانتدابين) الفرنسي والبريطاني، إذاً نحن أمام مشروع مطروح على جدول أعمال جميع القوى السياسية في إسرائيل دون استثناء، هو مشروع إقامة إسرائيل الكبرى، على سبيل المثال غانتس، وهو أحد رموز المعارضة الإسرائيلية في الشارع في لحظة سابقة كان وزيراً والطرف الثاني المؤثر والوازن بحكومة نتنياهو، التي تشكلت عام 2020، اتخذت قراراً في 17 أيار الشروع بضم 30% من الضفة الغربية، إستناداً إلى مشروع «صفقة القرن» أو «مشروع ترامب» - 28/1/2020. في ذلك الحين، إذاً هو كان من رموز الضم، وإلى جانبه كان ليبرمان، لابيد وهم جميعاً من رموز المعارضة الآن بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة على مستقبل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وليست هناك خلافات بينهم حول النظرة إلى الشعب، التباينات القائمة بينهم يعكس خلافاً إتباع الأسلوب الصدامي الفج في التعامل مع الفلسطينيين، يختصر المسافات الزمنية، والرهان أكثر على مدايات زمنية أطول تأخذ بنظر الاعتبار المصالح الأميركية، والرأي العام العربي والدولي.

الصراع الذي يدور في الباطن الإسرائيلي، سيؤدي في المدى الأبعد إلى مزيد من التفسخ والانقسام داخل المجتمع اليهودي، أما المباشر بالنسبة لنا فهو ظاهر الصراع حول مضمون النظام السياسي بإسرائيل من جهة، لكنه بالباطن له علاقة بالمشروع الإسرائيلي المتناقض تماماً مع حقوق الشعب الفلسطيني، أرضاً ووجوداً وكياناً.

هذا هو الموضوع الذي يجب ألا نغفله، وهذا ما يفسر على سبيل المثال، إحجام الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ48، عن المشاركة في تحركات بعمليات المعارضة الإسرائيلية ضد الفاشست اليهود، الذين يتولون الآن مسؤولية الحكومة بإسرائيل لأنهم لا يرون في هذا الصراع مصدراً يؤدي إلى انفراج العلاقات بينهم وبين الكيان الغاصب، لصالح الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، هذا ما نحن بصدده الآن، وهذا الأمر سوف يتفاقم أكثر فأكثر، لأن إسرائيل الآن على مفترق طرق، هل سينتقل النظام إلى أيدي هؤلاء المستوطنين؟ الحكومة الحالية الآن هي حكومة مستوطنين، ليست حكومة أكثرية المجتمع الإسرائيلي، بل تمثل أقلية مجتمعية أكثر عدوانية ووحشية وطموحاً لوضع اليد على كل التراب الوطني الفلسطيني، هذا ما يجري الآن في إسرائيل، طبعاً بالنتيجة هل يخدم هذا الأمر النظام الوطني الفلسطيني، بالطبع يخدمه، إن أي تناقضات لا سيما إذا أخذت هذا الطابع المتفجر الواسع المتواصل داخل المجتمع الإسرائيلي بطبيعة الحال تخدم النضال الوطني الفلسطيني.

وعن خلفية قرارا حكومة نتنياهو تعزيز الحرس القومي الإسرائيلي وتشكيل ميليشيا مسلحة داخل إسرائيل وعلاقة ذلك بالأوضاع المتوترة في أراضي الـ48، وما يقال عن أن الفلسطينيين يشكلون الطابور الخامس ضد إسرائيل قال فهد سليمان:

إن إقامة ما يسمى بالحرس الوطني (الحرس القومي) جزء رئيسي من مهمته هي قمع الحركة الوطنية الفلسطينية في أراضي الـ48، وأنا أذكر هنا بمعركة «القدس» 2021، عندما انتفض الفلسطينيون في المدن المختلطة والبلدات والقرى العربية، تعالت أصوات كثيرة في الحكومة الإسرائيلية بأن الأجهزة الأمنية القمعية (الشرطية وغيرها)، لم تعد كافية لاحتواء حركة فلسطينيي الـ48، وبالتالي فإن إسرائيل بحاجة إلى أجهزة أمنية أخرى متخصصة بقمع هؤلاء، بالمقابل علينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أوسع، إذ إن ما يجري حالياً لا يقتصر على إنشاء جهاز أمني متخصص في المهمات القمعية سواء بالـ67، أو بالقدس أو بالـ48، إنما أيضاً استحداث مرجعيات أخرى للمستوطنين وعمليات الاستيطان بالضفة الغربية، تتجاوز المرجعية العسكرية التي هي مرجعية نظامية حتى بنظر القانون الدولي، جيش يحتل شعب آخر أو أرض أخرى مرجعية الجيش المحتل بمؤسساته، بما في ذلك الإدارة المدنية، الآن ما نشاهده داخل الحكومة الإسرائيلية هو انتقال المرجعية من الجيش إلى مرجعية ذات طابع ميليشاوي، بمسؤولية وزير المالية بتسلئيل سموترتش الذي يتقلد وظيفة تمكنه إلى جانب من التدخل بقضايا الاستيطان في الضفة الغربية، وأمن الضفة الغربية هذا من جهة، والإدارة المدنية بالضفة الغربية، ما يتمتع به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من صلاحيات واسعة في الضفة الغربية. الثنائي سموترتش وبن غفير أوجدا واقعاً قانونياً جديداً مكنهما من مزاحمة مرجعية الدولة العميقة المعنية بقضايا وشؤون الضفة الغربية وعموم أراضي الـ67، هذا تطور نوعي لطبيعة الاحتلال والمكانة القانونية لمرجعية الاحتلال بالنسبة لنا كفلسطينيين، ما يمهد بطبيعة الحال لمشروع الضم بالمعنى القانوني، فعلى سبيل المثال، فإن المستوطنين الموجودين في الضفة الغربية قد بلغ عددهم 750 ألف لا يتمتعون بكامل حقوقهم، على غرار أقرانهم في قلب الكيان إلا بفعل قوانين مؤقتة يتم تجديدها باستمرار لإدارة حياتهم في المستوطنات، هي مرجعيات مواطني الـ 48 الإسرائيليين، الوزارات الإسرائيلية المعنية شؤون الاستيطان في الضفة «المالية والأمن القومي»، ووفقاً للترتيبات الجديدة سوف تنتقل من سنّ إجراءات قانونية مؤقتة تتخذ لفترة زمنية محدودة، إلى إجراءات دائمة ورسمية تعني عملياً أن هؤلاء المستوطنين أصبحوا الآن بالمعنى القانوني بسوية الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الإسرائيليون داخل الكيان، وهذا يعني أن القانون الإسرائيلي منذ الآن سوف يسري عليهم، ويسري على المناطق التي يقيمون فيها، يعني المستوطنات، وأن المستوطنات باتت عملياً قد انضمت إلى إسرائيل، على غرار ما حصل في القدس، وما حصل في الجولان، التي أعلن من ضمنها سنة 1981.

ثم استدرك بقوله أن القرارات التي اتخذت بهذا الشأن أولاً بسبب المواجهة مواجهة لمثل هذه القوانين في جناحي الوطن (48 + 67)، وثانياً: إن إسرائيل سرعان ما سوف تكتشف بأن لا الحرس الوطني ولا القومي ولا سرايا الاحتياط سوف يكونون قادرون على قمع الحركة الشعبية الفلسطينية سواء بالـ67 أو بالـ48، ولن تكون قادرة هذه قضية مهمة جداً على منع أعمال المقاومة ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي من الصراع الحقيقي الذي يدور في الخفاء داخل إسرائيل وفي العلن معاً، على صلة بموقع الجيش الإسرائيلي، منها التجارب الأوروبية للنظام السياسي الإسرائيلي، ولهذه القضية سوابق تاريخية منها التجارب الأوروبية، ما الذي كرّس هيمنة الأحزاب العنصرية الفاشية المتطرفة، بتجربة إسبانيا أو إيطاليا أو ألمانيا، هو تحجيم دور التشكيلات النظامية، التي تعبر عن أوضاع الدولة وتعكس بنيتها، ونقل مركز الثقل بالقضايا العسكرية والأمنية وإدارة شؤون المجتمع إلى أجهزة حزبية متخصصة أي إلى تشكيلات عسكرية موازية للتشكيلات النظامية، واستحضار تشكيلات أمنية وسياسية ووزارية وإدارية، لتتزعمها طغمة فاشية هي أقلية في المجتمع، لكنها تمسك بمقاليد القرار، وهذا ما نشاهد إرهاصاته في إسرائيل، ففي إسرائيل تمسك القيادات الفاشية بعدد من الوزارات والمؤسسات كوزارة الأمن القومي ووزارة المالية، وكذلك تمسك بوزارة مساندة وموازية لوزارة الدفاع، أضف لذلك العلاقة القائمة ما بين السلطة التنفيذية والتشريعية التي أصبحت عملياً مرآة عاكسة لحجم القوى داخل البرلمان، والشطب شبه النهائي للمرجعية القضائية، ما يعني أننا أمام نظام بمفهوم الحركة الصهيونية هو الأكثر فاشية وطفيلية وعنصرية من أي من الأنظمة العنصرية، التي شهدها النظام في إسرائيل.

وفي مفهوم قوة الرد ووحدة الجبهات والساحات في مواجهة العدو الإسرائيلي، خاصة بعد حوادث إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان ومن غزة ومن الجولان، رداً على تصاعد القمع الإسرائيلي الاستيطاني في القدس والأقصى، وباقي المقدسات الدينية مسلمة ومسيحية، قال فهد سليمان:

إن قوة الردع تتحرك على ثلاث مستويات: على المستوى الإقليمي الذي يؤمنه توازن القوى بين الجمهورية الإسلامية في إيران وإسرائيل؛ وردع على المستوى الحدودي الموضعي، وهو الردع القائم بين حزب الله وإسرائيل، وآخر تجربة خيضت كانت عام 2006 ونتائجها معروفة، وهناك الردع النسبي القائم على أرض فلسطين، إنطلاقاً من «انتفاضة القدس» ومعركة «سيف القدس» عام 2021، إذن هناك ثلاث مستويات من الردع، ما نشهده حالياً هو دينامية سوف تقود إلى تلاقي المستويات الثلاثة للردع القائمة الآن، الردع القائم الآن بمستوياته الثلاثة، في حالة من التناغم بين مختلف هذه المستويات، لكنها ليست مترابطة عضوياً ببعضها البعض، لكل واحدة دينامياتها الخاصة، وتصب في نفس المجرى بنفس الهدف، لكنها محكومة – كما ذكرنا - بديناميتها الخاصة، وإن ما تتخوف منه إسرائيل أن يحصل المزيد من التقارب بين المستويات الثلاثة بحيث بالمحصلة يندمج الردع الاستراتيجي مع الردع الموضعي والردع النسبي ويشكلان معاً منظومة ردع تواجه دولة إسرائيل، هذه التسمية الاستراتيجية لما يطلق عليه «وحدة الساحات»، وهي تعني أن الإستراتيجيات المستقلة نسبياً عن بعضها البعض سوف تقود إلى تطورات موضوعية تقلص المسافة فيما بينها، وتوحدها بنهاية المطاف، من جانب آخر فإن وحدة تتحرك في الوقت نفسه على مستويات عدة في السلطة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني هو شعب ساحات في قطاع غزة والقدس والضفة الفلسطينية وفي القلب منها القدس وأراضي الـ48 وساحات الشتات والانتشار، ولكل ساحة خصوصيتها السياسية والاجتماعية والقانونية، وهو ما يفرض على وحدة الساحات هذه أن تعتمد كل منها أسلوباً كفاحياً ينسجم ومعطياتها المحلية، يوحدها برنامج وطني واحد، بالمضمون بالتنسيق بالتوقيت وتتفاعل فيما بينها وتعمل فيما بينها من أجل خدمة النضال الوطني الفلسطيني، هذه وحدة الساحات الفلسطينية، وهذه وحدة ليست لها علاقة بالوحدة السياسية الفلسطينية، أي وحدة الفصائل، غير أن وحدة الفصائل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية يعزز وحدة الساحات الفلسطينية ويقويها، شرط وحدة الساحات الوطنية الفلسطينية بمختلف التجمعات الفلسطينية من الأمريكيتين وحتى القدس لها علاقة بالنضج الذي يتمتع به الشعب الفلسطيني، بحيث بات كل فلسطيني يدرك أنه معني بجميع المعارك الوطنية الفلسطينية التي تخوضها. الفلسطيني في كندا معني بما يجري في القدس، والفلسطيني في القدس معني بما يجري في مخيمات سوريا، والفلسطيني في سوريا معني بما يجري في الأردن ... الخ. هذه قضية ليست مرتبطة بالوحدة السياسية حتى لا يقال أنها لا تتحقق إلا من خلال الوحدة السياسية، هي قائمة، هذا مستوى، إذن «وحدة الساحات» على المستوى الإقليمي لن تكون مجدية وفاعلة بالقدر المطلوب ما لم تستند إلى وحدة ساحات فلسطينية بالأساس، ما يسمى الآن «وحدة الساحات» على المستوى الإقليمي، يعكسه مصطلح محور المقاومة، تسمية محور المقاومة متواضع إلى حد ما ، ما هو قائم الآن أكثر من محور، وأكثر من جبهة، فإذن محور المقاومة هو الذي يجسد ما يسمى بـ«وحدة الساحات»، وهو الأداة النضالية لوحدة الساحات، بالمقابل علينا أن نلاحظ ما يلي: صحيح أن مكونات محور المقاومة تلتقي فيما بينها على موقعية القضية الفلسطينية، لكنها منهمكة في الوقت نفسه بمعالجة قضاياهما المحلية والقطرية في سياقاتها الإقليمية، كما هو حال اليمن مثلاً، وكذلك العراق وسوريا، غير أننا نلاحظ في الأشهر الأخيرة أن الهم القطري المحلي بالنسبة لمختلف مكونات محور المقاومة قد تراجع وانحسر، لأن هذه المكونات تحقق انتصارات وإنجازات مهمة في بلدانها وفي أقطارها، وهذا ينطبق على الجميع دون استثناء على سوريا بنظرة إجمالية على المشهد الإقليمي، إن مكونات محور المقاومة التي كانت مستغرقة في همومها المحلية والقطرية هي بصدد التحرر تدريجياً من هذه الهموم، ما يعني أن الطاقة التي تتحرر قطرياً سوف تصب في المجرى المشترك وهو فلسطين، لذلك نتوقع دوراً أكثر فاعلية لمحور المقاومة في الفترة القادمة، ومشهداً يتسم بدرجة أعلى من الترابط العضوي بين مختلف هذه الساحات، وهذا بدوره يشكل دعماً حقيقياً لوحدة الساحات الفلسطينية. وحدة ساحات كل أركان مكونات محور المقاومة، ووحدة الساحات الفلسطينية ستقربنا من الحالة الإستراتيجية التي تنبئ بالنصر الوشيك.

وفي رسمه للمشهد الإقليمي منطلقاً من الاتفاق السعودي – الإيراني، والإنفراجات العربية الداخلية، أوضح نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية:

أن الاتفاق السعودي الإيراني ليس اتفاقاً إقليمياً، بل هو اتفاق دولي: صيني - سعودي – إيراني، أهميته أنه يتجاوز كونه اتفاقاً ثنائياً، والقطب الثالث في هذا الاتفاق والضامن له هو دولة عظمى بحجم ما تمثله الصين، هذا الاتفاق الثلاثي يندرج بنفس السياق الذي تندرج فيه الانفراجات الدبلوماسية التي تشهدها سوريا حالياً، غير أن هذه الانفراجات الدبلوماسية ليست إلا ظاهر الموضوع، فهنالك حركة دينامية معينة قائمة منذ عدة سنوات، كانت تنبئ بهذه الإنفراجات، سبق ذلك تحركات دبلوماسية لم يتم الإفصاح عن مضمونها علناً، لكنها أثبتت عما وصلنا إليه الآن، سوريا عادت منذ فترة إلى تطبيع أوضاعها، وهذا المسار سوف يتسارع من خلال العلاقات الدبلوماسية التي استؤنفت وسوف يتسع نطاقها بالفترة القادمة، وهو يمثل إنجازاً كبيراً للشعب السوري، الذي يعمل على تضميد جراح حرب دارت رحاها على امتداد أكثر من عقد من الزمن، وهو أمر مهم جداً، تستعيد المؤسسات فاعليتها في سوريا، وأن تستعيد سوريا دورها العربي الإقليمي تحديداً اتجاه القضية الفلسطينية، واتجاه محور المقاومة، هذا أمر مهم يرتبط بشكل وثيق مع الاتفاق الثلاثي الصيني – السعودي – الإيراني، وباقي التطورات الإقليمية، خاصة إعادة النظر من قبل بعض الدول في موقفها السلبي من محور المقاومة، وقد أدركت هذه الأطراف أهمية ما تمتلك من ثروات مالية ونفطية، وأهمية أن تُستغل في تنمية بلدانها وشعوبها، ما يملي عليها التخلي عن سياسة دعم الحروب الإقليمية، والبحث عن إنفراجات تعتقد أنها تصب في خدمة محور المقاومة، وإن كنا في الوقت نفسه لا نقرأ في هذه التحولات سوى تعبيرات براغماتية لا تستند إلى سياسات مبدئية

اخبار ذات صلة