تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن بدايات برنامج الفضاء الإسرائيلي، واستعرضنا بشيء من التفصيل الخطط التي تم وضعها للوصول بهذا البرنامج إلى مستوى متقدم يضاهي في جزء كبير منه برامج الدول المتقدمة، وهو ما سمح للكيان الصهيوني بأن يُشرف على مساحة واسعة من جغرافيا المنطقة، ويجمع الكثير من المعلومات الاستخبارية الحسّاسة الخاصة بعدد من الدول، ولا سيّما تلك التي تناصبه العداء، والتي كانت وما زالت تشكّل تحدياً إستراتيجياً لوجوده غير الشرعي في قلب منطقتنا العربية والإسلامية.
في هذا الجزء الثاني والأخير، سنشير إلى ما تبقّى من الأقمار الاصطناعية التي تملكها "إسرائيل"، وهي من دون أدنى شك أكثر تطوراً وحداثة من تلك التي أشرنا إليها في الجزء الأول ولديها إمكانيات تكنولوجية فائقة، وسنعرّج على الصواريخ البالستية التي يتم استخدامها لإيصال الأقمار الاصطناعية إلى مداراتها الفضائية، والتي تطورت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا البرنامج، والتي تشمل أكثر من اتجاه، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو العسكري.
اقرأ أيضاً: البرنامج الفضائي الإسرائيلي.. أيّ دور؟ وأيّ أهداف؟ (1 / 2)
الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية
كنا قد أشرنا سابقاً إلى 4 من الأقمار الاصطناعية التي أطلقتها "إسرائيل" إلى الفضاء الخارجي، والتي حملت جميعها اسم "أفق" بأرقام متسلسلة من 1-4، إذ شهد الإطلاق الأخير عام 1998 إخفاقاً كبيراً، بسبب فشل الصاروخ الناقل للقمر في تجاوز مرحلة الإطلاق الثانية، الأمر الذي أدى إلى سقوط القمر "أفق-4" في البحر.
سننتقل اليوم إلى نوع آخر من الأقمار الاصطناعية التي خُصص بعضها للاتصالات والبث التلفزيوني، فيما البعض الآخر تم استخدامه لأغراض البحث العلمي، بحسب ما نُشر في الصحافة الإسرائيلية، مع ضرورة الإشارة إلى أنَّ العديد من المصادر الاستخبارية الأجنبية ألمح غير مرة إلى أن هذه الأقمار تؤدي خدمات أمنية واستخبارية بامتياز، إلى جانب مهامها الأخرى المعلن عنها.
1ـ القمر الاصطناعي "عاموس-1" (Amos-1)
بحسب الإعلان الإسرائيلي، فإن هذا القمر مخصص للاتصالات الهاتفية والتلكس والتلفاكس، إضافةً إلى البث التلفزيوني، إذ يمكن استقبال البث الخاص به بواسطة هوائيات على شكل طبق قطره 80 سم. ويوفّر القمر تغطية إشعاعية لمنطقة الشرق الأوسط، وجزء من شمالي أفريقيا، وجزء من شرقي أوروبا.
تم إطلاق " "Amos - 1في 15 أيار/مايو 1996، وهو يتميز بأنه من فئة أقمار الاتصالات الخفيفة، إذ يبلغ وزنه 961 كغم. وقد أُطلق بواسطة الصاروخ الفرنسي "آريان-4" (Ariane - 4). وُضـع القمر "عاموس-1" في المدار الجغرافي المتزامن على ارتفاع 35786 كم عند تقاطعه مع خط الطول 4 غرباً.
ونظراً إلى بُعد المدار وثقل وزن القمر مقارنة بأقمار الاستطلاع من نوع "أفق- Ofeq"، فإن صاروخ "شافيت" لم يكُن قادراً على إطلاقه. ولهذا، تمت الاستعانة بخدمات شركة "إيريان سبيس (Airiane space)" الفرنسية لإطلاقه بواسطة الصاروخ "أريان -4".
وقد تم إنتاج القمر من خلال مشروع مشترك ساهمت فيه 3 شركات، إحداها شركة "سبيس كوم- Spacecom" الإسرائيلية، وشركة "الكاتل سبيس- "Alcatel Space الفرنسية، وشركة "ديملر بنز إيروسبيس - Daimlar Benz Aerospace" الألمانية. وقد بلغت نفقات إنتاج القمر 350 مليون دولار.
2. القمر الاصطناعي "تيكسات-1" (Techsat – 1)
تمّ تصميم هذا القمر بواسطة الأساتذة والطلبة في كلية "الهندسة الفضائية" التابعة للمعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا (التخنيون-Technion)، وهو قمر اصطناعي صغير أو ما يُطلق عليه "Micro – Satellite"، إذ يبلغ وزنه 52 كغم فقط، ويحتاج إلى طاقة كهربائية قدرها 17 واط.
وقد شاركت 8 شركات إسرائيلية في تصنيع مكوّنات القمر، فيما تولت الكلية إنتاج أجزاء أخرى وجمع مكوناته واختباره. واحتوى القمر "تيكسات-1 /Techsat-1 " على أجهزة لقياس الأشعة السينية والمجال المغناطيسي ودراسة طبقة الأوزون ومعدات الاتصال وأجهزة الاستشعار المختلفة وكاميرات التصوير، وبلغت نفقات إنتاجه 3 ملايين ونصف مليون دولار. وقد جرى إطلاقه بواسطة الصاروخ الروسي "SS-25".
ويعمل المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا "Technion" حالياً على برنامج جديد لإنتاج قمر آخر أكثر تقدماً، وأثقل وزناً (250 ـ 300 كغم)، وهو القمر " تيكسات-2 / Techsat – 2".
3. القمر الاصطناعي "تيفوكس" (TAUVEX)
يتكوَّن هذا القمر من 3 تلسكوبات تعمـل بالأشعـة فوق البنفسجيـة، وهـي جزء من مجموعـة أجهـزة تُستخـدم لإجراء تجارب علمية فضائيـة مشتركة بين "إسرائيل" وروسيا والدنمارك. وقد تم لاحقاً تركيب هذه الأجهزة في القمر الصناعي الروسي "Spectrum Roentgon" "Gamma SRG".
4. القمر الاصطناعي "ديفيد" (David)
يعدّ من أقمار الاستشعار عن بعد، وهو نتاج برنامج مشترك مع وكالة الفضاء الألمانية "DARA" لإنتاج قمر استشعار عن بُعد "Remote Sensing Satellite"، إذ ساهمت ألمانيا بالجزء الأكبر من ميزانية البرنامج.
تم إطلاقه عام 1999 بواسطة صاروخ "شافيت". يحتوي على 120 قناة تلفزيونية ملونة، وهو من الأقمار الخفيفة الوزن، إذ لا يتجاوز وزنه 150 كغم.
5. القمر الاصطناعي "أفق- 13" (Ofeq -13)
هو آخر أقمار "إسرائيل" الاصطناعية وأحدثها. أُطلق فجر الأربعاء 29 آذار/مارس من هذا العام من قاعدة "بلماخيم" الجوية بواسطة صاروخ "شافيت". تم وصفه في الصحافة الإسرائيلية بأنه درة تاج الأقمار الاصطناعية من طراز "أفق"، وهو يختلف عن باقي نظرائه من هذا النوع لاعتماده على نظام الرادار.
"أفق 13" مخصص للتصوير الفوتوغرافي والتجسس، وهو يشكل الجيل الجديد من الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية. يتميز "أفق 13" بأنَّ لديه القدرة على إرسال إشارة تصل إلى الأرض ثم تعود إليه، وبالتالي تخلق في وقت قصير وسريع صورة لا تعتمد على السحب أو الظلام أو غير ذلك من الظروف الجوية.
وبحسب قسم أنظمة الصواريخ والفضاء في الصناعات الجوية الإسرائيلية، فقد تم بناء وتطوير مدار "أفق 13" بحيث يدور حول سطح الأرض مرة كل 90 دقيقة، وهو ما يمكّنه من التحرك في مسار يمر فوق كلٍّ من سوريا وإيران.
يتميز "أفق 13" بالقدرة على البقاء والتحليق في الفضاء لعقود، خلافاً للأقمار الاصطناعية الإسرائيلية الأخرى، كما تتميّز تقنية تشغيله بالقدرة على العمل والرصد والتوثيق والرؤية ليلاً ونهاراً، بحيث يمكن لكاميراته أن تخترق الغيوم في جميع الظروف الجوية.
برنامج الصواريخ البالستية "متعددة المهام"
منذ بداية برنامج الفضاء الإسرائيلي، تركزت جهود الهيئات المختصة التابعة لهذا البرنامج على إنتاج صواريخ الإطلاق، وهي تُعتبر أقلّ تعقيداً وتكلفة من الأقمار الاصطناعية، ويمكنها أن تُستخدم كصواريخ بالستية من طراز أرض/أرض في المواجهات العسكرية، لا سيما تلك التي تحتاج إلى صواريخ طويلة المدى، إذ إن التعديلات الواجب إدخالها إلى صاروخ الإطلاق فضائي ليتحول إلى صاروخ بالستي حربي هي تعديلات غير جوهرية، ولا تحتاج إلى عمل كبير أو تكلفة عالية، إذ إنَّ الصاروخ الذي يحمل قمراً اصطناعياً يمكنه بعد أن يُدخل إليه تعديلات طفيفة أن يحمل رأساً حربياً تقليدياً أو كيماوياً أو نووياً. ولذلك، فإن امتلاك "إسرائيل" هذه الصواريخ يحقق لها أكثر من هدف في وقت واحد، بما في ذلك برنامجها النووي.
بدأت صناعة الصواريخ ذات الاستخدام المتعدد في "إسرائيل" مبكراً جداً، إذ أبرمت وزارة "الدفاع" الإسرائيلية اتفاقاً عام 1963 مع شركة "Daussault" الفرنسية، بلغت قيمته 100 مليون دولار، لإنتاج صاروخ أرض - أرض من نوع "MD – 600"، على أن يبدأ استلام الدفعة الأولى منه عام 1968.
وقد تم إجراء العديد من التجارب في الصحراء الكبرى في شمالي أفريقيا في آذار/مارس 1965، إلا أن الشركة الفرنسية انسحبت من المشروع بعـد حرب حزيران/يونيو1967، ما اضطر "إسرائيل" إلى استئناف العمل فيه بشكل منفرد بتمويل من جنوب أفريقيا.
عام 1968، أُجريت تجربة الإطلاق الأولى لهذا النوع من الصواريخ الذي أُطلق عليه "أريحا- 1"، تم بعدها إنتاج النسخة الثانية منه تحت اسم "أريحا- 2"، الذي تحوّل بعد فترة ليست طويلة إلى صاروخ "شافيت "Shavit، الذي استخدم في إطلاق أقمار "أفق – Ofeq" الأربعة، ثم تلا ذلك إنتاج صاروخ "نكست – Next". وأخيراً، قامت "إسرائيل" بإنتاج أحدث صواريخها البالستية الذي أُطلق عليه اسم "أريحا – 3"، والذي يتراوح مداه بين 4800 – 6500 كلم.
1. صاروخ "أريحا -1" (1-Jericho )
هو صاروخ متعدد المهام من نوع أرض – أرض، يعدّ أول الصواريخ البالستية الإسرائيلية. تم تصنيفه بأنه صاروخ قصير المدى، وهو يتكوّن من مرحلتين، ويستخدم وقوداً جافّاً، ويتم توجيهه من خلال خاصية "القصور الذاتي"، والمقصود بالقصور الذاتي هو "أن باستطاعة أي جسم مادي الاستمرار في الحركة بسرعة ثابتة وفي الاتجاه ذاته، ما لم تتدخل قوة خارجية وتغير حركته أو اتجاهه.
يزن صاروخ "أريحا-1" نحو 4500 كغم، وطوله 10 أمتار، ويبلغ مداه ما بين 500 – 700 كم، ويحمل رأساً حربياً بزنة 500 كغم، ويمكنه حمل رأس حربي تقليدي أو كيماوي أو نووي.
2. صاروخ "أريحا -2 " (Jericho - 2 )
"أريحا-2" هو النسخة الثانية من صاروخ "أريحا -1 "، وهو صاروخ بالستي أرض - أرض متوسط المدى، ويتكون من مرحلتين، ويستخدم وقوداً جافّاً، ويُوجَّه من خلال خاصية "القصور الذاتي"، مع إمكانية تعديل وجهته في المرحلة النهائية من المسار لزيادة دقة الإصابة.
يبلغ وزن الصاروخ 6500 كغم، وطوله 12 متراً، ويتراوح مداه بين 1400 - 1600 كم، ويمكنه حمل رأس حربي تقليدي أو كيماوي أو نووي بزنة 1500 كغم. وقد تم إدخاله إلى الخدمة عام 1990، مع الإشارة هنا إلى أنه إذا تم استخدام هذا الصاروخ لأغراض حربية عسكرية، فإنه يستطيع أن يصل إلى جميع البلدان العربية، إضافة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
3. صاروخ " شافيت" (Shavit)
قامت الصناعات العسكرية في "إسرائيل" بتطوير صاروخ "أريحا-2" من خلال إضافة مرحلة ثالثة إليه، إذ أطلقت على النسخة الجديدة اسم "شافيت" (Shavit) الذي استخدمته لاحقاً في إطلاق الأقمار الاصطناعية الخفيفة من نوع "أفق – Ofeq" إلى المدارات القريبة من الأرض "Low Earth Orbits"، وهي المدارات التي لا يزيد ارتفاعها على 1500 كلم.
يبلغ طول الصاروخ 17.7م، وقطْره 1.352م، ووزنه عند الإطلاق 22 ـ 23 طناً. تم إطلاق صاروخ "شافيت" للمرة الأولى عام 1986 فوق البحر الأبيض المتوسط، ثم أُعيد اختباره من جديد قبل أيام قليلة من إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي الأول في 14 أيلول/سبتمبر 1988. واختبر مرَّة ثالثة في 7 تموز/يوليو 1989، بإطلاقه من قاعدة "أوفربيرغ" (Overberg)، قرب مدينة "كيب تاون" (Cape Town) في جنوب أفريقيا، حيث حلّق في هذه التجربة إلى مسافة "1400" كم.
وفي 3 نيسان/أبريل 1990، تم إطلاق صاروخ "شافيت" من قاعدة "بلماخيم" (Palmachim)، حاملاً القمر الصناعي الإسرائيلي الثاني "أفق -2" إلى مداره، حيث تمت العملية بنجاح، ولكن، بحسب بعض المصادر الإسرائيلية، فشل الصاروخ في القيام بمهامه بعد هذا الإطلاق، حيث جرت عدة محاولات بعد إطلاق القمر "أفق -2" لإطلاق القمر الاصطناعي "أفق-3"، من دون أن تتكلل بالنجاح.
استمر هذا الإخفاق مدة 5 سنوات، إلى أن تم أخيراً في 5 نيسان/أبريل 1995، من خلال إطلاق القمر الثالث في منظومة الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية "أفق-3/3"Ofeq -، ولكن الفشل عاد مرة أخرى في 22 كانون ثاني/يناير 1998، عندما فشل صاروخ "شافيت - Shavit" في إطلاق القمر "أفق-4/ Ofeq – 4" وسقط في البحر.
4. صاروخ "نكست" (NEXT)
حاولت "إسرائيل" من خلال إنتاج صاروخ "نكست – NEXT" الدخول كمنافس قوي في السوق العالمي الخاص بالأقمار الاصطناعية التجارية الخفيفة. وقد عُدَّ الصاروخ الجديد نسخة مطورة من صاروخ "Shavit"، إذ تمت إطالة مرحلتيه الأولى والثانية، مع إضافة مرحلة رابعة تعمل بالوقود السائل.
يبلغ طول صاروخ NEXT"" 21 م، وقطْره 1.352 م، فيما يبلغ وزنه عند الإطلاق 31 طناً. وتقول المصادر الإسرائيلية إنه قادر على حمل أقمار اصطناعية من زنة 400 كغم إلى مدارات قطبية، إذا تم إطلاقه من قواعد خارج "إسرائيل"، والمدار القطبي هو الذي تكون زاوية ميله إلى خط الاستواء تساوي "90^ه" أو قريبة منها، أي أنه يُصبح باستطاعة القمر الذي يُحلّق في هذه المدارات أن يمسح الكرة الأرضية من الشمال إلى الجنوب وبالعكس.
5. صاروخ "أريحا -3" (Jericho –3)
هو أخطر الصواريخ البالستية الإسرائيلية وأحدثها، ويُصنف بأنه صاروخ متعدد المهام، إذ يمكن استخدامه كصاروخ أرض - أرض طويل المدى. يبلغ مداه ما بين 4800 إلى 6500 كلم، ويستطيع الوصول إلى أي منطقة في الشرق الأوسط بسهولة أو لإطلاق الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء.
هو نسخة مطورة من صاروخ "أريحا 2". دخل الخدمة عام 2011. يعمل بالوقود الصلب، ويبلغ طوله 16 متراً، وقطره 156 سم، ويصل وزنه عند الإطلاق إلى 29 طناً، وهو يحمل رأساً حربياً واحداً، ويمكن إطلاقه من تحت الأرض أو من مركبات متحركة.
ومن مميزات هذا الصاروخ أنه يستطيع حمل رأس حربي تقليدي أو رأس نووي، أو حتى رأس حربي كيميائي. كذلك، هو مزوّد برادار حديث للتوجيه ووسائل للتمويه والخداع يتم استخدامها لتضليل المنظومات المضادة للصواريخ.
الأهداف الحقيقية لبرنامج الفضاء الإسرائيلي
حاولت "إسرائيل" دائماً الترويج لبرنامجها الفضائي بأنه مخصص بمعظمه للأغراض العلمية والتجارية، وأن أقمارها الاصطناعية العسكرية هدفها الدفاع عن أمن "الدولة" فقط، وأنها لا تسعى لاستخدامها في شن عدوان على أيٍّ من دول المنطقة.
ولكن المتتبع لتاريخ الكيان الصهيوني في هذا الجانب يكتشف أن الأهداف الإسرائيلية أكبر من ذلك بكثير، وأن ما يُراد تحقيقه من ورائها يتعدى كل ما تذكره بمراحل عديدة. ويمكننا أن نشير إلى بعض الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا البرنامج، والتي تعدّ أهدافاً إستراتيجية بعيدة المدى.
أ. الأهداف السياسية
على المستوى السياسي، تحاول "إسرائيل" جاهدة تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول يتلخّص في إقناع خصومها وأعدائها من الدول العربية والإسلامية بأنها تتفوق عليهم في كل المجالات، وليس أمامهم أي فرصة للتفوّق عليها، وأن عليهم الانصياع لهذا الأمر رغماً عنهم.
أما الهدف الثاني، فهو إظهار نفسها عالمياً بأنها دولة قوية ومقتدرة، وأن مكانها بين الدول العظمى، وأن على دول العالم فتح خطوط اتصال معها للاستفادة مما بحوزتها من قدرات علمية وتكنولوجية، وأنها الأكثر جدارة بقيادة المنطقة من كل الدول الأخرى قياساً على ما تملكه من إمكانيات وقدرات.
ب. الأهداف الاقتصادية
تعدّ "تجارة الفضاء" سوقاً رابحة وذات فوائد اقتصادية هائلة، وهي مرشحة لزيادة حجم الاستثمارات فيها بشكل كبير خلال السنوات المقبلة. وبناء عليه، قامت "إسرائيل " بالدخول بقوة في هذا السوق، من خلال جملة من الخدمات الفضائية التي تقدمها لدول مختلفة، مثل بيع الأجهزة المستخدمة في إطلاق الأقمار الاصطناعية، وكذلك إطلاق أقمار صغيرة يوفر بعضها خدمات البث التلفزيوني، والبعض الآخر خاصّ بنظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن العائد المادي من وراء هذا العمل يمكنه أن يتجاوز 100 مليون دولار سنوياً كحد أدنى. هذا الرقم مرشّح للارتفاع مع توسع انخراط الكيان الصهيوني في هذا السوق.
ج. الأهداف العلمية
تسعى "إسرائيل" للحصول على المزيد من الخبرات العلمية في مجال الفضاء، وتحاول باستمرار زيادة غلّتها من الخبرات النظرية والتطبيقية، حتى تقف على قدم المساواة مع الدول العظمى في العالم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تعمل على تبادل الخبرات والمعلومات مع العديد من الدول، وتحاول الاستفادة قدر الإمكان من قدراتها وإمكانياتها.
وقد سعت خلال السنوات الأخيرة للحصول على قاعدة بيانات معلوماتية حول الوجود الدائم للإنسان في الفضاء الخارجي، مع العلم أنَّ هذا الهدف يعدّ أولوية ثابتة لدى برنامج الفضاء الأميركي الذي يحتل المرتبة الأولى عالمياً بين برامج الفضاء للدول الأخرى.
د. الأهداف العسكرية
تعتمد الحروب الحديثة على مجموعة من العوامل الحاسمة، تأتي في مقدمتها منظومة القيادة والسيطرة التي تحتاج إلى معلومات وافية عن ميدان المعركة تشمل تحركات العدو وأماكن حشد قواته وقواعده العسكرية ومناطق الضعف والقوة في خط الجبهة والأهداف العسكرية المحتملة...
هذا الأمر توفر الأقمار الاصطناعية جزءاً مهماً منه، من خلال التقاط الصور وتحليلها، ما يساهم في قراءة التحوّلات التي قد تحصل في ساحة المعركة، إضافةً إلى اتخاذ خطوات استباقية تُبطل أيّ مفاجأة وتمنع أي اختراق من قوات "العدو".
وبحسب بعض الدراسات، تعدّ أقمار الاستطلاع والاتصالات من أحدث وأسرع الوسائل التي توفر المعلومات، وتُحقق القيادة والسيطرة على العمليات الحربية، وتُسهم بفاعلية في تحقيق الانتصار، مع ملاحظة أنَّ تأمين المعلومات المطلوبة عن موقف قتالي معين يحتاج إلى أكثر من قمر اصطناعي، إذ إن القمر الواحد لا يمكنه أن يوفّر معلومات لحظية عن الوضع الميداني، لأنه ليس ثابتاً فوق منطقة معينة، فهو يدور حول الأرض بسرعة تختلف عن سرعة دوران الأرض حول محورها.
وبناء عليه، فهو يمر فوق المنطقة المستهدفة عدة مرات يومياً، ويبقى فوقها عدة دقائق فقط في كل دورة، ومن ثم يغادر. وبهذا، يتطلّب تأمين معلومات مستدامة عدة أقمار اصطناعية، ما يعدّ تحدياً صعباً لكيان مثل "إسرائيل". كذلك، فإن أجهزة التصوير المستخدمة في الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية لا تستطيع التصوير ليلاً، باستثناء القمر الأخير "أفق 13"، الذي يستخدم الرادار على غرار الأقمار الاصطناعية الأميركية من نوع ""Lacrosse.
الخاتمة
صحيح أن البرنامج الفضائي الإسرائيلي قطع شوطاً كبيراً في مجال إنتاج الأقمار الاصطناعية وإطلاقها، وصحيح أيضاً أن هذا الأمر يُعطي أفضلية لـ"دولة" الكيان على مستوى جمع المعلومات الاستخبارية والتجسس على كل دول المنطقة، ولكن بحسب كل الدراسات لا يمكن لهذا الأمر أن يكون حاسماً في تحديد هُوية المنتصر في الصراع القائم في المنطقة بين محور الشر ورأس حربته الكيان الصهيوني ومحور المقاومة بكل دوله وفصائله، فهناك عوامل عديدة أخرى يمكن أن تشكّل بيضة القبان في مسار هذه المعركة الطويلة، التي لو خاضتها الأمة العربية والإسلامية مجتمعة، فإنها ستحقق انتصاراً باهراً رغم الاختلال الواضح في موازين القوى لمصلحة المحور الآخر.
في مقالات مقبلة، سنتحدث بإذن الله عن البرامج الفضائية للدول العربية التي تملك إمكانيات هائلة في هذا المجال، غير أنها لا توجّه في الاتجاه الصحيح، وسنتحدث كذلك عن البرنامج الفضائي الإيراني، بصفته البرنامج الأكثر تهديداً للكيان الصهيوني والمصالح الأميركية في المنطقة، والذي شهد نقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة، رغم ما تتعرض له إيران من عقوبات وحصار.